قالت وكالة أسوشيتد برس للأنباء إن أوروبا تستعد لخيار شتاء بارد على غير المعتاد هذا العام نتيجة أزمة نقص إمدادات الغاز الروسي، مشيرة إلى أن كل شيء لدى الأوروبيين في حياتهم اليومية قد بدا وكأنه يستعد لشتاء لا مثيل له في برودته هذا العام بسبب أزمة الطاقة وأنهم بدأوا ترتيب حياتهم على استهلاك أقل للغاز وحياة تخلو من الرفاهية "فمصابيح الإنارة مطفأة وأفران الطهو موصدة" حرصا على كل ذرة غاز.
وبحسب تقرير للوكالة اليوم الاثنين "يدرك الأوربيون أن أيام وفرة الغاز ورفاه العيش قد انقضت ولن تأتي هذا الشتاء وعلى الجميع الاستعداد لأسوأ أزمة نقص غاز في تاريخ أوروبا عادت بها إلى عصور ما قبل الغاز".
ورصد تقرير الأسوشيتد برس، ملامح الحياة العامة لدى الأوروبيين التي بدأوا فيها استعداد لموسم الشتاء "الذي بلا غاز وفير هذا العام" فقالت إن الإماكن المغلقة في أوروبا باتت أشد برودة نتيجة تخفيف أحمال التدفئة، والبنايات التاريخية في عواصم أوروبا أضحت مظلمة، والخبازون قل إنتاجهم نتيجة تقليل ساعات عمل الأفران التي تعمل سواء ب الغاز أو بالكهرباء، حتى أصحاب محال الخضر والفاكهة باتوا على شفا مهلكة قد تودي ببضائعهم إلى الفناء نتيجة تقليل عمل المبردات التي تعمل بالغاز.
وأشار التقرير إلى أن أوضاع المعيشة في غرب أوروبا نتيجة نقص إمدادات الغاز لا تقارن بأوضاع أشد وطأة يعيشها سكان الشطر الشرقي من القارة الأوروبية، فبحسب التقرير عاد كثير من سكان شرق أوروبا إلى اللجوء إلى استعمال الحطب كمصدر للطاقة والتدفئة، وأن 70 في المائة من المطاعم في شرق أوروبا وفي غربها باتت معظم قوائمها خالية من أطباق الشواء الذي يتطلب نضوجها طاقة أكبر وبالتالي فواتير استهلاك أعلى للطاقة والكهرباء.
ولم تخفف حزم المساعدات المقدمة من الحكومات الأوروبية لمواطنيها من وطأة الأزمة الراهنة في الطاقة حيث تنتظر الأوروبيين أزمة حادة في الطاقة هذا الشتاء، وقالت الأسوشيتد برس في تقريرها أن الحكومات الغربية قد لجأت إلى خيار ترشيد استهلاك الأوروبيين للكهرباء من خلال تطبيق نظام حصص الاستهلاك الكهربائي في المنازل وهي حصص يتمتع فيها الأوروبيون بنحو 10 في المائة فقط من الكهرباء التي كانوا يتمتعون في منازلهم بها قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي.
وكشف استطلاع أجرته الأسوشيتد برس، عن أنه برغم قسوة الإجراءات الترشيدية للكهرباء التي لجأت إليها الحكومات الغربية وما فرضته من إجراءات صارمة للعيش لم يعتدها المواطن الأوروبي، إلا أن عموم الأوروبيين يتقبلون ذلك بقناعة كاملة حيث البديل سيكون شللا في حركة الصناعة وتشغيل مؤسسات الأعمال، وهي معادلة صعبة أدرك عقل المواطن الأوروبي أن عليه أن يتعايش معها حتى تنقشع الأزمة مع روسيا وتعاود حياة الأوروبيين سيرتها الأولى من الوفرة والطمأنينة والرفاه الكامل.
وبحسب الخبراء فقد أدرك الأوروبيون كدرس مستفاد من الأزمة أن اعتمادهم المطلق على إمدادات الطاقة القادمة من روسيا قد خلقت أزمات اقتصادية حادة في البنيان الاقتصادي الأوروبي وجعلته عرضة للتقلبات العاتية، بل وضربت استقراره في مقتل، غير الحكومات الأوروبية سرعان ما شرعت في إجراءات للتعامل مع هذا التهديد الناتج عن الأزمة الروسية الأوكرانية والتحرر من هيمنة روسيا على قطاع إمداد الطاقة في أوروبا الغربية.
ولتحقيق ذلك بدأت الحكومات الأوروبية في البحث عن مصادر إمداد بديلة للغاز القادم من روسيا، وشرعت في بناء احتياطيات غازية ضخمة وصلت الآن إلى نسبة 86 في المائة من إجمالي سعة مراكز تخزين الطاقة الغازية المسالة وذلك استعداد لمواجهة الشتاء، وهذه النسبة تفوق ما كانت تطمح إليه الحكومات الغربية من بلوغ مستويات التخزين نسبة 80 في المائة بحلول نوفمبر 2022.
وكشفت الاسوشيتد برس، عن نجاح خطة ترشيد استهلاك الإنارة في أوروبا في تسريع وتيرة نجاح خطة تخزين الغاز فعلى سبيل المثال تم خفض إنارة برج إيفل في العاصمة الفرنسية باريس بنسبة 15 في المائة عن المعتاد وهو ما يعني أن البرج سيكون معتما اعتاما تاما إما لمدة ساعة يوميا أو مضاء بقوة أقل على مدار اليوم، ويقول المراقبون أن المفاضلة بين هذا الخيار أو ذاك هي في حقيقتها لدى المواطن الأوروبي مفاضلة بين العيش في "رفاه واستمتاع أقل بالحياة أو إنقاذ تلك الحياة أصلا من الهلاك تجمدا في برد هذا الشتاء".
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومات الأوروبية كانت قد حصصت 500 مليار يورو لدعم أسعار الكهرباء منذ سبتمبر 2021 وتخفيف الوطأة عن دافعي الفواتير من مواطنيها وتخفيف الأعباء الضريبية على مؤسسات إنتاج الكهرباء من الرياح، لكن مؤسسة بروكيل للأبحاث الاقتصادية ومقرها بروكسل ترى أن استمرار هذا الدعم الحكومي لفواتير الطاقة للأوروبيين مستحيل أن يستمر وتتوافر له ديمومة البقاء مع تصاعد المواجهة والعقوبات مع روسيا واستخدامها الغاز كسلاح في معركتها مع الغرب الذي وجد نفسه مضطرا إلى خفض استهلاكه من الكهرباء بنسبة 40 في المائة عما كان الحال عليه قبل الأزمة مع روسيا.
غير أن مشكلة ارتفاع كلفة الكهرباء بالنسبة لمواطني بلدان الاتحاد الأوروبي الأقل دخلا لا زالت قائمة بل وتتصاعد في وقت تعجز فيه حكوماتها عن مواصلة دعم فواتير استهلاك المواطنين فعلى سبيل المثال أعلنت حكومة بلغاريا التي تعد أفقر بلدان الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين عن عدم استطاعتها دعم فواتير استهلاك البلغاريين البالغ عددهم 7 ملايين نسمة من الكهرباء وهو ما لم يدع أمامهم بديلا عن استخدام الحطب وحرق المخلفات كمصدر للطاقة.