52 عاما على رحيل الزعيم الخالد.. تفاصيل ليلة وفاة جمال عبد الناصر «أمم تقف لك يا ولدي»

«أمم تقف لك يا ولدي».. جملة كانت وكأنها نبوءة عرافة بالغة الأثر متمكنة، أصابت كبد الحقيقة وأثبت التاريخ صحة النبوءة بكل تفاصيلها .. هذه الجملة قالتها الأم الصعيدية العجوز فى فيلم « ناصر 56» وقتما أصرت أن تعطى جمال عبد ال ناصر قميص جدها الذى توفى فى حفر قناة السويس.

وبالفعل.. وقفت له الأمم.. «زعيما» عظيما، وخلد التاريخ أعماله وأفعاله وقراراته «قائدا فذا، قلما يجود الزمان بمثله.. 52 عاما على رحيله وما يزال فى العقل والوجدان المصرى والعربى بل وفى وجدان كل الشعوب والأمم التى ناضلت من أجل حريتها واستقلالها وثروات بلادها.. رغم الموت يحيا.. رغم الموت يبقى «ناصر» .

المشاهد الأخيرة فى حياة الزعيم تدمى القلوب وتدمعها ففى غرفة المعيشة ببيت الزعيم، كانت تجلس الزوجة تحية كاظم،

ـ حسبما جاء فى مذكراتها الخاصة - تتابع بتركيز شديد وقلق أشد انتهاء فعاليات مؤتمرالقادة العرب.. المذيعة سميرة الكيلانى تقرأ نشرة أخبار الساعة التاسعة قائلة: لقد تم الوفاق، واختتم المؤتمر أعماله، وغادر الضيوف من الملوك والرؤساء القاهرة، وكان فى توديعهم الرئيس، وسيغادر الباقى غدا، تصفق، تهلل السيدة تحية كاظم وتصفق بيددها فرحا وابنتها هدى تقف بجوارها تشاركها الفرحة، فبعد وقت قليل سيعود الأب والزوج إلى البيت الذى غاب عنه لأيام متواصلة.. فى الساعة العاشرة والنصف جاء السفرجى يقول: لقد حضر سيادة الرئيس، تركت الحجرة وقالت لابنتها منى «كملى انتى الفيلم» وصعدت وتركتها، دخلت الحجرة، وجدت الرئيس راقدا على السرير صافحته بحرارة، وكان قد طلب العشاء، وجلست معه ولم يأكل إلا «لبن زبادى» ورجع إلى السرير .

لم تستكمل منى مشاهدة الفيلم، وطلعت ودخلت حجرة والدها، وصافحته وجلست معه على طرف السرير، وحضر خالد أيضا وصافحه وجلسا فى الحجرة قليلا يتحدثان مع والدهما، وظل الرئيس يتحدث فى التليفون حتى الساعة الثانية عشرة، ثم قال: سأنام مبكرا، وغدا سأذهب فى الصباح لتوديع الملك فيصل وأمير الكويت وأطفأ النور ونام .

يوم الوفاة

فى الصباح استيقظ الرئيس قبل الثامنة، وذهب إلى المطار بعد أن تناول فاكهة فقط ولم يتناول إفطاره، ورجع الرئيس فى الساعة الثانية عشرة، وحضر الدكتور الخاص ودخل له، وأجرى له رسم قلب، ثم بعد ذلك خرج الرئيس مرة ثانية لتوديع أمير الكويت .

ثم رجع الرئيس من المطار فى الساعة الثالثة بعد الظهر، وحضر الدكتور الصاوى حبيب فقال له الرئيس: ادخل يا صاوى فدخل، وبعد دقائق حضر دكتور اختصاصى، منصور فايز فقالت له السيدة تحية كاظم بالحرف: انت جيت ليه يا دكتور دلوقتى؟ أنا لما باشوفك بأعرف إن الرئيس تعبان وباكون مشغوله، فرد وقال: أنا معتاد أن أحضر كل أسبوع فى يوم الإثنين واليوم الإثنين ودخل للرئيس .

وبعد دقائق جاء لى الدكتور الاختصاصى، وقال : الرئيس الآن تحسن وإذا أردت الدخول له فلتدخلى، وأخذ يدخن سيجارة فقلت له: لا داعى حتى لا يشعر إنى قلقة، وبعد لحظات جاء الدكتور الصاوى يجرى مسرعا وقال: تعالى يا دكتور ودخل الدكتور يجرى، ودخلت لحجرة المكتب ومنعتنى منى من الدخول لوالدها، وقالت إن بابا بخير لا تخافى يا ماما، وأجلستنى فى حجرة المكتب وجلست معى، وبعد فترة حضر دكتور آخر ثم دكتور ثالث، فدخلت عنده ووجدت الأطباء بجانبه يحاولون علاجه، وكنت أبكى وخرجت حتى لا يرانى الرئيس وأنا أبكى، ثم دخلت له مرة ثانية وازداد بكائى وخرجت وجلست فى حجرة المكتب، ودخل عدد من السكرتارية، ثم حضر حسين الشافعى ومحمد حسنين هيكل، وكل واحد يدخل الحجرة ولا يخرج .

ملابس الحداد

وتتابع تحية كاظم: أصرت منى أن أخرج إلى الصالة، فكنت أمشى وأقول: جمال جمال، ووجدت الكل يخرج وينزل السلالم فدخلت مسرعة، ورأيت حسين الشافعى يخرج من الحجرة يبكى ويقول: مش معقول يا ريس، وحضر خالد وعبد الحكيم فى هذه اللحظة ولم يكونوا فى البيت ولا يدرون شيئا، ودخلا مسرعان، وحضرت هدى وكانت لا تعلم بما جرى بعد ذهابها لبيتها، ثم دخلت للرئيس ووقفت بجواره أقبله وأبكيه، ثم خرجت من الحجرة لاستبدل ملابسى وألبس ملابس الحداد، ونزلت مسرعة إلى الدور الأول، ووجدت الكل، الأطباء والسكرتارية و هيكل وحسين الشافعى وأنور السادات حضر، والكل واقف فى الصالون.

بيان الوفاة

وفى الوقت الذى حولت فيه محطات الإذاعة برامجها وتوحدت كلها فى تلاوة القرآن الكريم حتى الحادية عشرة إلا خمس دقائق عندما جاء صوت أنور السادات يلقى البيان الذى كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل يقول فيه: «فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها رجلاً من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال وهو الرئيس جمال عبد ال ناصر الذى جاد بأنفاسه الأخيرة فى الساعة السادسة والربع من مساء اليوم 27 رجب 1390 الموافق 28 سبتمبر 1970، بينما هو واقف فى ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل انتصارها».

اليوم الأخير

أما «هيكل» فقد قال عن اليوم الأخير فى حياة الزعيم الراحل،- حسبما روى الكاتب الصحفى الراحل صلاح منتصر فى بعض مقالاته - بأنه كان يبدو عليه الإرهاق، وقال إنه سيذهب إلى المنزل لرؤية الأولاد، وقبلها سار يتمشى بالجناح الخاص به، وطل على النيل بجوار هيكل، ثم نظر للمنظر وقال «ده أجمل منظر فى الدنيا»، فرد هيكل مازحًا «هو منظر جميل جدًا بلا جدال ولكن إنه أجمل منظر فى الدنيا ده موضوع محتاج مناقشة»، فسأله «تفتكر هنشوفها دي؟» فرد «إن شاء الله»، فتابع ناصر «مظنش إنى هاجى فى هذا الموقع تانى وأطل على النيل بهذا الاتساع»، ثم نظر للنهر مدة طويلة وانصرف.

وكانت آخر مرة رأى «هيكل» الزعيم الراحل عندما سار معه فى جناحه إلى المصعد بالدور الـ12، «سلمت عليه وكانت المرة الأخيرة التى يراه فيها على قدميه»، وبقى الأخير فى الفندق فى انتظار اجتماع اللجنة الثلاثية، لأن لجنة المتابعة ستعقد اجتماعا، وبعدها بفترة انصرف.

بعدما عاد هيكل لمنزله طلب السفير البريطانى رؤيته فورًا، بخصوص رهائن بريطانيين موجودين فى الأردن، والسفير حريص أن تصل لعبد الناصر، فاتصل الصحفى الراحل تليفونيا يسأل «هل الرئيس صاحى أكلمه؟»، خاصة بعدما شعر بأنه مرهق، فرد السيد سامى شرف، قائلًا «نور غرفة النوم انطفىء من دقيقة»، كان متعبا ولكنه رد، وأبدى رأيه وقال إنه سيتكلم فى الصباح.

الساعة 8 ونصف صباحا، قال عبد ال ناصر إنه سيذهب لتوديع الرؤساء خاصة بعد عدم استقباله لهم، وأنه سينتهى من توديعهم ويعود للمنزل ليضع قدميه فى ماء وملح، معتبرًا أنها أفيد من الوصفات الطبية، الساعة 4 و35 دقيقة بعد الظهر، اتصل العقيد فؤاد عبد الحي، مساعد محمد أحمد السكرتير الخاص بالرئيس، بحسنين هيكل، تنفيذًا لطلب قرينة الرئيس بدعوة بعض الناس لغرفة «ناصر»، ولم يكن «هيكل» يعلم هل هذا طلب من الرئيس أم لا، (فى الطريق فكرت على فى حاجة)، خاصة إن حالته الصحية ليست على ما يرام، ولم يخطر ببالى أن النهاية وشيكة إلى هذا الحد».

صعد هيكل سريعًا للغرفة، فوجد السيدة تحية عبد ال ناصر بالخارج تبكى فسأل ما الأمر؟، فقالت «الريس تعبان أوي»، فدخل الغرفة ليجد الرئيس نائما على السرير يرتدى بيجامة بها خطوط زرقاء، دون أن يحرك ساكنًا.

بداخل الغرفة كان يتواجد الفريق فوزى وهو أقربهم من السرير، وأيضًا على صبرى وسامى شرف وحسين شافعى وبعدها بـ25 دقيقة دخل أنور السادات، ورأى حالة ذعر فى أعين الأطباء، وكأنه هناك شبح رهيب ينزل إلى الغرفة، وطرح «هيكل» سؤالا هل هذه وفاة أم هى جريمة.

ماذا بعد الوفاة؟

سأل «هيكل» الأطباء ما الأمر، فرد وابأنها سكتة قلبية، قبل أن ينزل الجميع لكى يبحثوا ماذا بعد وفاة الرئيس، وأن الجثمان سيخرج إلى قصر القبة، وقبلوا وجهة نظر الأطباء فى الأمر، ثم نزل مع الرئيس السادات إلى الإذاعة لإلقاء البيان، الذى كتبه هيكل بخط يده.

وكان هناك اقتراح بالاكتفاء بقراءة البيان كخبر فى نشرة الأخبار، ولكن هيكل أصر على أن يقوم السادات بهذه المهمة ليكون ذلك إعلانا بأن الوطن لم تفقده المأساة الطريق وأن السادات، وهو نائب رئيس الجمهورية، قد تولى القيادة بحكم الشرعية الدستورية.

كما تم بحث تفاصيل سير الجنازة فلم تكن هناك سابقة قريبة أمام المجتمعين فى بيت الرئيس الراحل يمكنهم الاستفادة منها، وكانت آخر جنازة رسمية لحاكم مصر هى جنازة الملك فؤاد فى إبريل 1936، فأرسل هيكل إلى قصر عابدين من يفتح الملفات ويستحضر الإجراءات التى يمكن الاسترشاد بها لتوديع عبد ال ناصر شعبيا ودوليا، وهو ما تم يوم الخميس أول أكتوبر.

أضف تعليق

المنتدى الحضري العالمي شهادة دولية للدولة المصرية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2