ارتفعت الأصوات الداعمة للطاقة النووية في ألمانيا في الوقت الذي تنظر فيه الحكومة في سبل الحفاظ على الإضاءة والتدفئة في موسم الشتاء القادم، مع تلبية الطلب من الصناعة، على الرغم من احتمال انخفاض واردات الغاز الروسي بشكل كبير.
ووفقا لنتائج استطلاع للرأي نشرته شبكة البلقان الإخبارية المتخصصة في شئون شرق أوروبا وأوراسيا، أعرب 82% من الألمان عن رفضهم إغلاق الحكومة المفاعلات الثلاثة المتبقية في البلاد في (إيمسلاند) و(ايسار 2) و(نيكارويستهيم 2) في نهاية عام 2022، كما هو مخطط له حاليًا، حيث قال 41% من المشاركين إنهم يريدون الحفاظ على الطاقة النووية في بلادهم على المدى الطويل، في حين أيد 15% فقط إغلاق المفاعلات في نهاية العام الجاري.
وكشفت نتائج الاستطلاع، الذي أجراه مركز استطلاعات الرأي (دويتشلاندترند)، عن أن 61 % من الأشخاص الذين يؤيدون حزب الخضر المناهض للأسلحة النووية، والذي يعتبر جزءا من الائتلاف الحاكم، يؤيدون الإبقاء على الطاقة الذرية مؤقتًا على الأقل، بينما يريد 31% فقط من مؤيدي حزب الخضر إغلاق المفاعلات في ديسمبر المقبل. كما أكد 71% من الذين شملهم الاستطلاع أنهم يوافقون على سياسة الحكومة المتمثلة في جعل ألمانيا مستقلة عن واردات الطاقة الروسية.
وكان المستشار الألماني أولاف شولتز قد أشار، في أوائل أغسطس، إلى أنه قد يكون من المنطقي إبقاء المفاعلات مفتوحة إلى ما بعد عام 2022 وإطالة عمرها العملي، وسط مطالب الديمقراطيين المعارضين بتمديد فترة عمل المفاعلات الثلاثة، إذ إن ذلك يمكن القيام به حتى بدون شراء قضبان وقود جديدة مع الإمدادات الحالية الكافية على المدى القصير.
وشكلت الطاقة النووية 13.3 بالمئة من إمدادات الكهرباء في ألمانيا في عام 2021، حيث تم توليد تلك الكمية من خلال ستة مفاعلات وتم إيقاف تشغيل ثلاثة منها في نهاية عام 2021، وكان من المقرر أن تتوقف الثلاثة المتبقية، في (إيمسلاند) و (ايسار 2) و (نيكارويستهيم 2)، عن العمل في النهاية عام 2022.
وتواجه ألمانيا حاليا نقصًا في الغاز في ظل انخفاض إمداداتها من روسيا، حيث خفض خط غاز (نورد ستريم 1) إمداداته إلى 20 بالمئة من إجمالي طاقته في نهاية يوليو الماضي، بسبب ادعاء روسيا بأنها لا تستطيع استيراد توربين من ألمانيا بسبب العقوبات، في حين أن خط (نورد ستريم 2) لا يزال متوقفًا عن العمل.
وتبلغ احتياطيات الغاز الألمانية حاليًا 65 بالمئة من سعتها الإجمالية، وتريد الحكومة رفعها لتصل إلى 95 في المئة، جنبًا إلى جنب مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بحلول أول نوفمبر المقبل. إلا أن برلين لا تدرك كيف تحقق ذلك الهدف، وقد حثت المواطنين على استخدام كميات أقل من الغاز في إطار حزمة تدابير تستهدف توفير الغاز. ووافق الاتحاد الأوروبي على خطة لخفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة.
وفي يوليو الماضي، أعلنت وزارة البيئة الألمانية، التي تشرف على اللوائح، إنها ستنظر مرة أخرى في إمكانية إبقاء المفاعلات مفتوحة بعد رفضها الفكرة عقب بدء الحرب في أوكرانيا في مارس الماضي. وتهدف إلى إجراء اختبار إجهاد لمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة إلى المفاعلات.
وأوضحت المتحدثة باسم الوزارة كريستيان هوفمان إن أي قرار لإبقاء المفاعلات مفتوحة سيكون تقنيًا وليس أيديولوجيًا، نظرا لأن ألمانيا تعتزم استبدال الطاقة النووية بالطاقة المتجددة والواردات وربما الوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من ذلك، أدت أزمة الغاز إلى احتمال العودة إلى استخدام الفحم، وانتقلت محطة (مهروم) الألمانية للطاقة من الاحتياطي البارد، أي مخزون ليس قيد التشغيل، إلى التوليد النشط، وتتولى حاليا تغذية الشبكة بالطاقة بعد أن سمحت الحكومة في 14 يوليو الماضي بإعادة فتح محطة الفحم.
وقد تؤدي أي إعادة للفحم إلى تأثير هائل على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد، والتي ظهرت آثارها على تغير المناخ بوضوح من خلال درجات الحرارة القياسية الحالية في ألمانيا.
وحذر الأستاذ بجامعة برلين للعلوم التطبيقية فولكر كواشنج من أنه إذا تم استخدام الفحم على المدى القصير ليحل محل الطاقة النووية، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق 70 مليون طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في عام 2022 وحده. وحتى تتضح الصورة، يمكن مقارنة ذلك بإجمالي انبعاثات ألمانيا لعام 2021 التي بلغت 762 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
وأضاف تقرير شبكة البلقان أن قرار ألمانيا بإعادة تشغيل محطات الفحم واحتمال عدم إغلاق محطاتها النووية قد يكون "مؤلم" من الناحية السياسية، إلا أنه قد يكون ضروريًا في ضوء أزمة الغاز والطاقة السائدة في أوروبا بأسرها، مع الوضع في الاعتبار أن حياة برلين بدون الغاز الروسي ليس ممكنا.