بعد مرور حوالي خمسة وثلاثين عاما على وفاة جالفاني، وعلى بعد 70 ميلا من مدينة بولونيا الإيطالية التي شهدت ميلاد الكهرباء الحيوية، وبالتحديد فى مدينة فلورنسا فى شمال إيطاليا، ابتكر العالم الفيزيائي الإيطالي ليوبولدو نوبيلي جهازا لرصد التيارات الكهربائية الضعيفة جدا وسمي هذا الجهاز بالجالفانومتر «المتقلب»، نسبة إلى جالفاني. كان الجهاز عبارة عن إبرتين مغناطيسيتين متوازيتين معلقتين بخيط حريري. عندما يشعر الجهاز بتيار كهربي صغير يتولد عن ذلك مجال مغناطيسي مناسب لشدة التيار الكهربي فيتحرك المؤشر معلنا عن قيمة التيار الكهربي.
قام نوبيلي بوضع الجهاز بالقرب من الضباع المشرحة وبالتحديد بالقرب من أعصاب الفخذ، ثم قام بإثارة الأعصاب كما فعل جالفاني من قبل فانقبضت عضلات الفخذ فى نفس الوقت الذي استطاع هو أن يقيس وجود تيار كهربائي مصاحب باستخدام الجالفانومتر. كان هذا هو أول قياس للتيار الكهربائي الذي يسري فى أعصاب الكائنات الحية وعضلاتها عند الإثارة، لكن العجيب فى الأمر أن نوبيلي لم يفسر هذا التيار الكهربي على أنه صادر من أعصاب الضفدع! ولكنه أرجع ظهوره إلى التأثير الحراري الناتج من جفاف الأغشية المعرضة للهواء! كان تشكيك «فولتا»، العالم الإيطالي الشهير، فى وجود الكهرباء الحيوية هو ما جعل نوبيلي يشكك فى مصدر هذا التيار الذي سجله بنفسه! وبدلا من أن يؤكد وجود الكهرباء الحيوية نكص على عقبيه وفسره تفسيرا غير منطقي. بعد مرور عدة أعوام على تجربة نوبيلي، تعود أسماك الرعاد الكهربائية، والتي اكتشفها المصريون القدماء واستخدموها فى علاج المرضى كما استخدمها اليونانيون والرومان لنفس الغرض، إلى دائرة الضوء على يد عالم إيطالي آخر يدعى كارلو ماتوتشي، الأستاذ فى جامعة بيزا الإيطالية. قام العالم كارلو ماتوتشي بتشريح إحدى أسماك الرعاد واكتشف أن الأعضاء التي تقوم بإصدار تلك الصدمة الكهربية التي يستخدمها فى قتل فريسته (حوالي 300-200 فولت وتيار كهربي يمكن أن يصل إلى سبعة أمبير) يتحكم بها فص صغير موجود فى منطقة جذع مخ السمكة. توصل كارلو ماتوتشي أيضا إلى وجود أعصاب تصل هذا الفص الصغير بعضوين أسفل الزعانف الصدريه للسمكة، يشبهان إلى حد كبير الكلى فى جسد الإنسان.
أطلق عليهم اسم الأعضاء الكهربائية للسمكة، وهما المسئولان عن إصدار هذه الشحنة الكهربائية القوية القاتلة. توصلت الدراسات اللاحقة لسمكة الرعاد الكهربائية إلى أنه يتم توليد تلك الكهرباء فى خلايا تسمى الخلايا الكهربية. عندما يتم تحفيز خلية كهربائية، تؤدي حركة الأيونات (الذرات المشحونة كهربائيًا) عبر غشاء الخلية إلى تفريغ كهربائي قوي ينتج عنه تلك الشحنة الكهربائية التي يقتل بها السمك فريسته. سنتكلم فيما بعد بالتفصيل عن كيفية نشوء الكهرباء فى هذه الخلايا ولكن دعونا نستكمل الخلفية التاريخية لاكتشاف الكهرباء الحيوية.
قام ماتوتشي بعد ذلك بإجراء تجارب على حيوانات أخرى وأثبت وجود الكهرباء الحيوية فى جميع الكائنات الحية التي درسها. ثم عبرت برأسه فكرة مجنونة، وذلك عندما سأل نفسه، هل يمكن أن أصنع بطارية حيوية؟ هل يمكن أن أقوم بتصنيع مصدر للتيار الكهربائي من الأنسجة الحيوية. كان ماتوتشي يفكر فى البطارية التي صنعها فولطا من طبقات مكونة من معادن مختلفة فأنتجت تيارا كهربائيا. قام ماتوتشي بتشريح عدد كبير من الضفادع، ثم قام بإيصال عضلات الفخذ ببعضها، وبالفعل وجد أن هناك تيارا كهربائيا نتج من تلك البطارية الحيوية، وجد أيضا أن هذا التيار يتناسب طرديا مع عدد عضلات الفخذ المستخدمة، أي أنه كلما زاد عدد العضلات زادت قيمة التيار الكهربائي، كانت هذه التجربة بمثابة تأكيد آخر لوجود كهرباء فى داخل عضلات الكيانات الحية وأن هذا التيار الكهربائي المسئول عن حدوث انقباض العضلات. ولاحظ ماتوتشي شيئا مهما وهو أن تيار الإثارة الكهربائية يتوقف حينما تبدأ العضلات فى الانقباض مما يعني أن مهمة هذا التيار هو إثارة العضلات فقط، أطلق ماتوتشي اسم «تيار الترسيم» أو «التيار الملائم» على التيار الكهربائي المتسبب فى إثارة العضلات. بعد وفاة ماتوتشي فى عام 1868 قررت الحكومة الإيطالية منح ميدالية فخرية فى الفيزياء باسم «كارلو ماتوتشي»، تمنح هذه الجائزة سنويا للعلماء الذين يساهمون فى اكتشاف ظاهرة فيزيائية جديدة، من ضمن العلماء الذين حصلوا على هذه الجائزة العالمة الفيزيائية الشهيرة ماري كوري وزوجها بيير كوري، كما حصل عليها أيضا العالم الألماني الشهير ألبرت أينشتاين.
اكتشف الإيطاليون الكهرباء الحيوية فى أجساد الكائنات الحية وظلوا لما يقرب من نصف قرن من الزمان يطورون هذا العلم. بعد ذلك انتقل علم الكهرباء الحيوية من إيطاليا إلى ألمانيا، ليقوم الألمان على مدى أكثر من قرن من الزمان بنقل هذا العلم من مرحلة الطفولة إلى عنفوان الشباب، ومن الهواية إلى الاحترافية.