ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الفرار من روسيا هربا من التجنيد الإجباري لايزال مستمرا في مشهد يعطى لمحة عن العزلة وعدم الارتياح داخل البلاد.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن النزوح الجماعي الروسي يشهد فرار 180 ألف شخص إلى ثلاثة دول مجاورة فقط مع احتمال أن تكون الحصيلة الكاملة أعلى بكثير.
وذكرت المخابرات العسكرية البريطانية، الخميس، في إحاطتها اليومية عن الغزو الروسي لأوكرانيا أن أعداد الأشخاص في سن التجنيد الذين غادروا البلاد منذ إعلان "التعبئة الجزئية" "تتجاوز حجم إجمالي قوة الغزو التي أرسلتها روسيا في فبراير 2022".
وقالت وزارة الدفاع البريطانية عبر تويتر: "الأشخاص الأفضل الأثرى والمتعلمون أكثر من يمثل أولئك الذين يحاولون مغادرة روسيا ... عندما يقترن بجنود الاحتياط الذين يتم حشدهم، فمن المرجح أن يصبح التأثير الاقتصادي المحلي لانخفاض توافر العمالة وتسريع هجرة الأدمغة ذا أهمية متزايدة".
وبحسب وزارة الداخلية في كازاخستان، فإن ما يقرب من 100 ألف روسي دخلوا البلاد منذ إعلان الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، قرار "التعبئة الجزئية" يوم 21 سبتمبر.
كذلك، سافر آلاف الروس إلى تركيا، وهي وجهة سياحية شهيرة أصبحت الآن مركزا للمنفيين الروس الفارين من التجنيد، حيث وصلوا على متن رحلات تجارية مزدحمة خلال الأسبوع الماضي وحتى على طائرات مستأجرة.
سافر عامل بناء روسي يبلغ من العمر 42 عاما إلى إسطنبول بعد أن مر عبر بلدين في غضون أربعة أيام بعد أن أنفق الكثير من التذاكر.
بدأ رحلته الشاقة جوا من مدينة سوتشي الروسية إلى طاجيكستان في 23 سبتمبر، ثم إلى أوزبكستان. وفي وقت مبكر من صباح الثلاثاء، سافر إلى إسطنبول، حيث كان يخطط للسفر إلى مدينة أنطاليا جنوب تركيا، والتي كانت مفضلة منذ فترة طويلة لدى الزوار الروس.
وتحدث عامل البناء، مثل الآخرين الذين تمت مقابلتهم، شرط عدم الكشف عن هويته خوفا على أفراد أسرته الذين ما زالوا في روسيا.
وعلى الرغم من فراره بسبب مخاوف من استدعائه للخدمة العسكرية في أوكرانيا، إلا أن شكواه كانت أكبر من مسألة التعبئة.
وقال لصحيفة "واشنطن بوست": "أنا لا أؤيد حكومتي، لكن لا يمكنني فعل أي شيء لتغيير الوضع".
وأضاف: "إذا كانت لديك وجهة نظر أخرى، وإذا كنت تحتج أو تكتب عن ذلك، فإنك تذهب إلى السجن". وتسمح له تأشيرته في تركيا بالبقاء لمدة شهرين فقط، حيث لا يعرف ماذا يفعل بعد هذه الشهرين.
وأدى إعلان بوتين الأسبوع الماضي بتعبئة عسكرية "جزئية" لجنود الاحتياط الروس لحرب الكرملين في أوكرانيا إلى ازدحام على حدود البلاد من قبل عشرات الآلاف من الرجال الذين يسمهم القرار بشكل مباشر.
قال شخص آخر يبلغ من العمر 32 عاما وصل إلى إسطنبول، الثلاثاء، إنه ترك وراءه زوجته وابنه البالغ من العمر عاما واحدا.
وأضاف الرجل، وهو من أصل أوكراني، أنه ولد وعاش حياته كلها في روسيا، موضحا: "بالطبع كان قرارا صعبا للغاية"، في إشارة إلى هروبه من البلاد بهذه الطريقة.
وقال إن الحكومة تجند الرجال "بشكل جماعي" بعد "استدعاء الجيران والأصدقاء"، مضيفا: "لم يكن لدي اي خيار. لا يمكنني الذهاب للحرب وقتل الناس في أوكرانيا". وقرر هو وزوجته المغادرة في اليوم الذي أعلن فيه بوتين التعبئة.
وتابع: "تركت وظيفتي وأخذت المال من البنك وأخذت زوجتي وطفلي إلى والديّ" قبل المغادرة. وقال: "حياتي كلها تنهار".
بالنسبة لمعظم الروس المسافرين إلى كازاخستان، فإن المحطة الأولى هي مدينة أورال على بعد أكثر من 250 كيلومتر جنوب سامارا، وهي أقرب مدينة روسية بها مطار.
وقال لوكبان أخميدياروف، وهو صحفي استقصائي محلي، إنه اصطحب امرأة روسية وابنها البالغ من العمر 19 عامًا إلى شقته، حيث كانت الفنادق والشقق محجوزة بالكامل.
وقال إن المدينة مليئة بالآلاف من الشبان الروس في سن التجنيد وهم يتجولون وهواتفهم المحمولة في أيديهم ويسحبون حقائبهم.
وأضاف: "يبدون مرتبكين للغاية ... وكأنهم فعلوا شيئا غير متوقع ولا يعرفون ماذا يفعلون بعد ذلك. لا يبدون سعداء. وهم هادئون جدا جدا".
واضطر العديد من الوافدين الجدد إلى قضاء ثلاثة أيام في طابور من السيارات على الحدود، مقارنة ببضع ساعات فقط في اليومين الأولين بعد إعلان التعبئة.
وقال أخميدياروف إن المتطوعين نصبوا خيمة ترحيب بالقرب من محطة القطارات المركزية، حيث يقدمون للروس الواصلين حديثا شرائح هواتف خلوية مجانية ووجبات ومياه ومشروبات ساخنة.
وتفتح العديد من المقاهي المحلية الآن طوال الليل، حيث تسمح للروس بالبقاء إذا لم يكن لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وقال أخميدياروف إن دار السينما في المدينة فعلت الشيء نفسه، حيث تستقبل 200 شخص كل ليلة للنوم فيها.