يذهب القول الدارج إلي أنه “إذا عرف السبب بطل العجب” وانزالًا لهذه المعاني حاولنا النزول إلي الواقع للوقوف علي أسباب هذا الخلاف بين مراسلي الصحف والمواقع القنوات الإخبارية والمهندس شريف حبيب محافظ بني سويف، الذي يحرص علي الابتعاد عن كل ما له علاقة بالإعلام في الإقليم.
وهنا تبدأ الأسباب، وجود فاعلين في المحافظة من كبار قيادات ديوان عام المحافظة كارهين للإعلام رافضين لتعزيز وتعظيم دوره، وبالتالي يحرصون كل الحرص علي استقبال المسئول الأول دومًا بتقارير مغلوطة في غالبها عن الإعلام عامة ومراسلي الصحف والمواقع الإخبارية خاصة، وكيف أن سوابقهم في مجملها تذهب إلي أنهم كثيرا ما كانوا سببا في توريط المحافظ فيما لا يحمد عقباه.
وهذا يفسر حالة التوجس والتخوف والريبة التي سيطرت علي علاقة المهندس شريف حبيب بالإعلاميين منذ أن وطأت قدمه أرض المحافظة، بحيث جاءت علاقته بهم فاترة يغلب عليها الحذر الشديد، فلا تجده مقبل علي الإعلاميين بالمبادرة إلي عقد اللقاءات معهم، بل ينزوي كلما أمكن هروبًا من أسئلتهم أو خلاصا من ملاحقاتهم، فتجده في اللقاءات يحرص علي الإجابات المقتضبة، وعبر الهاتف قلما رد و إن رد جاءت كلماته لا تسد الرمق، أما عبر وسائل التواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج سواء بخصوص صفحته علي الفيس بوك وترسانة التواصل متعددة الأدوات التي دأبت علي التفاعل من جانب واحد في الغالب فهي تصدر البيانات ولا ترد علي الاستفسارات.
لم تنعكس النظرة السلبية للصحفيين أو الإعلاميين سمهم كما تشاء علي هذا الفتور في علافة المحافظ بهم بل انعكست علي علاقات العديد من دواوين المديريات ومجالس المدن، إلا ما رحم ربي، بحيث تجد رئيس مدينة مثلًا يقوم بطرد مراسل موقع إلكتروني من اجتماع عام دعا إليه السيد رئيس المدينة أهالي القرى للاستماع إلي مشاكلهم، وعلي الرغم من أن هذا المراسل الصحفي من أهالي قري المركز لكنه اصر علي رفض حضوره بحجة أن اللقاء ليس للنشر بل كال هذا المسئول اتهامات لا حصر لها للمراسل مثل أنه غير نقابي وينتحل صفة الصحفي وأنه جلس يتبادل أرقام التليفونات مع الحضور مما اثار البلبلة .
ولم يكن ناقص إلا أن يحكم هذا المسئول بالسجن كام شهر كدة علي المراسل منتحل الصفة في رأي المسئول، لم يمنع هذا المناخ الرافض لوجود إعلام جاد في بني سويف من وجود حالات نادرة من مسئولين كبار داخل مديريات الوزارات المختلفة وفي مجالس المدن بل وداخل ديوان عام المحافظة من الحرص علي توطيد علاقاتهم بالإعلام والإعلاميين بالحرص علي التواصل الجيد البناء الموضوعي وربما الشخصي أيضا، لدرجة أن هناك من الصحفيين كثيرا ما يضطروا إلي اللجوء إلي هذه المصادر للتوسط لدي المسئول الأول لتحديد موعد لإجراء لقاء أو الحصول منه علي تصريحات أو ردود علي أسئلة في موضوعات بعينها، ليكون هذا المسئول الثاني أو الثالث في المكان بوابة الوصول إلي المسئول الأول ويا لها من كارثة محققة.
ويلعب للأسف الشديد أغلب نواب البرلمان دور صانع الأزمات في هذا السياق، فتجدهم يدمنون إشعال الحرائق بين المحافظ ووسائل الإعلام المختلفة سواء بتسريب البيانات إلي بعض المراسلين للنشر وإحراج المحافظ أو تحريض بعض من مناصريهم من مراسلي الصحف والمواقع والقنوات الفضائية لإثارة قضايا بعينها خدمة لمصالحهم النيابية وضغطا علي السيد المسئول الأول لاتخاذ قرار فيها بما يعود بالنفع طبعا علي النائب والإعلامي وربما المواطنين أيضا، والحوادث في هذا السياق كثيرة يصعب سردها في هذه السطور.
وهنا يثار سؤال ملح للغاية: لماذ هذا الموقف الرسمي الرافض للإعلاميين والصحفيين؟ يمكن تلخيص الإجابة علي السؤال في القول بأن أبناء هذه المهنة يسألوا عن الجانب الأكبر من هذه الأزمة، فـ “نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ” فالقطيعة وغياب حالة الاتساق والتواصل موجود بين ممثلي مهنة الإعلام في المحافظة وليس خافيا علي أحد حالة الصراع غير المسبوقة بين أقطاب المهنة في المحافظة فكل منهم له فريق يدعو له ويناصره وينفذ أجندته، ومن ثم تسمع عن فريق فلان وفريق علان، وهنا قد يحاول فريق إقصاء الفرق الأخري بمنعهم من الوصول إلي كبار المسئولين أو الإيقاع بهم أو توصيل معلومات مغلوطة عنهم إلي هذه الأجهزة التنفيذية، ليصدق القول “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.
السبب الثاني الذي يسأل عنه أبناء المهنة، سيطرة حالة من التدني العام مهنيًا علي الوسط الإعلامي بعد أن أصبحت مهنة العمل الإعلامي “مهنة من لا مهنة له”، وأنا لست ضد دخول كل من أراد إلي الساحة والقارئ عليه أن يفرز لكن شريطة أن يتوافر الحد الأدني المتعارف عليه فلا يليق مثلا أن يدخل المهنة من لا علاقة له بقواعد الإملاء “هذا عيب”، وكذا يجب أن يبحث عن تعلم الحد الأدني من قواعد العمل الإعلامي صحافة كان أو غيرها، ليدرك أن تعلمه الجيد هو جواز مروره من عالم الفوضي والعشوائية إلي عالم المهنية المأمولة.
وفي ظل هذه العشوائية، تجد غير المؤهلين يتصدرون المشهد تقلبات غير منطقية وتغيرات دراماتيكية تدلل علي أننا نعيش عصر الفوضي الإعلامية واعتقد أنها سياسة ومنهج وليس أمر يتم عشوائيا بل الأمر مقصود أن يدخل هؤلاء الطامحين غير المؤهلين مدفوعين بالرغبة في الشهر والجهاة -واهمين طبعا- غير عابئبن بعلم أو قواعد مهنة فتكون الكارثة التي يعيشها الإعلام الآن، وهذا لا يقتصر علي بني سويف فقط، لكني أري أنها نموذج يجب أن يدرس.
يقف وراء هذا الصدام صمت الإعلاميين عن مماراسات كانت تتم من المسئولين أو من رفاقهم في المهنة كأن نسمع عن خروقات من قبل زملاء لقواعد وأداب المهنة ونتجاهل ونصهين عليها لأنها صدرت عن قامة وقيمة أو صاحب نفوذ وسطوة، بل فوجئت ذات مرة بمسئول الإعلام في ديوان عام المحافظة يطلب مني عندما طلبت منه رغبتي إجراء حوار مع المحافظ، فما كان الرد إلا أن أدخل لأتصور معه ثم يتولي هو إرسال رد للأسئلة المطلوبة، ولما رفضت قال لي كل زملائك بيعملوا.