«الدعوة عامة» فيلم الفكرة الذهبية

«الدعوة عامة» فيلم الفكرة الذهبيةمحمود عبد الشكور

الرأى7-9-2022 | 17:27

كان يسعدني كثيرا أن اختار للمقال عنوانا آخر هو "الفيلم الكوميدي الذهبي"، بدلا من عنوان "فيلم الفكرة الذهبية"، ولكن مشكلات كثيرة في المعالجة، وفي الأداء، وفي بعض التفصيلات، جعلتني أعتبر أن فيلم "الدعوة عامة"، عن فكرة تامر نادي، سيناريو وحوار أحمد عبد الوهاب وكريم سامي، وإخراج وائل فرج، ينقصه الكثير رغم فكرته الطريفة واللامعة جدا، والتي كان يمكن أن تصنع فيلما أكثر قوة وتماسكا مما رأيناه، رغم أن الفيلم بصورته الراهنة فيه الكثير من المواقف الكوميدية الجيدة، وهو بطولة جماعية للثلاثي أحمد الفيشاوي ومحمد عبد الرحمن وأسماء

أبو اليزيد، وإن كان محمد عبد الرحمن، وعلاقته بأمه (سوسن بدر) هي المحور الذي تدور حوله الحكاية، مع أدوار معتبرة، وحضور كبير ومؤثر، وطوال الوقت تقريبا، للثنائي الفيشاوي وأسماء.

ربما تكون مشكلة المعالجة الكبرى فى هذا التأرجح بين الواقعية والفانتازيا، مع أن الحكاية يناسبها الفانتازيا فقط، لترجمة ذلك السحر الذي تصنعه دعوة الأم على ابنها، أو دعوتها لصالحه فى الجزء الأخير من الفيلم، وبالمناسبة، فإن العنوان "الدعوة عامة" يوهمك بالخطأ، أو من باب الإفيه، بأنه عن دعوة زفاف مثلا للجميع، بينما المقصود به هو دعوات الأمهات، والفيلم بهذا المعنى فيه تحية مدهشة للأم، ولضرورة الاهتمام بها، باعتبارها القلب الكبير، والإنسان الذي لا يمكن تعويضه، ويذكرني "الدعوة عامة" فى هذه الناحية بفيلم "قلب أمه" للثنائي ماجد وشيكو، ولكن بينما حسم "قلب أمه" اختيار المعالجة فى اتجاه فانتازيا كاملة، لأنه يقوم على فكرة نقل قلب أم إلى رجل عتيد فى الإجرام، وتأثير ذلك على سلوك المجرم من النقيض إلى النقيض، فإن "الدعوة عامة" ظل يتأرجح بين الواقع والفانتازيا، فأصبحنا مثلا أمام مشاهد خيالية عجيبة وجميلة للغاية، مثل مشهد مطاردة حمامة بيضاء، ومشهد ظهور خرتيت فى المدينة، ووجود بيضة هائلة فى الطريق، ومشهد صعود دعاء الأم مكتوبا إلى السماء مع هطول المطر، مع وجود مشاهد تستعير منطق الواقع، كالبحث عن مخرج قانوني للجرائم التي وقعت، وذلك فى نهاية الفيلم.

هذه الحكاية يناسبها الفانتازيا بشكل كامل، لأنها تقول إن الأم هي الساحرة الحقيقية التي تعيش بيننا، والتي تمتلك طريقا مفتوحا إلى السماء، وأي محاولة لإغضابها، يمكن أن يحول حياتنا إلى حجيم، بينما يؤدي رضاها إلى تغيير حياتنا إلى الأفضل.

ظهرت مشكلات أخرى فى ثغرات الحكاية، نتيجة استعارة منطق الواقع مرة، ومنطق الفانتازيا مرات، فاللجوء إلى ابتزار الآخرين يجري على مستوى واقعي، وكذلك عملية البحث عن عنوان الأم فى العمرة، ولكن بعض التفاصيل غريبة مثل الإصرار على التخلص من الجثث، بينما الأقرب لمنطق الواقع الهرب فورا من المكان، ومثل عدم معرفة موقف الثنائي وليد (الفيشاوي) وهنا (أسماء أبو اليزيد)، إثر إنقاذ الأم ودعواتها لهما، هل سيمارسان ابتزاز الآخرين أم سيفضلان طريقا آخر؟

مشكلة ثالثة ظهرت فى الأداء، فرغم أن السيناريو حافل بالإفيهات الكوميدية الجيدة، إلا أن هناك تباينا فى مستوى الإضحاك، سواء لمحمد عبد الرحمن، وهو كوميديان من ألطف وأظرف موهوبي مسرح مصر، ومن أكثرهم سلاسة فى الإلقاء، أو سواء فى إفيهات الفيشاوي وأسماء.

أحيانا يضحك الإفيه، وأحيانا يلقى بفتور، أو بإيقاع غير مناسب، فيضيع تأثيره، ولعلها مشكلة خبرة التجربة الجديدة للمخرج وائل فرج، المونتير السابق المتميز جدا، فى عالم السينما، رغم اجتهاده فى محاولة ضبط إيقاع الفيلم مع المونتير علي خيري، ولكن المسألة فى الفيلم الكوميدي فى الجو العام، وليس فى الإيقاع، وفى ضبط أداء الممثلين أثناء التشخيص، وليس ضبط أداء المشهد فى المونتاج بعد التصوير، وكلها أمور سيكتسب المخرج خبرتها كلما قدم أعمالا كوميدية جديدة، دون أن نغفل تميز عناصر مثل موسيقى عادل حقي، ودون أن نغفل مواقف جيدة مؤثرة قدمت مثل مشهد حديث بطل الفيلم (عبد الرحمن) مع أمه تليفونيا فى السعودية، وكل مشاهد سوسن بدر، التي كان يمكن أن تنزلق إلى الميلودراما، لولا أداء تمثيلي منضبط وواع، ليس غريبا على هذه الممثلة الكبيرة، وبدعم بالتأكيد من وائل فرج هذه المرة.

يبدأ الفيلم بداية واقعية تماما، ونشاهد شابا كسولا ومتبلدا (عبد الرحمن) لا يشعر بوجود أمه، رغم أنهما يعيشان فى نفس البيت، بل إنها هي التي تحضر له شهادة الإعفاء من التجنيد، إنه غير مهتم حتى بمسألة سفرها لأداء العمرة، وفى لحظة غضب، تدعو على ابنها الوحيد، قبل سفرها، فتبدأ مشاكله، بعد أن لعنته أمه.

كانت أبواب السماء مفتوحة، فتورط الابن مع عصابة مكونة من شاب وفتاة، يبتزان الناس بتصوير فيديوهات خارجة لهم، ثم يطلبان نقودا نظير عدم رفع الفيديو على الشبكة العنكبوتية، والحقيقة أن مسألة توريط الابن معهما، واستدعائه من ماضيهما، تمت بشكل مفتعل وغير متقن، ولكن ألمع مناطق الفيلم على الإطلاق، ليست مشاهد التورط فى جرائم قتل، ولا حكاية شنطة نقود فيها 2 مليون جنيه، ولكنها مشاهد مطاردة حمامة بيضاء، لتحويلها إلى ورقة كوتشينة، عليها عنوان الأم فى العمرة، ومشهد ظهور الخرتيت والبيضة، أي أنه كلما عاد الفيلم إلى معالجته الفانتازية التي تناسبه، تألق صناعه وممثلوه، وعندما يرجع إلى معالجة واقعية مضطربة، يتعثر السرد، ويحتاج الأمر إلى مبررات منطقية فى كل الاتجاهات، تصل فى النهاية إلى تبرير كامل وتكييف قانوني تفصيلي للجرائم، وكيفية الخروج منها، بينما لو سارت المعالجة فى طريقها الفانتازي، لكانت هناك حلول سحرية مبدعة، تتسق تماما مع صوت الأم الواصل إلى السماء، وتجعل السحر كله فى الأم، وليس فى الساحر التقليدي داخل السيرك المصري الأوروبي.

لعبة دعوة الأم على ابنها، ثم دعوتها لصالحه، فكرة عظيمة جدا، كانت فى حاجة للعمل أكثر على السيناريو، وفى التنفيذ، وفى أداء الممثلين، ولكن الحلو لا يكتمل، وإن بدا أن فيه بوادر حلاوة لم تترك لكي ثتمر، ولكي ترتدي ثوبها المناسب.

أضف تعليق