«خطة مازنجر» تائه بين الطرافة والفبركة

«خطة مازنجر»  تائه بين الطرافة والفبركةمحمود عبد الشكور

الرأى13-9-2022 | 14:03

لا يدهشنى فى بعض الأفلام المصرية، أكثر من تلك الفوضى التى تغزو الفيلم فجأة، فتأخذه الى مسارات جديدة، وكأن هناك أيدى إضافية تضع لمساتها الخاصة، وتغير من الاتجاهات، والحقيقة أنني، كما ذكرت من قبل، أعتبر قراءة الفيلم المصرى أصعب من تحليل الفيلم الأجنبي، لأن أفلامنا، مثل شخصياتنا، بدون "كتالوج" أصلا، ولأن الفوضى تنتج عنها أمور متناقضة حقا، فقد تجد فى الفيلم نفسه مناطق لامعة وظريفة، ثم تفاجئك الأحداث بأشياء سخيفة وغريبة، وفى الحالتين أنت أمام "خلطبيطة"، أو طبق سلطة، فيه كل حاجة، وليس له طعم مميز!

أحد نماذج هذه الفوضى تجدها فى فيلم "خطة مازنجر"، كتابة الثلاثى محمد إسماعيل أمين ووليد خيرى وبيبو، وإخراج رامى رزق الله، والعمل أول بطولة مطلقة لحمدى الميرغني، ومعه ياسمين رئيس و بيومى فؤاد ومحمود حافظ، فالسرد ينتقل بسلاسة طوال نصف الفيلم الأول، و بشكل مسلّ وخفيف أيضا، وبعد فترة من الجزء الثاني، يبدو كما لو أننا أمام كتابة أخرى فى ربع الفيلم الأخير، أو كأن أحدا يريد أن "يمط " الأحداث، حتى نصل فى النهاية الى درجة التلفيق الكامل، ولا أعرف على وجه التحديد كيف حدث ذلك؟!

ربما تكون المشكلة فى تعقيد الحبكة فى حكاية قوتها فى بساطتها، فأنت لا تحتاج سوى شاب مأزوم ماليا هو ماهر (حمدى الميرغني)، لا يستطيع الزواج بالخادمة فاتن (ياسمين رئيس)، التى تعمل عند أسرة ثرية، رغم خطبتهما التى استمرت لسبع سنوات، وهو مطالب أيضا بدفع خمسين ألف جنيه، ثمن توكتوك يعمل عليه، بعد أن تحطم التوكتوك إثر حادثة، لكى نصدق بعد ذلك أنه يتآمر مع خطيبته، ومع صديقه الغبى رفيع (محمود حافظ)، لاختطاف ابن الأسرة الغنية، والمطالبة بفدية، وكانت فاتن قد شاهدت موقفا مشابها، لاختطاف الطفل، ودفع فدية، قدمتها أسرته بدون اعتراض، لأن سلامة ابنها أهم وأبقى.

هنا موقف بسيط، يتأسس بشكل جيد، سواء فيما يتعلق بأحوال الغلابة، أو فيما يتعلق بأحوال الميسورين، ويقدم لمسة مقارنة ذكية بين الحالين، بل ويصل إلى مستوى أعمق، عندما يشترك آخرون فى الخطف، بمن فيها صاحب ورشة تصليح التوكتوك الدكتور خيرى (بيومى فؤاد)، والطفل كولمان، ابن شقيقة رفيع، بل تشترك الحارة كلها فى عملية الاختطاف، والمطالبة بالفدية، للتخلص من ديونها وأقساطها، فالكل مأزوم، والحالة صعبة، كما أن طرافة عملية الاختطاف، التى تؤدى الى اختطاف طفل آخر، غير طفل الأسرة الغنية، وطريقة الإختطاف عبر أقنعة شخصيات حلقات مازنجر الكارتونية اليابانية الشهيرة، والتى قدمت فى السبعينيات، ثم دبلجت فى الثمانينيات، وأثرت فى أجيال كثيرة، كل ذلك منح الفيلم حيوية وظرفا، أكدتها مشاهد كوميدية كثيرة ناجحة، مع الحرص على تماسك السرد، بحيث يؤدى كل مشهد إلى المشهد الذى يليه، وابتكار خط إضافى جيد، وهو العلاقة الإنسانية التى تنشأ بين الطفل الثرى المخطوف، وبين الطفل الذكى الفقير كولمان، وعلاقة التعاطف التى تنشأ بين ماهر ورفيع من جهة، وبين الطفل المخطوف من جهة أخرى، وخصوصا أن الطفل شعر بالاهتمام، بعيدا عن أبويه المنفصلين، واللذين يتعاركان باستمرار، لدرجة اتهام كل طرف للآخر باختطاف الطفل.

يسير الفيلم بشكل معقول حتى نصل الى نقطة منطقية، تؤدى إلى قيام ماهر ورفيع بترك الطفل لأسرته، وهو أمر منطقى بالنظر إلى تعاطفهما معه، ولسبب أهم هو أدراكهما أنهما لن يحقق مكسبا ماديا عظيما من فدية الاختطاف، لأن الحارة كلها تنتظر نصيبها فى الفدية، وبينما نظن أن تلك هى النهاية، يعود الفيلم من جديد إلى فبركة عودة الطفل بنفسه إلى الحارة، لكى يلعب مباراة كرة! فيتكرر الاختطاف من جديد، ولكن هذه المرة من صاحب التوكتوك سمير أبو وشين (حسام داغر)، وهى شخصية أقرب إلى عالم أبطال الكوميكس، مختلفة تماما عن كل شخصيات الفيلم، ذات اللمسات الواقعية، ثم يتذكر الفيلم معلومة لم يكن فى حاجة إليها أصلا، وهى حمل فاتن من ماهر، مما يستدعى تفريعة صغيرة، تقود ماهر وفاتن إلى طبيب إجهاض متحرش، يؤدى دوره أوس أوس فى "نمرة" اعتراضية، وهكذا تعقدت حبكة بسيطة بإضافة حكاية الحمل، وهى قصة يمكن أن تصنع فيلما كاملا، وقد تبين بوضوح مع النهاية أنها كانت عبئا على الحكاية.

لن أتحدث عن الطريقة التى سيتم بها "تستيف" القصة، ولا عن الوصول إلى توريط والد فاتن بشكل ملفق، أو تبرئة فاتن نفسها بشكل أكثر تلفيقا، ولكننا ننتهى حقا إلى فوضى شاملة عجيبة، بل ويبدو أن هناك إشارات إلى جزء قادم، وكلام عن الرجال المذنبين، بينما يتجاهل الفيلم أن فاتن هى صاحبة فكرة الاختطاف، كما أنها شريكة أساسية فى خطة مازنجر لاختطاف الطفل.

لم يلاحظ، أحد هذه الفوضى بعد الكتابة، أو لعله لاحظ ولكنه قرر أن يصمت لكى يمارس الجميع الهزار، والحقيقة أن هناك مشاهد لطيفة، وحوارات ساخرة، والثنائى ماهر ورفيع يذكران المتفرج بالثنائى هانى رمزى وطلعت زكريا فى فيلم "غبى منه فيه"، بل إن الحبكة التى تفترض الحصول على مال من أجل شقة للزواج متقاربة بين الفيلمين، ولكن فيلم "خطة مازنجر"، الذى وسع دائرة الاختطاف لتشمل الحارة كلها، والذى تتوالى فيه لقطات تجمع فى كادر واحد بين الأبراج العالية، والمنازل البائسة، والذى يمتلك مخرجه رامى رزق الله القدرة على تقديم وإدارة مشاهد ضاحكة بنجاح، سرعان ما تاه فى الطريق، وانتهى بشكل غريب، وكأن أحدا يطلب من الجميع أن ينتهوا بسرعة من العمل، لكى يستعدوا لفيلم آخر، أو لأن الاستديو سيؤجر لفريق عمل جديد.

يضاف إلى ذلك أن الميرغنى ما زال يرفع صوته وكأنه على مسرح مصر، وليس أمام كاميرا السينما، وأن ياسمين رئيس تظهر بماكياج صارخ فى بيت الأثرياء، وفى الحارة أيضا، بينما كان بيومى فؤاد ومحمود حافظ هما الأفضل، والأخير يمكنه أن يحقق أدوارا أهم وأجمل، لو قلل من بعض المبالغات الحركية والصوتية، ولكنه موهوب بالفطرة، ويؤدى المشاهد الكوميدية بحضور لافت.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2