هل تنقذ بريطانيا ؟ «تراس» على خطى «تاتشر»

هل تنقذ بريطانيا ؟  «تراس» على خطى «تاتشر»وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس

عرب وعالم11-9-2022 | 13:40

ربما لم تخالف وزيرة الخارجية البريطانية «ليز تراس»، التوقعات منذ بداية السباق لخلافة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، فى أن تصبح ثالث امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء فى تاريخ المملكة المتحدة، بعد مارجريت تاتشر، وتيريزا ماى، وذلك بعدما تمكنت «تراس» من انتزاع الفوز بزعامة حزب المحافظين الحاكم، خلفا لجونسون الذى أُجبر على الاستقالة على خلفية سلسلة من الفضائح، فى وقت تشهد فيه بريطانيا عدة تحديات هى الأصعب منذ عقود، ما يمثل اختبارا صعبا أمام «المرأة الحديدية الجديدة».

تراس البالغة من العمر- 47 عاما، فازت بنسبة 57 فى المئة من أصوات أعضاء حزب المحافظين، متفوقة على منافسها وزير الخزانة السابق ريشى سوناك بنسبة 14 فى المئة، حيث حصدت تراس 81 ألفا و326 صوتا فى حين صوت 60 ألفا و399 ناخبا لسوناك.

ومنذ بداية السباق لخلافة جونسون، توقع المحللون فوز تراس على منافسها سوناك، ليس لأنها الأقدر على إدارة الاقتصاد وحل أزمة التضخم، أو ما يسمى محليا، بـ»أزمة غلاء المعيشة»، ولكن لتمتعها بدعم الأعضاء اليمينيين فى الحزب، إضافة إلى تأثر شعبية سوناك سلبيا لدى أعضاء الحزب، منذ أن أثيرت تساؤلات حول امتيازات ضريبية لزوجته، وعن الدور الذى لعبه فى المساعدة على الإطاحة بجونسون، حيث يشعر العديد من أعضاء الحزب بالامتنان تجاه رئيس الوزراء السابق، بسبب النصر الساحق الذى حققه فى عام 2019.

صحيفة «واشنطن بوست»، ترى أن ليز تراس، رئيسة الوزراء البريطانية الفائزة فى انتخابات حزب المحافظين لم تكن الخيار الأفضل بين نواب حزب المحافظين، إلا أن أعضاء الحزب لم يكن أمامهم اختيار آخر، بسبب الخلفية السيئة لريشى سوناك.وتابعت الصحيفة الأمريكية أن تراس حصلت على دعم القاعدة الشعبية لحزبها بوعود بتخفيضات ضريبية وولائها لرئيس الوزراء بوريس جونسون.

وعقب إعلان فوزها مباشرة، ألقت تراس خطابا، تعهدت فيه بالوفاء بوعودها الانتخابية، قائلة إن لديها «خطة جريئة» لخفض الضرائب ودعم النمو الاقتصادى. وأضافت «سأعالج أزمة الطاقة عبر الاهتمام بفواتير الطاقة لدى الناس، ولكن أيضاً من خلال الاهتمام بصعوبات إمدادات الطاقة على المدى الطويل». ووعدت بـ»فوز كبير» لحزبها فى الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها عام 2024.

وتعد الأزمة الاقتصادية أبرز التحديات أمام تراس، حيث تشهد بريطانيا معدلات تضخم قياسية تتجاوز 10% نتيجة الارتفاع الحاد فى أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة، ما تسبب فى أزمة فى تكاليف المعيشة، واحتجاجات عمالية للمطالبة بزيادة الأجور، وسط توقعات بدخول البلاد فى ركود سيكون الأطول منذ الأزمة العالمية.

وحسب «دويتشه فيله»، فإن تراس تعتبر نفسها خليفة رئيسة الحكومة السابقة مارجريت تاتشر التى لُقبت بـ»المرأة الحديدية»، حيث نجحت فى وضع الاقتصاد البريطانى على مسار النمو فى الثمانينيات من خلال عمليات خصخصة صارمة وإلغاء بعض الضوابط.

وإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، تقول «بى بى سى»، إن عملية توحيد صفوف حزب المحافظين بعد أشهر من الاقتتال الداخلى، تمثل تحديا سياسيا رئيسيا أمام زعيمة الحزب الجديدة، قبل عامين من الانتخابات التشريعية.

ومارى إليزابيث تراس من مواليد مدينة أوكسفورد بجنوب وسط إنجلترا لأسرة بريطانية من الطبقة المتوسطة ذات قناعات يسارية قوية. وبعد إنهاء دراستها فى المرحلة الثانوية التحقت بجامعة أكسفورد، حيث درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وبدأت فى الجامعة تحولها السياسى من اليسار إلى الوسط، حيث نشطت فى السياسة الطلابية فى البداية فى صفوف الديمقراطيين الأحرار، ثم انتقلت فى عام 1996 إلى صفوف حزب المحافظين، معتبرة أمام أصدقاء لها أن «مارجرت تاتشر تبنت النهج الصحيح».

تم انتخاب تراس لعضوية البرلمان فى عام 2010، وتقول «سى إن إن» إنها أثبتت نفسها، فى فترة زمنية قصيرة نسبيًا، كقوة سياسية ذات طبيعة تسعى إلى تحقيق أجندتها بقوة لا هوادة فيها وحماس لا لبس فيه، ففى سبتمبر من عام 2012 وبعد ما يزيد قليلاً عن عامين من عضويتها فى مجلس العموم، دخلت الحكومة نائبة لوزير التعليم، وجاءت النقلة النوعية فى مسيرتها السياسية مع تولى رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، الذى عينها وزيرة دولة للبيئة والأغذية والشئون الريفية ما بين عامى 2014 و2016، فكانت أصغر وزيرة فى الحكومة بعمر 38 سنة. ثم تنقلت تراس بين الحقائب الوزارية المتعددة، حتى تم تعيينها وزيرة للخارجية فى 15 سبتمبر 2021، لتصبح ثانى امرأة تجلس على هذا المقعد.

وفى موقف يدعم الانتقادات الموجهة ل تراس بأنها تمثل تاريخا من تغيير معتقداتها الشخصية حسب ما هو الأكثر ملاءمة فى وقته، كانت تراس من دعاة البقاء فى الاتحاد الأوروبى لكن بعد فوز دعاة الخروج غيرت رأيها وقالت إن هذه الخطوة توفر فرصة «لتغيير طريقة عملنا» فى المملكة المتحدة.

وخلال حملتها الانتخابية تعهدت تراس بإلغاء جميع قوانين الاتحاد الأوروبى المتبقية التى لا تزال سارية فى بريطانيا بحلول عام 2023.

ووفق محللين، لن تختلف السياسة العامة لحزب المحافظين فى ظل زعامة تراس، خصوصا السياسة الخارجية التى قلما يختلف الحزبان الرئيسيان عليها، فمن المتوقع أن يتواصل الموقف المساند لأوكرانيا، كما ستستمر العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، غير أن العلاقة مع الاتحاد الأوروبى ستبقى صعبة، خصوصا مع وجود بروتوكول آيرلندا الشمالية المثير للجدل داخل بريطانيا.

وقالت شبكة «سى إن إن» فى تقرير تحليلى إنه من المحتمل أن تبدو حكومة تراس فى نهاية المطاف شبيهة بحكومة جونسون إلى حد كبير، ولكن مع تركيز أكبر على خفض الضرائب، وربما اتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه أوروبا.

ووفق «دويتشه فيله»، فإن الكثير يشكك فى قدرة بقاء حكومة تراس لفترة طويلة خاصة مع توقع تزايد السخط الشعبى مع قدوم فصل الشتاء، حيث ستتصدر أزمات ارتفاع الأسعار والفقر والصحة والإضرابات عناوين الصحف البريطانية، و»سيمثل ذلك اختبارا صعبا لرئيسة حكومة بلا خبرة كبيرة، ليبقى التساؤل: هل بمقدور تراس التخلى عن ايديولوجيتها المحافظة بنفس وتيرة تخليها عن قناعاتها السابقة؟.»

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2