«الألعاب الافتراضية».. أطفالنا فى مرمى الخطر

«الألعاب الافتراضية».. أطفالنا فى مرمى الخطرالألعاب الافتراضية

تجده منهمكا يمسك بهاتفه المحمول لساعات طويلة دون أن يصدر صوتاً، وأحيانا تجده يتحدث مع أشخاص مجهولين وكأنه يتحدث مع نفسه، وإذا أردت أن تتحدث معه يتحدث معك بحدة وعنف؛ لأنك أخرجته من تلك الحياة الافتراضية، التي يغوص بأعماقه بداخلها ولا يريد أن يخرج منها ليعيش واقعه، هذا هو حال أطفالنا اليوم، الذين يلعبون «ألعاب الحياة الافتراضية»، فما حقيقة هذه الألعاب؟ وما مخاطرها وسلبياتها على أطفالنا وعلى المجتمع بأكمله؟ .. الإجابة في السطور التالية..

الحديث عن أنواع الألعاب الافتراضية، التي تجعل الطفل يستغرق وقتا لا ينتهي، لأن كل لعبة تحوي الآلاف من الألعاب بداخلها.. لعل أشهرها لعبة «الروبلوكس»، التي تعتبر الأشهر فى هذا التوقيت ويلعبها العديد من الأطفال على اختلاف أعمارهم، وهي تشبه لعبة «الحبار»، التي ألقى الضوء عليها فى مسلسل «الكبير أوي الجزء الرابع» فى رمضان الماضي، التي من خلالها أبرز الفنان أحمد مكي مدى ارتباط الأطفال بها ومحتواها السيىء من قتل وتدمير وتخريب وموت وانتحار.
لعبة الروبلوكس ليست مجرد لعبة واحدة، بل هي عبارة عن منصة تجمع ملايين الألعاب، التي أنشأها جميعا مجتمع اللاعبين، بحيث يمكن القول بأن روبلوكس هي يوتيوب الألعاب؛ لأنها تحتوي على ألعاب متنوعة ينشائها المستخدمون وينشىء من خلالها الطفل الحياة الافتراضية، التي يتمنى أن يعيشها وتتحقق أحلامه بالسرقة والنهب والتدمير والقتل فتصبح الحياة من وجهة نظره سهلة وبسيطة.
يزيد عدد لاعبي Roblox 100 مليون لاعب من الأطفال والبالغين، وعلى الرغم من عدم إعلان الشركة المطورة للعبة عن تفاصيل المستخدمين، إلا أنها قالت إن 40٪ منهم من النساء والفتيات، كما يزيد عدد الأطفال، الذين يلعبون ألعاب روبلوكس فى المملكة المتحدة وحدها عن حوالي 1.5 مليون طفل، أي أن 24٪ من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 12 عاما يستخدمون Roblox، وهو ما يجعلها أكثر شعبية من تيك توك TikTok وحتى سناب شات وفى نفس شعبية انستجرام، كما قالت الشركة إن 50% من الأطفال تحت عمر 16 عاما فى الولايات المتحدة يلعبون ألعاب روبلوكس.


ولعبة الروبلوكس ليست هي اللعبة الوحيدة، التي تنقل الطفل للحياة الافتراضية، فقد سبقها لعبة «الحوت الأزرق»، التي تسببت فى انتحار العديد من الشباب نتيجة لتأثيرها القوي على المخ وسلب تفكيرهم.
وأيضا هناك لعبة «بابجي»، التي يتعامل بها اللاعب مع العديد من اللاعبين أون لاين ويعيشون حياة من القتل والعنف.
وملايين من الألعاب الأخرى، التي تنقل الطفل والمراهق للحياة الافتراضية..


مخاطر ألعاب الحياة الافتراضية


تقول د. ريهام عبد الرحمن، الباحثة فى الصحة النفسية والإرشاد الأسرى والتطوير الذاتي: ازداد استخدام ألعاب التواصل الاجتماعي وبالأخص الألعاب الافتراضية أو ألعاب الحياة الافتراضية تحديدا من قبل الأطفال والمراهقين والشباب، ويظن البعض أن تلك الألعاب لها تأثيرات إيجابية منها أن الطفل يستطيع قضاء وقت فراغه، وأنه ينفتح على الثقافات الأخرى والناس الآخرين وتزيد من سعه أفق الطفل وتوسع خياله ولكن لها جوانب كثيرة سلبية بيمر بها الطفل جراء استخدامه لهذه الألعاب.
وأشارت د. ريهام إلى أن من الجوانب السلبية أنها تصيب الطفل بالعدوانية كما أنه يتحول الأمر إلى إدمان فى لعب هذه الألعاب، فإذا قامت الأم بسحب اللعبة منه أو حرمانه منها يكون أكثر عدوانية تجاهها وتجاه من حوله بالإضافة إلى ذلك أن الأطفال الذين يلعبون هذه الألعاب للحياة الافتراضية يصبحون أكثر توترا وقلقا ودائما لديهم عدم قدرة عن التعبير عن النفس.


تدمير الجهاز العصبي


وأوضحت أن العنف تجاه الآخرين من سلبيات ألعاب الحياة الافتراضية؛ لأنه طوال الوقت يتعامل بعنف داخل اللعبة وبالتالي ينقل ذلك لحياته الواقعية، أيضا من ضمن سلبيات اللعبة أنه يزيد من إفراز هرمون «الدوبامين»، الذي يزيد من استمتاع الطفل باللعبة وهذا الأمر يؤدي إلى دمار كامل للجهاز العصبي ومخ الطفل وتحديدا القشرة الأمامية للمخ.


وأكدت د. ريهام عبد الرحمن أن من ضمن التأثيرات السلبية أنها تفصل الطفل عن الواقع وبالتالي تشتت تفكيره وتضعف تحصيله الدراسي.


تنمية الميول الانتحارية


وشددت على أن بعض ألعاب الحياة الافتراضية تنتمي أحيانا للميول الانتحارية، ففي البداية يعتاد الطفل على السهر ليلا والاستيقاظ وقت نوم الأسرة ويبدأ فى تدريبه على ألعاب العنف وكيفية استخدام الأسلحة البيضاء الموجودة داخل المنزل مثل السكينة وغيرها، فيتم تسخيره لحالة من الاكتئاب عن طريق بعض المراحل التعجيزية الموجودة داخل اللعبة.


من جانبه، أوضح د .عبد العزيز آدم، عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية وأخصائي علم النفس السلوكي، أن هناك فى علم النفس ما يسمى بإدمان الألعاب الإلكترونية، مثل إدمان مواقع السوشيال ميديا بالنسبة للكبار والإدمان يكون أكثر مع ألعاب الحياة الافتراضية، وهنا لفظ الإدمان هو حقيقي وليس إدمانا مجازيا فنحن لا نشبه ألعاب الحياة الافتراضية بالمخدرات بل هي مخدر بالفعل؛ لأن المخ يفرز مواد كيميائية عند الجلوس على الهاتف لساعات طويلة فهناك جامعة أمريكية تسمى كورنيل قدمت بحثا مفاداه أنه لو زاد استخدام الإنسان عن ٣٢ ساعة فى الأسبوع على تلك الألعاب يصبح مدمنا وبالطبع الأطفال يجلسون أكثر من ذلك بكثير.


تشويه الفكر والثوابت الدينية


واستطرد الدكتور عبد العزيز آدم حديثه: إن الجزء الثاني، الذي لا يقل خطورة عن الجزء السالف ذكره أن هناك ألعابا تشوه وتورث أفكارا سلبية وتشوه الأخلاق عند الأطفال فالسرقة تصبح مباحة لديهم مثلما تكون مباحة فى اللعبة وطفل آخر سيرى فى أكل الخنازير القوة والفيتامينات أما لعبة بابجي، التي تعتبر من أفظع الألعاب، التي من خلالها يسجد اللاعب لصنمه حتى يأخذ منه القوة فيشوه فكرة الإيمان والعقيدة لديه.


وأكد د. عبدالعزيز، أن القائمين على هذه الألعاب فكرها شيطاني وهم يدرسون جيدا علم النفس، الذي من خلاله يستطيع اللعب على عقلية الطفل والمراهق بالشكل، الذي يوصله بأنه يكون تحت تأثير هذه اللعبة لدرجة أنه ينتحر من أجل الوصول لأعلى مستوى فى اللعبة.


الحل فى أيدينا


على سبيل المثال إذا رأت الأم مخدرًا فى يد ابنها سيكون رد فعلها أنها ستمنعه بكل قوة وهو نفس الفكرة لأن الأمر لا يختلف كثيرا، فى البداية لابد أن نعرف ما نوعية الألعاب، التي يلعبها الطفل وليس فى هذا الأمر انتهاك للخصوصية، وجميع الألعاب لها خطورتها ولكن إلى أي مدى تصل هذه الخطورة فبالطبع إذا وجدنا لعبة مثل الحوت الأزرق وبابجي لا يمكن أن نجعله يستمر فى لعبها، والتقنين مفيد فى الألعاب الأخرى بمعنى أن نقنن عدد الساعات، التي يتعامل فيها الطفل مع الهاتف ولا يصح أن نتركه لساعات طويلة حتى مع المتابعة والإشراف.


الخيال أفضل من الواقع


وتقول الدكتورة عزة زيان، استشاري العلاقات الأسرية والاجتماعية، إن تلك الألعاب، التي تنقل الطفل للحياة الافتراضية تعلم أطفالنا أن الخيال أفضل من الواقع ويحدث لديه اختلاط للقيم فيستسيغ الخطأ والطفل يهرب للخيال؛ لأنه لا يعجبه واقعه سواء واقع مادي أو اجتماعي فالأسرة نفسها لا تعجبه وطعامه ونوعيته لا يعجبه ونوعية الحياة بأكملها، التي يعيشها فى الواقع لا ترضيه.
وإذا فسرنا أسباب رفض الطفل لحياته الواقعية وتفضيل الخيال نجد أن الخيال بالنسبة له مرضي لأحلامه، والخيال مريح، ويعلم الطفل أن ما يريده يمكنه أن يصل له ببساطة من خلال السرقة أو أي فعل آخر، وهذا بالطبع عكس الواقع، الذي من خلاله أبذل مجهودا ووقتا من أجل تحقيق حلمي، وتلك الألعاب جماعية بمعنى أن هناك مجموعة اتفقوا على الخروج من الواقع تماما من أجل تلك الحياة الافتراضية وهنا يأتي دور الأب والأم.


دور الأب والأم


أولا يجب على الأب والأم الاطلاع على ما الذي يفعله الطفل وما نوعية الألعاب التي يلعبها؟ ثم أبدأ تحليلًا، لماذا طفلي يلعب تلك النوعية من الألعاب؟ وما الشىء الذي يفتقده؟ وهل يفتقد وجود الأم والأب فى حياته؟ أم يفتقد المال؟ وإذا كانت طلبات هذا الطفل يمكن تحقيقها فنفعل ذلك، وإذا لم يكن تحقيقها، يجب التحدث مع الطفل حتى لا يشعر أن الأب والأم يحرمونه مما يريده.


من الضروري كذلك أن يشارك الأب والأم أطفالهم فى ألعابهم فبهذه الطريقة إذا وجد الأب والأم قيمًا سلبية فى اللعبة يبدأون فى إلقاء ملاحظاتهم لكن بهدوء، فالممنوع مرغوب فإذا قام الأب أو الأم بمنع الطفل من هذه الألعاب سيلعبها الطفل دون أن يعرف أحد، فأسلوب المنع لا يجدي بحلول إيجابية فيجب أن أعطيه الثقة الكاملة مع وجود الملاحظات المقنعة له.


فيديوهات الألعاب على اليوتيوب


فى السياق ذاته، أوضحت الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، أن الأطفال يعشقون تلك الألعاب؛ لأنها تأخذهم إلى عالم آخر، ولكنها لها تأثير سلبي على الصغار والكبار، فعلى سبيل المثال لعبة الروبلوكس تنشر أساليب العنف والعدوان ما بين الصغار بعضهم البعض، وبالطبع الشركات، التي تروج فيديوهات لهذه اللعبة على اليوتيوب تساعد فى انتشارها بشكل أوسع، ونشاهد فى هذه الفيديوهات العنف وأشكاله.


فاللعبة مشكلتها أنها تجعل الطفل يعيش فى عالم افتراضي لا أساس له من الواقع، فتعمل نوعا من الانشطار بين الواقع المألوف والافتراضي غير المألوف، كما أن غرف الدردشة فى هذه اللعبة تكون وخطرا على الأطفال؛ لأنها تضرهم اخلاقيا ويتعرفون من خلالها على أشياء غير محمودة ومعظمها أشياء سلبية مع الأسف، كما أنها تستحوذ على الطفل ووقته دون رقيب لأنه ليس كل الأسر لديها من الوعي الكافى لمعرفة أضرار تلك الألعاب، التي يلعبها أطفالهم.


أخطاء يقع فيها كثيرون


فى الخارج يمنع الطفل الأقل من 18 سنة من الإمساك بالموبايل ولكننا هنا نعطي الطفل ذا العامين الموبايل حتى يتسلى أو ينشغل عن الأم حتى تقوم بواجباتها المنزلية، وهذا الأمر فى غاية الخطورة فالفرق بين الواقع والخيال مجموعة من الخطوط العريضة الأخلاقية.
ومن أخطر ما تبثه هذه اللعبة هو التأثير على عقول الأطفال والمراهقين وسلبها والاستحواذ على الفكر فهذه الألعاب تستهدف المنظومة الفكرية للأطفال، فالطفل بدلا من أن يمسك الورقة والقلم للتلوين أو أن يلعب رياضة أصبح من خلال هذه اللعبة يستخدم حلول العنف والدمار والحروق مثل الحرب فهذه اللعبة تجعل أطفالنا فى حرب مستمرة، ف العنف الموجود فى المجتمع وازدياده بهذا الشكل هو جراء تلك الألعاب، التي تصدر لنا العنف والعدوان.


الألعاب الافتراضية والأخطبوط


كما أن هذه الألعاب تغير من حياتنا فى مضمون اللبس والحركة والثقافة فهذه الألعاب مثل الاخطبوط، الذي يدمر الإنسان وعقله، فيزداد العند و العنف لدى الطفل كما أنه يصاب بالسمنة من قلة الحركة والمكوث أمام تلك الألعاب وعدم مطاوعة الأب والأم وانعدام التحصيل الدراسي.
والحل هو مسح تلك الألعاب تماما من على هواتف أبنائنا واستبدالها بألعاب رياضية تعمل على تحريك الجسد وتساعد على تقوية عضلة المخ.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2