ريف «كريم» وتزييف الواقع !

ريف «كريم» وتزييف الواقع !محمد رفعت

الرأى27-8-2022 | 09:06

يشكو أهل الريف فى بحري والصعيد من تزييف صورتهم على الشاشة، ما بين المبالغة فى تصوير حياة البؤس والفقر، والتطرف فى المثالية وتجميل الواقع، وهو ما دفع بعض النقاد إلى السخرية من كلمات أغنية "محلاها عيشة الفلاح"، التي شدت بها المطربة أسمهان، من خلال أحداث فيلم "يوم سعيد" للمخرج محمد كريم، الذي اتهموه أيضاً بتزييف الواقع وأنه كان يحرص فى أفلامه على أن تبدو الحياة وردية وجميلة لدرجة أنه كان يغسل الجاموسة بالماء والصابون!

ويروي الناقد الراحل رجاء النقاش رحلة "كريم" بعد عودته من رحلته لدراسة الإخراج فى ألمانيا وقصة إخراجه لفيلم «زينب»، ويقول: كان محمد كريم قد قرأ بالمصادفة رواية «زينب»، التي رفض مؤلفها أن يوقعها باسمه الصريح واكتفى بأن يقول إنها بقلم «مصري فلاح»... وظلت هذه القصة مجهولة المؤلف حتى سنة 1929، أي بعد صدورها بخمسة عشر عاما على التقريب، ثم عرف الناس مؤلفها الحقيقي فى طبعتها الجديدة، وكان هذا المؤلف هو محمد حسين هيكل.

ويضيف النقاش: عندما قرأ كريم قصة «زينب» أعجبته إلى أبعد حد، فقد وجد فيها أول قصة مكتوبة باللغة العربية، التي تقترب من المفهوم الصحيح للقصة كما يعرفها أهل هذا الفن من الغربيين، ولأنها من ناحية أخرى تتضمن التعبير عن عاطفة عميقة نحو مصر، فقد كتبها مؤلفها وهو فى بعثته إلى فرنسا، وكتب بعض فصولها وهو يقضي إجازته فى سويسرا، وكان فى ذلك الوقت يشعر بحنين كبير إلى وطنه.

ووجد محمد كريم فى رواية «زينب» عملا فنيا حيا، وقرر أن يكون أول عمل فى حياته السينمائية هو إخراج هذه القصة على شاشة السينما، على أن رواية زينب، لم تكن رواية ريفية تصف القرية ومشكلات أهلها وعاداتهم فقط، بل كانت إلى جانب ذلك رواية «رومانسية»، تصور مأساة الحب الفاشل المليء بالدموع والحرمان، فبطل القصة حامد يفشل فى علاقته بخطيبته وقريبته عزيزة، ثم يفشل فى حبه للفتاة الفلاحة «زينب» والفشل فى الحالتين يعود إلى التقاليد والظروف القاسية.

وبعد هذه البداية القوية لم يعر كريم «القرية» انتباها، ولم تعد مشكلاتها أو واقعها الإنساني يشغله بالقدر، الذي يواصل فيه الكشف عن حقيقة هذا الواقع، بل انحرف بعد ذلك إلى تيار الرومانسية بحيث وقف على حافة الزيف والمثالية بهدف تجميل الواقع لا المصادمة معه، وأصبح حريصا على تصوير الريف المصري فى أبهى صوره، حيث يتعمد أن تميل زوايا التصوير نحو النخيل والمساحات الخضراء، ولم يسلم الفلاحون أنفسهم من هوايته للعبة التجميل، حينما حافظ كريم فى المشاهد التي يظهر فيها الفلاحون على مظهرهم «الجميل» فيتحركون على الشاشة في ملابس بيضاء زاهية، حتى الماشية كان يتم تنظيفها جيدا قبل أن تظهر على الشاشة!

أضف تعليق