يرى خبراء في شؤون المناخ أن ما زاد من حدة تغيرات المناخ ووقع بسبب هذه التغيرات هو ما يحدث بأوروبا على الرغم من أن القارة العجوز كانت اكثر ثباتا وبلدانها كانت الأكثر تماسكا ومناعة واستعدادا لمقاومة ظروف وتبعات التغير المناخي، لكن صدم العالم بمشاهد مرعبة تعكس عمق معاناتها وخاصة في دول جنوب القارة الأوروبية كإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا والبرتغال.
وامتدت آثار التغيرات البيئية الناتجة عن تسارع موجات الاحترار العالمي إلى كل من ألمانيا وبريطانيا شمالا
و عصفت تداعيات التغير المناخي بالعديد من البلدان في جميع قارات العالم، خلال هذا الصيف، غير أنها كانت أكثر حدة في "القارة العجوز"، حتى صنفت بمثابة الموجة الأشد من الجفاف التي تضرب القارة منذ القرن السادس عشر على مدى 500 عام من قبل المفوضية الأوروبية
ويقول الخبير المناخي والبيئي وعضو الاتحاد العالمي لصون الطبيعة، أيمن هيثم قدوري
أن تقارير الأمم المتحدة وتنبؤات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية كانت قد رسمت ملامح قاتمة لآثار التغير المناخي والجفاف المحتمل لنحو 60 بالمئة تقريبا من أراضي مختلف القارات للأعوام الخمس ما بين 2021 و2025"
وأكد الخبير البيئي على أن صيف 2022 لم يكن إلا ناقوس خطر لما هو أعنف خلال السنوات الخمس القادمة، وعليه فلا بد من العمل على ترشيد استهلاك الموارد المائية والتعامل مع مجاري المياه على أنها ثروات طبيعية وجودية ليتحمل كافة أفراد المجتمعات مسؤولية استدامتها، والتوجه نحو التحول الأخضر وتقنين صرف المياه، بحيث أن ذلك سيقلل ولا ريب من الآثار البيئية الفتاكة التي تهدد القارة العجوز والعالم في السنوات القليلة القادمة"
وأضاف "ركزت معظم تلك التقارير على وضع القارة الأوروبية، وسط توقعات بأن ترتفع فيها معدلات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مقارنة بالمعدلات المسجلة عام 2018، متجهة نحو الارتفاع المتوقع بحسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100"
ويضيف قدوري :"صحيح أن أوروبا عامة تعاني، لكن وقع الأزمة أكبر على بلدان أوروبا الجنوبية، حيث فجعت إيطاليا مطلع شهر يونيو المنصرم بخسارة ما يقارب 75 بالمئة من منسوب نهري دورا بالتيا و بو، والأخير هو أطول أنهار البلاد الذي يمد لما يصل إلى 80 في المئة من الأراضي الزراعية في الشمال الإيطالي، حيث يعاني حوض نهر بو من الضغط البيئي الهائل نتيجة استنزاف موارده المائية بشكل مناطقي عن طريق حفر القنوات المائية بصورة عشوائية واستغلالها لمصالح فئوية وشخصية، بعيدا عن مراعاة الحق العام وما سيؤول له مستقبل النهر في حال قست ظروف التغير المناخي على البلاد، لتأتي هذا العام موجة جفاف لم تشهدها إيطاليا بشكل خاص والجنوب الأوروبي عامة منذ قرابة 70 عاما"
وحذر الباحث "من الممكن أن يتطور الوضع البيئي المأساوي بإيطاليا لتفشي الأوبئة والأمراض في مناطق الضغط البيئي المرتفع، فانحسار مياه بحيرة غاردا أكبر البحيرات الإيطالية الواقعة بين مدينتي بريشيا وفيرونا شمالا لأدنى مستوياتها تاريخيا، أبرز علامات انخفاض منسوب نهر بو المورد الرئيسي لمياهها".