هذا حديثٌ سوف ينكره الكثيرون، لأنهم يودون أن يسمعوا ما يحبون، فالنفس تأنس لما تهواه، وتعشق ما استقرت عليه، ويصعب عليها أن تستوعب غيره، حتى لو تبينت أنه الحق، أو توسمت أنه الحقيقة.
وأسوأ ما يحدث أن يبدءه قارئ ونفسه مسبقة بالعداء، أو متوقعة للتجنى، وأسوأ منه موقف الرفض مع سبق الإصرار للتفكير وإستعمال العقل، وأمام هذا التنافر والتناحر الفكرى، تعددت الفئات والكيانات المتضادة، ومع غياب الشفافية والوضوح كثرت الأقاويل وتضاربت الأفكار وانقسم المجتمع إلى طوائف وفئات لم تضع فى إعتبارها أن كل وجهة نظر قد تكون صحيحة تحتمل الخطأ مثلما قد تكون خطأ يحتمل الصواب، ونسى الجميع أنه من المنطقى والطبيعى أن نختلف على الأشخاص والحكومات ولكن لا يمكن أن نختلف على الوطن.
فيما غاب الإعلام عن دوره الحقيقى، وضاعت الحقيقة بين الجميع.
المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي وخاصة صفحات الفيسبوك، يجد أن المصريين انقسموا فريقين؛ اتضح هذا عندما تفاقمت مشكلة تيران وصنافير، حيث نجح “العدو” في بث الفرقة بين أفراد الشعب، في وقت أخفقت فيه الحكومة بعدم قدرتها علي الشرح المقنع، وذلك لعدم وجود الوسائل الاعلامية الملتزمة بالدقة والحيادية.
ومنذ ذلك الوقت حدثت الفجوة الواضحة في الرؤي بين الكثير من المصريين، فمنهم الفريق المعارض في الشك في كل ما يقوله ويفعله السيسي وحكومته، بينما مضي الفريق المساند في التهليل لكل ما يحدث من إنجازات علي أرض الواقع، وتفاقمت الأزمات وزاد عدد الساخطين بعد المعالجة الحتمية للاقتصاد الذي يعاني أزمات عديدة، سواء من تصحيح سعر الصرف والذي نجم عنه انفلات في الأسعار لم يستثن أحدا.
الظاهرة الصحية التي أراها بدأت تنتشر، هي تغير التوجهات ـ حتى المعارضة ـ واتخذت لهجة هادئة نسبياً بعد تصعيد مفخخ، وحاول كثيرون فهم ما يجري على أرض الواقع ببعض الموضوعية، مع ارتفاع في مستوى الوعي الوطني ووضوح الرؤيا، حيث أنه أمام ظهور الأعداء أو “قوى الشر” بتعبير الرئيس السيسي، ظهر المعدن المصري الأصيل، الذي وصل ذروته مع بدء عمليات الحرب الشاملة علي الارهاب في سيناء، وكذلك مع التهديدات الخارجية من قوى إقليمية ودولية، لهذا ظهر التلاحم الشعبي في أوج قوته، والوقوف صفاً واحداً وراء الجيش والشرطة، وهذا ربما يكون الملمح الأبرز في السنوات الأخيرة.
لقد بدأت العمليات الشاملة في حرب شرسة في كل المناطق الاستراتيچية وهي حرب بقاء بالنسبة لمصر، وتخوضها الآن بعد تراخي معظم دول العالم في المساندة الفعلية، ومع أن البعض قد لا يشعر بخطورة الموقف الذي نحن فيه لأن الإعلام لا يقوم بواجبه ولا يحشد برامجه ليعكس الوضع الحقيقي علي الأرض، وينقل نبض الجماهير على الهواء لاستثمار حالة التفاعل الإيجابي بين الشعب ومؤسساته الوطنية.
علي الإعلام أن يتخلى عن محاولات الإثارة والتسطيح والتغييب، ويحاول تقديم خدمة إخبارية متزامنة مع الحدث وبالشكل الذي يعيد مفهوم التعبئة الشعبية، بالتوازي مع التعبئة العسكرية، ويدرك أنه لا حياد وقت الحروب.. مثلما أنه لا ضفادع من السماء.؟