ضحايا الحياة المؤجلة!

ضحايا الحياة المؤجلة!محمد رفعت

الرأى9-9-2022 | 13:56

المصرى بطبعه وبحكم تكوينه وتاريخه وجغرافية المكان الذى يعيش فيه لا يحب الهجرة ولا يطيق الغربة، ويعشق الارتباط بالمكان والالتصاق به والحياة فى بيوت متراصة ومتلاصقة وشوارع دافئة وضيقة، وهو كفراش المحكمة فى مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" لعادل إمام يترك الشقة كلها ويعيش فى غرفة واحدة مع أمه وإخوته السبعة وأولاده الثمانية.. ولولا التكدس السكانى لما اضطر للخروج إلى المدن الجديدة وأطراف القاهرة.. ولما اضطر وهو المعجون دائما بالحنين للمكان إلى الهجرة أو قل السفر للعمل بالخارج.
والمصرى فى الخارج له سمات وعادات وطقوس تختلف باختلاف البلد الذى يقيم فيه.. فالمصريون فى الخليج يختلفون عن المصريين الذين يهاجرون أو يعيشون فى أمريكا أو كندا أو أوروبا.. فالمصرى فى الخليج هدفه الأول والأخير هو جمع المال.. وثقافته استهلاكية بحتة.
وستصاب بقدر كبير من الدهشة إذا قمت بزيارة مصرى قريب أو صديق لك، ويعيش فى إحدى دول الخليج فى منزله فى ذلك البلد ورأيت بنفسك كم "الكراتين" التى يختزنها فى بيته، تحت السرير، أو فوق الدولاب، بل وفى كل ركن من أركان شقته.. ويحرص تمام الحرص على ألا يستعملها أو يستعمل شيئا منها، ومن مشترياته خلال سنين الغربة، ويحتفظ بكل ما هو جديد وغالى الثمن ورفيع الذوق لكى يستعمله حين يعود مرة أخرى للحياة فى مصر.


ويشكو كثير من المصريين الذين يعملون ويعيشون بالخليج من الانطباعات السيئة التى تراكمت لدى الخليجيين عنا من خلال مشاهدة الأفلام و المسلسلات المصرية التى تشوه سمعة المصريين وتصورهم على أنهم نصابون ومحتالون ولصوص وتجار مخدرات وراقصات وساقطات وحشاشين وكذابين.
لذلك قد تفاجأ كثيرا حين تعلم أن الخليجيين يعطون المصريين رواتب وأجورا متدنية بالمقارنة بأقرانهم من الشوام، حتى ولو كانوا أقل كفاءة ودرجة علمية من المصريين.. وذلك لأننا لم نعتد على تقدير أنفسنا حق قدرها، ولم نتعود على الاستمتاع بالحياة.
فالمصرى فى الخليج حريص على ارتداء الملابس الرخيصة، حتى ولو كان راتبه كبيرا، وهو يحتفظ بالملابس الجيدة، حتى يرتديها لدى عودته إلى مصر، وكأن السنوات التى يقضيها فى الخليج ليست محسوبة من عمره، و طبعا لا يمكن التعميم، ولكن مع الأسف فهذه هى الصورة السائدة لدى معظم الخليجيين عن المصري، بعكس اللبنانى، أو السورى الذى يرتدى أحدث "الموضات" فى الأزياء، ويقود أفضل أنواع السيارات، ويجيد تسويق نفسه.


وصحيح أن هذه القاعدة بدأت تنكسر مع ازدياد المهاجرين والمغتربين المصريين، من بين الطبقات المتعلمة تعليما جيدا من أطباء ومهندسين ومدرسين، وغيرها من المهن، التى تفرض احترام أصحابها على الجميع، إلا أن كثيرا من سلوكيات المصريين فى الخارج لا تزال تحتاج إلى المكاشفة والمراجعة، وإعادة النظر والتفكير، حتى لا نهون على أنفسنا فنهون على الآخرين!.

أضف تعليق