إعلان الإدارة الأمريكية رسمياً عن عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، داخل مدينة كابول الأفغانية، يشير إلى وجود اتفاقات تمت في الغرف المغلقة بين ممثلي حركة «طالبان» ومسئولين من الاستخبارات الأمريكية.
تخلص «طالبان» من أيمن الظواهري جاء باعتباره ورقة محروقة يمكن توظيفها بما يحقق المزيد من المصالح والمكاسب لحكومة كابول، والاعتراف بها من قبل الدول والمؤسسات الغربية، لاسيما أن هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، نشرت تقريراً أفاد فيه شهواد العيان، بأن «طالبان» أخلت المنازل المجاورة لمنزل الظواهري من ساكنيها، ومنعت الاقتراب من هذه المنطقة الجغرافية، ما يعني أن العملية مرتبة ومجهزة بين الطرفين.
لايمكن للإدارة الأمريكية تنفيذ عملية مقتل أيمن الظواهري بعيداً عن مساعدة حركة «طالبان»، فى ظل التعهد بوقف تمدد التنظيم القاعدي، ومن ثم الوصول لمقر إقامة أيمن الظواهري تم برعاية قيادات طالبانية، لأسباب كثيرة منها، رد الجميل للإدارة الأمريكية التي منحتهم شرعية الانفراد بالسلطة فى كابول، بجانب الكثير من المساعدات المالية من الجانب الأوروبي والأمريكي، والتوعد بتطبيع العلاقات الرسمية والدبلوماسية مع الحكومة الأفغانية قريباً.
حاول الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي، تبرئة «طالبان» من دماء أيمن الظواهري بشكل غير مباشر، فضلاً عن بيان الحركة المندد بتنفيذ العملية واعتبارها بمثابة اعتداء على السيادة الأفغانية، فى محاولة لغسل سمعتها أمام دوائر الإسلام الحركي.
أرادت حركة «طالبان»، التخلص من عبء تنظيم «القاعدة»، ووجود فصيل منازع أو منافس لها داخل البقاع الأفغانية، وكذلك الرد على الاتهامات الموجهة إليها بتحويل كابول لملاذ أمن لروافد التنظيم القاعدي، خاصة فى ظل النشاط المكثف والملحوظ لرجال الظواهري، ومدهم جسور التواصل مع قيادات شبكة «حقاني» المتحالفة مع طالبان، والتي تعمل وفق أجندة تناهض التسليم المطلق للإدارة الأمريكية وتوجهاتها فى المنطقة.
اشتعلت الخلافات بين تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»، على مدار الأشهر القليلة الماضية، بسبب عجزها فى التصدي لوقف دعم الخلايا الداعشية بالعناصر الطالبانية المنشقة نتيجة الصراعات الإدارية والفكرية، ما عمل على تمدد التنظيم الداعشي فى المدن الأفغانية وإقليم خراسان، وبالتبعية تهديد الوجود القاعدي فى تلك البقعة الجغرافية.
لن يتأثر تنظيم «القاعدة» كثيراً بمقتل أيمن الظواهري، فى ظل اعتماده على استراتيجية الإدارة غير المركزية، التي برزت فيها الفروع الإقليمية، وسيطرت على مفاصل التنظيم القاعدي، وفرضت رؤيتها وتوجهاتها على القيادة المسردبة والمتوارية عن المشهد تماماً.
من المرجح أن يخلف الظواهري فى زعامة تنظيم «القاعدة»، محمد صلاح زيدان، المكنى بـ «سيف العدل»، المسؤول العسكري للتنظيم، والمقيم فى طهران منذ عام 2002، والمتأثر بالعقلية الثورية الإيرانية، نظرا لارتباطه القوي والوثيق مع رجالات «الحرس الثوري»، واستكمل تدريبه العسكري على أيديهم، ولعب دورا الاتصال بين حكومة طهران، وتنظيم «القاعدة»، منذ سنوات طويلة،
رغم مختلف المؤشرات التي توحي بقرب نهاية تنظيم «القاعدة» وانحداره فى شكل كبير، يظل محمد صلاح زيدان، المكنى بـ «سيف العدل»، المولود فى مصر عام 1963، أحد مكونات معادلة البقاء والتمدد لكونه يمثل المرجع والخبير العسكري المؤثر فى قطاع وفروع التنظيم التي أصابتها الهشاشة والتفكك.
ارتبط «سيف العدل» بتنظيم «الجهاد المصري»، وفقاً للمعلومات التي ذكرها برنامج مكافحة الاٍرهاب الأمريكي، وعمل خبيراً لصناعة المتفجرات، ومسؤولاً عن «اللجنة الأمنية» لتنظيم بن لادن، وكان من المقربين من الملا عمر حاكم «طالبان» أثناء إقامته فى قندهار.
فى مايو 1987، أُلقي القبض على «سيف العدل»، فى القضية المعروفة إعلامياً بـ «إعادة إحياء تنظيم الجهاد»، والتورط فى محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن أبو باشا، قبل أن يُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، ليهرب إلى السعودية، ومنها إلى السودان، ثم إلى أفغانستان عام 1989، وليقرر الانضمام إلى تنظيم «القاعدة».
لم يكن «سيف العدل» من المؤسسين الأوائل لتنظيم «القاعدة»، لكنه مارس دوراً أساسياً فى بناء القُدرات العسكرية والتأهيلية للتنظيم، بفضل خبراته العسكرية.
الكثير من الأسس والخبرات والتجارب للموسوعة العسكرية لتنظيم «القاعدة»، وضعها «سيف العدل»، والتي أصبحت فى ما بعد مرجعاً للتنظيمات الإرهابية، مثل المداهمات الأمنية، وطرق تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات، والرصد والمتابعات، وطرق جمع المعلومات العسكرية والاستخباراتية، وكيفية استهداف العناصر المراد اغتيالها، وغيرها من القُدرات التأهيلية التي عززت من قوة «تنظيم القاعدة».
فى بداية التسعينيات من القرن الماضي، سافر «سيف العدل» إلى الصومال لإقامة معسكرات تدريبية للمسلحين، لاستهداف قوات حفظ السلام، لا سيما الأمريكيين منهم، وحينها وجهت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، التورط فى قتل 18 مجنداً أمريكياً، فى مقديشو عام 1993.
خلال الاجتياح الأمريكي لأفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001، اتجه «سيف العدل» برفقة عدد من قيادات «القاعدة» إلى إيران، فى إطار تفاهمات بين الجانبين، ومن داخلها أشرف على مجموعة من العمليات الإرهابية المنسوبة للتنظيم، وأدى دوراً مهماً فى تفجيرات الرياض فى مايو 2003، ما دفع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة للضغط على طهران لسجنه، وبالفعل تم وضعه تحت الإقامة الجبرية.
وفى 19 سبتمبر 2015، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية، أن طهران أبرمت صفقة سرية مع تنظيم «القاعدة»، لإطلاق سراح (5) من قياداته، وضعتهم قيد الإقامة الجبرية، بعد غزو القوات الأمريكية معظم الأراضي الأفغانية، مقابل تحرير دبلوماسي إيراني كان مختطفاً فى اليمن، وكان فى مقدمتهم «سيف العدل»، قائد الجناح العسكري.
ووفقاً للكثير من التقارير الأمريكية التي تناولت دور «سيف العدل»، فى محاولة إحياء تنظيم «القاعدة»، وإعادته للتموضع الجغرافى، أشارت إلى تنقله بين المناطق الإفريقية، بهدف هيكلة الفروع وضمان ولائها، وتحويلها إلى مرتكز من خلال إقامة تحالفات مع عدد من الحركات المسلحة التي تميل للمنحى الفكري «القاعدي»، فضلاً عن عرقلة مساعي تنظيم «داعش» فى استمالة أفرادها وقياداتها.
تزوج «سيف العدل»، من ابنة التكفيري المصري، المدرج على قائمة الإرهاب الدولي، مصطفى حامد الشهير بـ»أبو الوليد المصري»، أو «شيخ المجاهدين العرب»، الذي عمل مراسلاً لقناة «الجزيرة» فى قندهار ما بين عامي 1998- 2001، وانتقل للإقامة فى إيران عام 2002، وظل فيها حتى عاد إلى القاهرة عام 2011، ومنها إلى قطر عام 2013، ليستقر به الحال مرة أخرى فى إيران منذ عام 2016.
ينضم لقائمة المنافسين على خلافة الظواهري، كل من محمد أباتي المكنى بـ «عبد الرحمن المغربي»، المولود فى مدينة مراكش عام 1970، والمدرج على قوائم الإرهاب الدولي، ويشغل منصب القائد العام للقاعدة فى أفغانستان، وباكستان، منذ 2012، ويدير عمليات التنظيم من إيران، وفق موقع «المكافآت من أجل العدالة»، فضلاً عن أن المغربي يعتبر صهر الظواهري، والمسؤول عن إدارة المكتب الإعلامي، والمنسق العام للاتصالات الخارجية لتنظيم القاعدة.
وكذلك، أحمد ديري أبوعبيدة، المدعوم بقوة من النظام الإيراني، والقائد الحالي لحركة «الشباب الصومالية»، التي تعتمد بشكل مباشر على سلاح إيراني الصنع فى مواجهاتها، ما يدعم ويكرس فكرة تبعيتها لتوجيهات نظام الملالي، خاصة أن الحركة نفذت عمليات مضادة للمصالح الأمريكية، راداً على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس فى عام 2020.
ويأتي فى نهاية السباق مبارك يزيد، المكنى بـ»أبو عبيدة يوسف العنابي»، زعيم تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربي، يحمل الجنسية الجزائرية، ووضعته الخارجية الأمريكية على قوائم الإرهاب، فى سبتمبر 2015، وتولى قيادة التنظيم خلفاً لعبد المالك دروكدال، الذي قتل فى يونيو 2020 إثر عملية عسكرية نفذتها القوات الفرنسية بشمال غرب مالي.
سيطرة طهران على العقلية الجديدة التي تدير المشهد القاعدي محل اهتمام من قبل الباحثين، فى ظل ميول كل من سيف العدل، وعبد الرحمن المغربي، وأحمد ديري، إلى المنهج الإيراني، خاصة أن طهران لعبت دوراً فى تأهيل قيادات تنظيم القاعدة، وفقاً لتقرير «اللجنة الوطنية للتحقيق فى الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة»، المعروفة بـ(لجنة 11 سبتمبر)، وهي لجنة مستقلة مكوّنة من الحزبين، الجمهوري والديموقراطي أنشئت بموجب قانون أصدره الكونجرس أواخر عام 2002، تضمن تحقيقاً رسمياً عن العلاقة بين النظام الإيراني وتنظيم «القاعدة»، تحت عنوان «مساعدة من حزب الله وإيران للقاعدة».
كانت بداية مرحلة التسعينيات - وفقاً للتقرير - بمثابة الترجمة الحقيقية لعقد الشراكة بين تنظيم «القاعدة» ونظام الملالي، فى ظل تدريبات جمعت بين كل من عناصر الجهاد المصري، وتنظيم «القاعدة» و«حزب الله» ومئات من الحرس الثوري الإيراني، داخل العمق السوداني.
فى ديسمبر 2017، أظهرت وثائق أرشيف وكالة الاستخبارات المركزية التي رُفعت السرية عنها، وضبطتها فى مخبأ «بن لادن» عقب اغتياله فى أبوت آباد، العلاقة السرية بين تنظيم «القاعدة» وطهران، وتحدثت 19 ورقة من ضمنها حول دور أجهزة الاستخبارات الإيرانية، فى تسهيل إصدار التأشيرات الخاصة لعناصر «القاعدة» المكلفين تنفيذ العمليات، وإيواء أعضاء آخرين فى التنظيم.
كان من بين الوثائق، خطاب كتبه بن لادن عام 2007، شرح فيه مبررات عدم الهجوم على إيران، قائلاً: «إيران هي شرياننا الرئيسي الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الاتصال، إضافة إلى مسألة الرهائن، ولا يوجد ما يستوجب الحرب مع إيران».
احتوى التقرير الصادر عن المنظمة الأمريكية «متحدون ضد إيران النووية»، على قائمة تفصيلية بأسماء قادة تنظيم «القاعدة» الذين احتضنتهم إيران على أراضيها، أو سافروا إليها فى مهمات واجتماعات عسكرية، فى مقدمتهم، أيمن الظواهري الذي ارتبط بعلاقات قديمة مع طهران، إذ كان ضيفاً متكرراً على مسؤوليها فى تسعينيات القرن الماضي، عندما كان قائداً لتنظيم الجهاد، إذ اجتمع مرات عدة مع وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك، علي فلاحيان، وقائد فيلق القدس فى الحرس الثوري الإيراني آنذاك، أحمد وحيدي.
بعض الوثائق التي سربها أحد المراكز البحثية المعنية بمتابعة التنظيمات الإرهابية، أوضحت أن أيمن الظواهري كان مناصراً لفكرة الثورة الإسلامية فى إيران، وأن نظام الملالي وافق على أحد المطالب التي طرحها الظواهري فى إحدى زياراته السرية لطهران، بدعم وتدريب عناصر الجهاد المصري، للإطاحة بالنظام المصري، والتخطيط لمحاولة انقلاب ضد الرئيس مبارك عام 1990.