ودع العالم في ٣٠ سبتمبر عام ٢٠٠٠، الطفل الفلسطيني محمد الدره، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن حاول الاختباء في أحضان والده، ولكن نجحت رصاصات الاحتلال في الوصول إليه وتوفى على إثرها.
ويُلقب محمد بأسم "شهيد الانتفاضة الثانية"، التي أندلعت قبل استشهاده بيومين، بعد اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي آرئيل شارون، باحات المسجد الأقصى، قائلاً لجنوده: "سيبقي الحرم القدسي منطقة إسرائيلية".
ورث الشاعر الكبير ممدوح نبيل، الدره بقصيدة طائر الجنة الغريد قائلًا: "أه أبتى
أه أبتى
شئ ما قد ثقب الصدر
وأوقد نارًا
فى القلب الأخضر
شئ ما قد بتر الفرحة من شفتى
والتهم السكر
شئ ما أكبر من كل رصاص العسكر
شئ أكبر
الطلقة يا أبتى ليست فى القلب
الطلقة فى هذه الأرض الفاتحة الباب
لمن هب ودب
الطلقة لم تقتل درتك
ولكن قد قتلت كل العرب"
وأضاف: "أه أبتي
أنى مبسوط جدًا
أني سأغادر هذا الوطن الورقى الهش
لوطن فيه الصرخة لا تخنق
فيه البسمة لا تسرق
فيه الكلمة لا تحرق
أه أبتى
إنى مبسوط جدا
أنى سأرى الله
وسأسأله يا الله
ويا واهب هذا الأمن
لماذا بلادى لم يأتى إليها الأمن ؟!"
وتابع نبيل: "ولماذا ولدت بعصر الحزن
على عشب الحزن
وصليت على سجادة حزن
وورثت الحزن
ولماذا أطلقت القوة فى الأعداء
وأطلقت الرعشة فى وطنى والجبن
رحماك ربى أتيت إليك
أتيت إليك
أتيت إليك
أه أبتى
أكثر ما يؤلمنى أنى راحل
والدمع يلوح فى عينيك
أكثر ما يؤلمنى تلك الآهه
تتلوى كالمذبوح على شفتيك
أكثر ما يؤلمنى
هذا الضعف
وهذا الخوف
وهذا القيد الملفوف على رسغيك
أكثر ما يؤلمنى
أنى راحل
وأعلم أنه لن تطلق خلفى صرخة
كالفرخة إن ذبحت
هل سمعت يا أبتى من قبل صراخا
كان على فرخة".
وأختتم نبيل: "أكثر ما يؤلمنى أن رفاق صباى
منتظرين رصاص الغدر
يجيئ مع الفجر
مع الظهر
مع الليل
مع المطر
أكثر ما يؤلمنى
أمى المنتظرة
تغزل لى ثوب من أمل
وتغنى لى:
(يا طالع الشجرة
هات لى معاك قمرة
تأتى إلى أرض
لا تحمل الفجرة)
غني يا أبتي قبل رحيلى
غني يا أبتى ولا تبكي أبدا
هل غير الدمع قدرا ؟!...
غنى يا أبتى
يا طالع الشجرة
يا طالع الشجرة
وقاضت الروح إلى بارئها
لترتقى إلى أعلى عليين بإذن الله تعالى".
الجدير بالذكر، توقف نبيل عن كتابة الشعر لمدة ١٨ عام، حتى التقى بجمال الدره والد الشهيد، في احتفالية نصر اكتوبر عام ٢٠١٨، وطلب منه كتابة هذه القصيدة لابنه.