حددت الشريعة الإسلامية تحديداً واضحاً وحكيماً النساء اللاتي يجوز للمسلم الزواج بهن، كما حددت النساء اللاتي لا يجوز الزواج منهن لأسباب مختلفة تؤكد جميعها حرص شريعة الإسلام على إعلاء القيم الإنسانية، وزيادة الروابط الاجتماعية بين الأهل والأقارب.
يقول الحق سبحانه: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً». ويقول: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيماً...».
ففي هاتين الآيتين الكريمتين ذكر الله -عز وجل- أربعة عشر نوعاً من النساء اللاتي لا يجوز للمسلم الزواج بهن أشار إلى أولها في قوله عز وجل: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ»، وقد كانوا في الجاهلية يجيزون للابن إذا مات أبوه أن يتزوج امرأته فنزلت هذه الآية، فحرمت على الابن تحريماً نهائياً مؤبداً الزواج من امرأة أبيه بعد مفارقته لها.
محرمات بسبب النسب
ثم ذكر الحق -سبحانه- في الآية الثانية ثلاثة عشر نوعاً من النساء يحرم الزواج بهن تحريماً مؤبداً منهن سبعة أنواع بسبب النسب، فقال سبحانه: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ»، فهذه الآية الكريمة اشتملت على سبعة أنواع من النساء يحرم الزواج بهن تحريماً مؤبداً، وأول هذه الأنواع «الأمهات»، ويشمل هذا التحريم أيضاً «الجدات» سواء كن من جهة الأب، أم من جهة الأم، ثم تأتي بنات الإنسان، وهذا التحريم يشمل البنت المباشرة، كما يشمل بنات الأبناء وبنات البنات وإن نزلن.
ومن المحرمات بسبب النسب «الأخوات»، سواء كن شقيقات أم غير شقيقات، وكذلك «العمات»، وهن أخوات الأب سواء كن شقيقات أم غير شقيقات، والعمة هي كل امرأة شاركت الأب مهما علا في أهليه أو في أحدهما، ثم «الخالات»، والخالة هي كل امرأة شاركت الأم مهما علت في أهليها أو في أحدهما، ثم «بنات الأخ وبنات الأخت».. أي: حرم الله عليكم الزواج ببنات إخوانكم الذكور، وبنات أخواتكم الإناث، وهذا التحريم بسبب النسب يتفق كما يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، ومع العقول القويمة التي تعشق مكارم الأخلاق.
الرضاعة
وبين الحق -سبحانه- المحرمات تحريماً مؤبداً بسبب الرضاعة، وهما صنفان أشار إليهما بقوله عز وجل: «وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ».
والأم من الرضاعة: هي كل امرأة أرضعت الإنسان، وكذلك كل امرأة انتسبت إلى تلك المرأة بالأمومة من جهة النسب أو من جهة الرضاع، والأخت من الرضاع هي التي التقى الإنسان معها على ثدي واحد.
وظاهر النص القرآني السابق: «وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ..» يقتضي أن مطلق الرضاع محرم للزواج، وبذلك قال بعض الفقهاء (الأحناف والمالكية) وقال فقهاء آخرون (الشافعية والحنابلة) إن الرضاع المحرم هو الذي يبلغ خمس رضعات واستدل هؤلاء بما قالته السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث قال: «لا تحرم الرضعة والرضعتان، والمصة والمصتان». وقد فهم البعض من النص القرآني المحرم للزواج بسبب الرضاع أن هذا الرضاع يحرم الزواج ولو في سن الكبر، لكن جمهور الفقهاء كما يوضح الشيخ عاشور قالوا: إن الرضاع المحرم هو ما كان قبل بلوغ الحولين، أما ما كان بعد بلوغ الحولين فلا يحرم، ولا يكون الرضيع ابناً من الرضاعة،؛ وذلك لقوله تعالى: «والوالدت يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة».
المصاهرة
وذكر الله -عز وجل- أربعة أصناف من النساء يحرم الزواج بهن تحريماً مؤبداً لأسباب تتعلق بالمصاهرة فقال: «وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ»، أي أن الله -سبحانه وتعالى- حرم على المسلم أن يتزوج من أم زوجته أو جدتها، ولا يشترط في تحريمها الدخول بها؛ بل مجرد العقد عليها يحرمها؛ ولذلك اشتهر قول الفقهاء: «العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول بالأمهات يحرم البنات»، وجاء في الحديث الشريف قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها، سواء دخل بالبنت أم لم يدخل، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت».
والصنف الثاني الذي حرمت الشريعة الإسلامية الزواج به لأسباب تتعلق بالمصاهرة «الربائب»؛ حيث قال سبحانه: «وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم...» والربيبة بنت امرأة الرجل من غيره، وسميت بذلك لأن الزوج في الغالب يربيها في بيته، ويعطف عليها. والحكمة في تحريم الربائب على أزواج أمهاتهن، أنهن يشبهن البنات الحقيقيات.
والصنف الثالث من النساء اللائي يحرم الزواج بهن بسبب المصاهرة، «الحلائل» قال تعالى: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ»، والمعنى: وحرم الله عليكم أيها الرجال الزواج من زوجات أولادكم الذين هم من ظهوركم، أما زوجات أولادكم بالتبني فيحل لكم الزواج بهن، متى فارقن أزواجهن وانتهت عدتهن.
ثم بين الحق سبحانه النوع الرابع والأخير من النساء اللاتي يحرم الزواج بهن بسبب المصاهرة فقال تعالى: «وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ».. أي وحرم الله عليكم الجمع بين الأختين معاً في الزواج إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه.
وكما حرم سبحانه الجمع بين الأختين، حرم كذلك الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: «لا تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها».
والسر في النهي عن الزواج بهذا النوع من النساء أنه يؤدي إلى تقطيع الأرحام.
تحريم مؤقت
و النساء اللاتي يحرم الزواج بهن تحريماً مؤقتاً عدة أصناف منهن المرأة التي تكون زوجاً لآخر، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: «والمحصنات من النساء»، وكذلك المرأة التي تكون في العدة من طلاق أو وفاة؛ حيث لا يحق لأحد أن يعقد عليها سوى من فارقها ما دامت في العدة، وإلا أصبح الزواج باطلاً.
والمرأة المطلقة ثلاثاً محرمة على زوجها ولا تحل له حتى تتزوج رجلاً آخر ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها وتنتهي عدتها منه انتهاء تاماً لا ريب فيه.
أيضاً، المرأة التي لا تنتمي إلى دين سماوي كالمرأة المشركة أو الوثنية المجوسية، أو أي امرأة ملحدة لا تؤمن بدين من الأديان، وتنكر وحدانية الله وتنكر الرسل، وتنكر يوم القيامة، فكل هؤلاء يحرم على المسلم الزواج منهن.
أما النساء الكتابيات من اليهود والنصارى، فقد أباح الله سبحانه للمسلم الزواج منهن؛ حيث قال سبحانه: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ».