يتزوجن صغارا، من بيت الأب إلى بيت العدل مباشرة، لتتقلص وظيفتهن فى التكاثر، لم يدخل يوما فى قاموس حياتهن مفهوم (تنظيم الأسرة)، بل لا يزال مفهوم العزوة هو المسيطر على فكرهم، وأن كثرة الأنجاب دليل على القدرة الذكورية حتى لو نسى الرجل عدد أولاده وأسماءهم، تعددت أسباب كثرة الإنجاب والمصيبة واحدة، فهناك من ينجب للعزوة وآخر للسند وهناك من يستثمر فى أولاده، وأخرون ينجبون حتى يأتى ولى العهد الذكر بعد إنجاب البنات بشكل متتال.
فى مسكن بالإيجار، تعيش الأم مع زوجها، الذى تزوجته فى سن صغير، لتنجب له 12 ولد وبنت هذا بخلاف من توفاهم الله بعد الولادة مباشرة، بسبب الجهل والفقر وسوء التغذية. كانت كثرة الخلفة أسلوب حياتهم، ولا يختلف بطل تلك القصة الحقيقية عن شخصية "حسنين" بطل أول إعلانات تنظيم الأسرة، الرجل الذى أنجب (العيال) فخسر الصحة والمال.
يعانى الأب الآن أشد المعاناة، فلقد خابت ظنونه بعد أن توهم أن كثرة الخلفة ظهر وحيطة يتسند عليها، لكنه الآن يقف عاجزا عن الإنفاق وأصبح فى الدنيا شخص يعيش "جنب الحيط "، ليبكى على الأطلال، فقدماه الآن لا تحملانه بسبب مرض السكري والضغط وآلام المفاصل التى لم يفلح فى علاجها، موفرًا لأبنائه ثمن العلاج.
وعندما تقع عيناك على الأم، ترى وجهها المهموم وقد حفرت عليه التجاعيد شقوق، رغم أنها لم تصل إلى الأربعين من عمرها؛ فالمرأة المنجبة تفتقر بالطبع الشكل الجمالى والاهتمام بنفسها، وهذا أضاف على عمرها سنين وسنين، ورغم ما تعانيه من إنهاك جسدى ونفسى واجتماعى إلا أنها تنتظر ثمرة العناء من أولادها بعد أن تكبر فى السن.
هناك آباء يستخدمون أبناءهم لجلب المال، ففي كثير من الأحيان نجد أسر تنجب العديد والعديد من الأطفال فقط بغرض الإنتاج، بمعني أنه ينجب أطفال كثيرة حتي يقوم بعمالتهم وهم في سن صغيرة ليبدأ كل طفل فيهم بجلب المال وهو صغير، ويبدأ الأب يجمع المال من أطفاله وهكذا.
وهناك حالات من المجتمع تتبع سياسة (جلب المال من كثرة الإنجاب)، فما سيكولوجية هذا الأب الذي يستخدم أطفاله بغرض جمع المال؟
وتقول دكتورة "زينب المهدى" معالج نفسى وخبير تنمية بشرية: "ذلك الأب يفتقد إلى عنصرين مهمين جدا: أولهما التدين، فالرجل بصفة عامة، أعطاه الله القوامة، والقوامة في الحماية والإنفاق، وبالتالي ذلك الأب سقطت منه القوامة؛ لأنه غير قادر على حماية أطفاله من الإهانة وأعطائهم فرصة أن يعيشوا الطفولة التي سلبها منهم. وثانيهما، هى الأبوة، وتلك المشاعر والقيمة الكبيرة التي تسمى الأبوة، تكمن في حب الأب لأطفاله والتفافه حولهم، بسماع مشاكلهم تارة ومصادقتهم تارة أخرى، وليس لسلب كل شئ جميل منهم".
وعن أسباب تلك القضية، أكدت "المهدى" أنها تكمن في عدم وصول الشاب إلى النضج العقلي حتي يكون صالح للزواج، فالكثير من الزيجات بشكل عام تفشل بسبب أن مجتمعنا الشرقي يعطي الأهمية الكبري للبلوغ الجسدي ولا يعطي أهمية للبلوغ العقلي الذي يعتبر هو الأساس والمحور الأول للزواج".
وأشارت المعالج نفسى وخبير التنمية البشرية، إلى أن تربيت الشاب غير السوية هى ما جعلته "أب فاسد" فكلمة (انت الراجل) تفسد أخلاق كثير من الأطفال الذكور، لأنه يفهم هذه الكلمة بمفهومها السلبي، ويتجه إلى أن يكون رجل ديكتاتور يفعل ما يشاء وقتما يشاء، وبالتالي لا يعطي أهمية لقوانين ومبادئ الرجولة الحقيقية، ألا وهي حماية الأسرة المكونة من زوجة وأطفال.
وهناك تحدى كبير أخر فى المجتمع، وهو عدم تعزيز دور الأب في التربية، وإلقاء الضوء فقط على دور الأم، رغم أن دور الأب مهم جدا، ويدعم استمرارية الزيجة والحفاظ على الأطفال وعلى حقهم الديني والإنساني في الحياة الكريمة.
وحول كيفية علاج هذه المشكلة، أوضحت "المهدى" أنه من الضرورى إجراء اختبارات نفسية على المقبلين على الزواج لمعرفة هل هم مؤهلين للزواج أم أنهم يتخذون الزواج وسيلة لتحقيق أغراضهم غير السوية. فكلما تزايد عدد هذه النوعية من الأباء، ازداد معها الأطفال المصابين بالاضطرابات النفسية؛ وبالتالي يصبح الطفل فيما بعد شابا مضطرب نفسيا، يحتاج لعلاج يستمر طويلا، وغير قادر على الحياة وسط أشخاص أسوياء. وتعود الدائرة مرة أخرى.