فاجأ أمين عام الأمم المتحدة العالم فى عام 2013 بإطلاق مبادرة مبتكرة، كان عنوانها مبادرة الأعمال من أجل السلام، وتهدف إلى جمع شمل هيئات استثمارية بشركات بيزنس كبرى تنفذ عمليات تجارية تمهد الطريق لبناء السلام حول العالم، أو بمعنى آخر إحلال المشروعات التنموية فى مناطق الصراع.
وأرى فى المبادرة هدفا آخر خفيا، إنها بمثابة آلية تواجه بها مافيا تجار السلاح، وتطلق عليهم نظرائهم من تجار داعمي السلام، وحققت المبادرة استثمارات بـ 8 تريليونات يورو فى بناء تنمية مستدامة فى عدة دول.
ومبادرة "بان كي مون" خرجت من رحم أفكار ودراسات سابقة حملت ذات المغزى، تسعى لوقف نزيف الحروب، فلم يكن إسدال الستار على الحربين العالميتين نهاية الصراع، وسرعان ما دارت عقارب الساعة، واشتعلت الحرب الباردة بين قطبي العالم، وفور سقوط الاتحاد السوفيتي شاع خبر أن صُنّاع السلام فى طريقهم لقيادة العالم.
ولكن أصاب العالم خيبة الأمل، وتفجر أكثر من 125 صراعا دمويا فى أنحاء العالم، وأسفر عن قتل أكثر من 7 ملايين شخص، وبرغم قلة عدد تلك النزاعات الدولية، غير أنها استمرت فترات طويلة، وخلفت خسائر مدمرة على جميع المستويات، وطبقا لآراء خبراء الاقتصاد فإن قتل ملايين المدنيين خلق أزمة فى أسواق هذه البلدان. وتشير مفوضية شئون اللاجئين ب الأمم المتحدة إلى عامل جديد فى التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي، ورصدت رقما مفزعا عن عدد اللاجئين، وتقول إن 86 مليون نازح تركوا وظائف، كانت تدر إنتاجا وضرائب.
ويلح علينا سؤال لمن تكون الغلبة.. شركات صناعة السلام أم صُناع السلاح ؟ ولكن الواقع يقول إن مبادرة أمين عام الأمم المتحدة تحتاج إلى تضافر جاد من قادة العالم، وإذا تمكنت لغة المال من فرض كلمتها، فقد تصبح فرصة لصرف نظر رجال الأعمال عن استثمار أموالهم فى السلاح، وبالفعل قدمت مشروعات التنمية نتائج مبهرة فى عدد من مناطق الصراع، ونجحت بشكل ما بتكميم لغة السلاح، مثل استثمار شركة نستلة العالمية فى كولومبيا لزراعة آلاف الأفدنة لصناعة القهوة، مما دفع أطراف النزاع بالبلاد إلى الاشتغال فيها.
وفى الفلبين، اســـتطاع الحاكـــم الجديـــد "داتو بالاس" نزع فتيل الصراع بين أصحاب عقائد سماوية وبين المسلمين فى بعض أقاليم البلاد، وأعاد سكانها المسلمين إلى الانخراط فى سوق العمل بعد حرمان طويل، وما لبث أن عاد الهدوء وانخفضت الجريمة ونسبة الفقر.