«بعد تقلصها من 32 دولة إلى 15 فقط».. الممالك المتبقبة.. هل يخسرها تشارلز الثالث؟

«بعد تقلصها من 32 دولة إلى 15 فقط».. الممالك المتبقبة.. هل يخسرها تشارلز الثالث؟تشارلز الثالث

قبل 70 عامًا، وحين تربعت الملكة الراحلة إليزابيث الثانية على عرش التاج البريطانى كانت تحكم آنذاك 32 دولة ضمن دول الكومنولث التى تشكلت مع نهاية حقبة الاستعمار البريطانى، ثم تقلص العدد تباعا حتى وصل إلى 15 دولة، من بينها كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا.

مع تولى الملك تشارلز الثالث العرش بشكل رسمى خلفا للملكة إليزابيث الثانية، تواجهه عدة تحديات أبرزها رغبة بعض الدول فى الانفصال عن التاج البريطانى، وهو ما حدث بالفعل مبكرًا من إحدى هذه الدول، وهى أنتيجوا وبربودا، حيث قال رئيس وزرائها جاستن براون لوسائل إعلام بريطانية، إن دولته تعتزم إجراء استفتاء بشأن التحول إلى جمهورية فى غضون السنوات الثلاث المقبلة، فى خطوة قد تشهد إزاحة الملك تشارلز الثالث عن رئاسة الدولة، وأضاف براون لقناة «آى.تى.فى نيوز»، بعد فترة وجيزة من مراسم محلية أُعلن فيها تشارلز الثالث ملكًا للبلاد بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية «هذه مسألة يتعين طرحها للاستفتاء فى غضون السنوات الثلاث المقبلة على الأرجح».


وبخلاف دولة أنتيجوا وبربودا، يبدو أن المسألة ستكون أكبر من ذلك، وهو ما جعل العديد من الصحف العالمية تناقش الأمر، وتتساءل عن إمكانية انفصال المزيد من الدول وتأثير ذلك على الملك تشارلز الثالث، ووضع التاج البريطانى بصفة عامة.


مجلة «الإيكونومست» البريطانية ناقشت الأمر بشكل مفصل، وذكرت أن الملكة إليزابيث الثانية خلال فترة حكمها الطويلة كانت هى الملكة الدستورية لـ32 دولة، معظمها مستعمرات بريطانية سابقة، لكن عندما توفيت كان العدد قد تقلص إلى 15 دولة فقط، وكان حضورها فى معظم هذه الدول شرفياً، وبشكل أكثر تفسيرًا، كان وجهها يزين الأوراق النقدية والعملات المعدنية، ويلتقيها رؤساء الوزراء، وتُفتتح البرلمانات باسمها، ولكن بعد أن تولى الملك تشارلز الثالث السلطة من والدته، ربما تصبح هذه الأنشطة المحدودة لبعض الممالك الـ15 المتبقية عبئاً لا يتحملونه، أى إنهم قد يسعون للتخلص منه، إذ يرى كثيرون أن استمرار الروابط مع ملك بريطانيا هو استعمار عفا عليه الزمن.


وفى وقت سابق، أعلنت ميا موتلى، رئيسة وزراء بربادوس، فى سبتمبر عام 2020 «حان الوقت لنترك ماضينا الاستعمارى بكامله وراءنا». وفى نوفمبر الماضى، حلت ساندرا ماسون، التى كانت سابقاً الحاكم العام للجزيرة، محل الملكة فى رئاسة الجزيرة.
وفى السياق ذاته، قالت جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا، إنها تتوقع أن تصبح بلادها جمهورية «خلال حياتها». وقبل باربادوس، كانت موريشيوس آخر دولة قطعت علاقاتها مع النظام الملكى البريطانى، عام 1992.
وفى تقريرها، تناولت «الإيكونومست» موقف أستراليا، أبرز دول التاج البريطانى، فقالت إن أستراليا ترى أن هذا النفوذ النظرى للعاهل البريطانى على شئونها الوطنية لا يتماشى مع العصر.


وذكرّت المجلة البريطانية بحادث وقع عام 1975 عندما أدى خلاف بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ إلى أزمة وطنية، ولحل تلك الأزمة، عمد السير جون كير، الحاكم العام، أو ممثل الملكة فى أستراليا إلى إقالة حكومة حزب العمال بنفسه، وأصيب أنصار حزب العمال بحالة ذهول، وعام 1977، اضطر السير جون إلى الاستقالة بعد عامين من الاحتجاجات والانتقادات.


يظل تصرف السير جون كير من أشد الحوادث إثارة للجدل فى تاريخ أستراليا، وقال السير جون إنه لم يبلّغ قصر باكنجهام بقراره إلا بعد اتخاذه، ولكن المؤرخة الأسترالية جينى هوكينج كشفت عام 2020 عن وثائق من القصر تثبت أن السكرتير الخاص للملكة، مارتن تشارترس، أخبر السير جون مقدماً بأن لديه سلطة إقالة الحكومة، كما أظهرت وثائق أخرى أن الأمير تشارلز، الذى كان وقتها ولياً للعهد، كتب رسالة إلى السير جون بعد الإقالة، قائلاً: «ما فعلتَه العام الماضى كان تصرفاً صائباً وشجاعاً».


الكشف عن تلك الوثائق أحدث عاصفةً فى البلاد، فالتذكير بأن النظام الملكى البريطانى، حتى وقت قريب على الأقل، كان له تأثير كبير على السياسة الأسترالية أعاد تنشيط حركة تأسيس الجمهورية فى البلاد.


والآن بعد أن أصبح تشارلز الثالث ملكاً لأستراليا، يتساءل عديد من مواطنيها عما إذا كان هذا هو الوقت المناسب للتخلص من النظام الملكى، إذ وجد استطلاع للرأى أن نحو ثلث الأستراليين يدعمون قيام جمهورية، وتراجع عدد الأستراليين الذين تربطهم صلات ببريطانيا عما كان عليه فى الستينيات والسبعينيات، حين كانت لا تزال المصدر الرئيسى للمهاجرين الجدد، فيما تزداد أعداد من يدركون الفظائع التى ارتكبها الاستعمار البريطانى بحق السكان الأصليين فى أستراليا، وفى هذا الإطار تقول هوكينج، وهى ناشطة داعمة للجمهورية ومؤرخة، إن التخلص من النظام الملكى سيكون «نقطة النهاية الواضحة لتسويتنا» مع بريطانيا بعد الاستعمار.


ويبقى التساؤل، هل الأمر ممكن؟ تجيب المجلة أن الحديث عن الانفصال أسهل من التنفيذ، فالتحول إلى النظام الجمهورى يتطلب استفتاء لتمريره بأغلبية لا على المستوى الوطنى فقط ولكن فى أربع ولايات على الأقل من الولايات الفيدرالية الست فى أستراليا، ومن الضرورى أن تقدم هذه الخطوة أيضاً مقترحاً برئيس بديل للدولة، مثل رئيس منتخب أو معين.


فعام 1999، ورغم استطلاعات الرأى المؤيدة لقيام جمهورية، فشل الاستفتاء بنسبة عشر نقاط مئوية وكان ذلك جزئياً بسبب الانقسامات بين الحركة الجمهورية حول البديل المناسب.
إذا كان هذا هو الوضع فى أستراليا، فماذا عن كندا التى تخضع أيضًا للتاج البريطانى، أشارت المجلة البريطانية إلى أن كندا بدورها قد تقرر التخلص من النظام الملكى لكن عقبة التخلص من السلطة الرمزية للملك تشارلز الثالث ب كندا أعقد منها فى أستراليا، ف كندا تحتاج، عوضًا عن استفتاء، إلى موافقة بالإجماع، أى موافقة أغلبية أعضاء مجلس العموم ومجلس الشيوخ وجميع الهيئات التشريعية الإقليمية العشر.


ونقلت المجلة عن إميت ماكفرلين، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة واترلو، أنه لم يسبق أن تطلب أى تعديل دستورى مقترح هذا الحد العالى، مضيفًا أن «المفارقة أن الطريقة التى ربما تنجح بها كندا فى التخلص من الملك هى أن تكون المملكة المتحدة هى من تقدم على ذلك».
ونوهت المجلة إلى أنه على الرغم من أن بعض دول الكاريبى التى لا تزال تحت التاج البريطانى يمكن أن تتحول إلى جمهورية دون استفتاءات أيضًا، فإن عددا منها فشلت فى الوفاء بوعودها بأن تفعل ذلك فى الماضى، إذ فشل هذا الأمر فى جامايكا، وفى سانت فنسنت وجزر جرينادين عام 2009. وسبقت محاولة باربادوس الناجحة لإزالة النظام الملكى محاولة فاشلة عام 2008. ولا يزال عدد من الممالك الكاريبية يعتمد على مجلس الملكة الخاص، وهى محكمة تقدم المشورة للملك، كمحكمة عليا. وتغيير هذا النظام عقبة أخرى فى طريق أنصار الجمهورية.


وختمت المجلة تقريرها بالقول إن الملك تشارلز الثالث ربما يستمر فى بسط سيطرته على عدة أماكن لمجرد عجز هذه البلدان عن التغيير، وصحيح أن الملكية لا تحظى بشعبية كبيرةٍ اليوم كما كانت من قبل، لكنها لا تُقابَل باستياء كبير أيضاً.
وربما يرغب بعض السياسيين بأماكن كثيرة فى التخلص منها، وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لهم بعد تمرير التاج من إليزابيث الثانية إلى تشارلز الثالث، لكن بلداناً كثيرة تواجهها مشكلات أكبر بكثير من مشكلة الملك تشارلز.
صحيفة «الجارديان» البريطانية لم تختلف كثيرًا عن تحليل مجلة «الإيكونومست»، فذكرت أن تولى الملك تشارلز الثالث العرش قد يشعل الجدل حول ما إذا كانت دول الكومنولث التابعة للعرش البريطانى ستبقى تحت حكمه، وقالت الصحيفة فى تقرير لها: «إرث الإمبراطورية والعبودية الذى ارتبط بالملكية البريطانية لعدة قرون أثار أسئلة صعبة حول مكانة الملك، ستقوم الحركات الجمهورية من المحيط الهادئ إلى أمريكا الشمالية إلى البحر الكاريبى بتقييم ما إذا كان عليهم اغتنام الفرصة الآن».
ورأت الصحيفة أن التطورات الأخيرة، لاسيما فى باربادوس التى أصبحت جمهورية عام 2021، وإزاحة الملكة إليزابيث من رئاسة الدولة، تصعيد يمكن أن يصل الآن إلى ذروته، كما أن هناك أصواتًا جمهورية فى أستراليا و نيوزيلندا وكندا، ويبدو أن جامايكا هى الأكثر احتمالية لمواجهة مشكلة لأسباب ليس أقلها أن تعيين الملك الجديد قد يتطلب استفتاء دستوريًا.

وأوردت الصحيفة البريطانية تقريرًا نُشر على الصفحة الأولى لإحدى الصحف الكبرى فى جامايكا نشر فى اليوم التالى لوفاة الملكة، وقالت إن « وفاة الملكة إليزابيث ستجعل انفصال جامايكا عن النظام الملكى أسهل».

وفى 2020، قدم ميكائيل فيليبس وهو عضو معارض فى برلمان جامايكا طلبًا، من أجل إقالة الملكة من رئاسة الدولة، فيما أعلن، عقب وفاتها، عن أنه يأمل أن يتحرك رئيس الوزراء بشكل أسرع عندما يكون هناك ملك جديد فى السلطة.

وأعلنت حكومة جامايكا العام الماضى عن خطط لمطالبة لندن بتعويضات لنحو 600 ألف إفريقى تم شحنهم إلى الجزيرة لصالح مالكى العبيد البريطانيين، فى حين وجد استطلاع رأى نشر فى الفترة الأخيرة، أن أكثر من نصف الجامايكيين قالوا إنهم يريدون عزل الملكة من رئاسة الدولة.
وسعت العائلة المالكة إلى معالجة الماضى الإمبراطورى الدموى لبريطانيا على مدى عقود، وفقًا للصحيفة التى لفتت إلى أن تشارلز حضر حفل باربادوس، العام الماضى، وألقى خطابًا تصالحيًا أشار فيه إلى الفظائع المروعة للعبودية التى لطخت التاريخ البريطانى.
وبالإضافة لجامايكا، أعلنت دولة بيليز عن مراجعة دستورية، كما أن القيادة السياسية فى بعض الأراضى البريطانية فيما وراء البحار مثل جزر فيرجن كانت تسير فى اتجاه مماثل.
وفى يونيو الماضى، عينت الحكومة الأسترالية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء أنطونى ألبانيز، مات ثيستلثويت كأول وزير فى البلاد مكلف بالإشراف على الانتقال إلى الجمهورية.
وبحسب الصحيفة، فإنه فى جمهورية فانواتو، أعرب سكان العاصمة بورت فيلا عن حزنهم على وفاة الملكة، لكنهم قالوا إن أهمية النظام الملكى قد تضاءلت على مر السنين.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2