سيوة تلك الواحة الجميلة بأرضها وطقسها وناسها، ما هى إلا قرية صحراوية تتوسط منخفض القطارة وبحر الرمال المتحركة، وتبعد عن الحدود الليبية بحوالى 50 كيلومترًا فقط!
ومع ذلك ظلت مستقلة عن الإدارة المصرية لسنوات طويلة، حتى جاء محمد على وأرسل إليها تجريدة عسكرية عام 1820 أخضعتها للإدارة المصرية!
ورغم صغر حجمها وبُعدها عن العمران إلا أن لديها تاريخا يحكى، كما شهدت أحداثًا جسامًا ويكفى أنها كانت سببا فى هلاك الجيش الفارسى فى بحر الرمال المتحركة، فعندما تمكن الفرس من احتلال مصر فى الأزمان الغابرة تنبأ كهنة معبد آمون المقام ب الواحة بهلاك قائدهم قمبيز، فاستشاط الرجل غضبا وأرسل جيشا من خمسين ألفا لهدم المعبد واحتلال الواحة، ولكن الجيش تاه فى الصحراء ولم يصل إلى سيوة، وقيل إنه غرق فى بحر الرمال، كما تحققت نبوءة الكهنة ومات قمبيز سريعا!
هذه الواقعة كانت سببا فى إعجاب الإسكندر الأكبر بهؤلاء الكهنة ومعبدهم، وقرر زيارة الواحة حيث اصطحبه الكاهن الأكبر إلى قاعة "قدس الأقداس" وهى حجرة مظلمة داخل المعبد لا يدخلها سوى الملك أو الكاهن فقط، وعندما خرج الإسكندر منها بدا عليه الارتياح وأخبر مرافقيه عما حدث بالداخل (سمعت ما يحبه قلبى)، وقيل بعدها إنه سمع صوتا يبشره بتحقيق انتصارات مبهرة فى آسيا، وقد تحولت سيوة بمرور السنوات لاستراحة للحجاج بعد أن استقر فيها بعض القبائل الرحل التى تمتهن رعى الإبل، وحماية لأنفسهم وخوفا من الأعداء المجهولين أقاموا قلعة "شالى" وهى تعنى مدينتى أو بيتى باللغة الأمازيغية، على تبة مرتفعة مستخدمين فى بنائها حجر الكرشيف والذى يتكون من الملح و الرمال الناعمة المختلطة بالطين، وجعلوا أبوابها من خشب الزيتون وعروشها من جذوع النخيل.. ولكنها صممت بطريقة الحارات الضيقة الملتوية والمتداخلة بحيث يمكن الاختباء فيها والدفاع عنها، ويتوه فى حاراتها "الشخص الغريب"!
وجعلوا لها ثلاثة أبواب فقط، أحدها معلن والآخر سرى والثالث لدخول وخروج النساء، ولكن (وكالعادة) حدثت مناوشات بين المقيمين فى شرق القلعة والمقيمين فى غربها سميت بحروب الشرقيين والغربيين وكان المنتصر منهما فى أى مرحلة من النزاع يسيطر على القلعة ويتحكم فى الدخول أو الخروج منها.
وقد حظيت الواحة ببعض الاهتمام فى عهد محمد الشحات محافظ مطروح الأسبق، حيث رصف الشوارع الرئيسية وأدخل الصرف الصحى، كما أعيد بناء قسم الشرطة الوحيد بها على ذات الطراز السيوى وكذلك فرع بنك القاهرة وهو البنك الوحيد هناك، كما أقيمت بها بعض الخدمات مثل المستشفى العام، والقرية الأولمبية، وأكثر من 26 مدرسة لمراحل التعليم المختلفة موزعة بين الواحة والواحات الصغيرة المحيطة بها والتى تمتد على مساحة تصل إلى 80 فدانا.
تبقى الإشارة إلى أن أهلها لديهم لغة خاصة بهم – بجوار العربية – تسمى تاسوت وهى منشقة من الأمازيغية أو لغة البربر، ويستخدمونها فقط عندما يتجنبون إحراج الضيف.