كتبت من قبل أنن الناقد يسعد مرتين بمشاهدة فيلم جيد: مرة بالمشاهدة، ومرة بالكتابة عنه، واستعادة خبرة المشاهدة الممتعة على الورق، ولكنه الناقد يتعذب مرتين بمشاهدة فيلم رديء: مرة بالمشاهدة، ومرة بالكتابة عنه، واستعادة خبرة المشاهدة المؤلمة على الورق، وهو مضطر للكتابة عن الأفلام عموما، جيدها ورديئها، لأنه لا يشاهد الأفلام لحساب نفسه، ولكنه يشاهدها لحساب القاريء، أي أنه "مستشار القاريء"، على حد تعريف طه حسين للناقد .
وأعتقد أن مشاهدة فيلم مثل « أشباح أوروبا»، عن قصة كريم فاروق، وسيناريو وحوار أمين جمال، وإخراج محمد عبد الرحمن حماقي، ومن بطولة هيفاء وهبي وأحمد الفيشاوي ومصطفى خاطر وعباس أبو الحسن وباسم سمرة وأروى جودة، من قبيل تلك الابتلاءات التي يتعرض لها الناقد والمشاهد العادي معا، ذلك أنك تحاول، بعد الفيلم، أن تستعيد شيئا يمكن الكتاب عنه، فلا تجد ما يستحق، وتندهش حقا أن يتكلف البعض الأموال لكي يقدم لعبة سخيفة، تقوم على أساس مفارقة هندية، وبيع توائم صغار فى طفولتهم، ثم تحوّلهم عندما كبروا إلى أفراد عصابة، لها فرع مصري، وفرع فى أوربا، والكل يلعب استغماية وأكشن ومطاردات، وراء عقد ثمنه 20 مليون دولار، كل كلشيهات عالم العصابات وضرب النار موجودة، ولكن فى صورة ركيكة ومزعجة، مع حالة إفلاس فني غريبة، يفترض أن نصدقها، لمجرد أن بطلة الفيلم هيفاء وهبي.
واجه الفيلم مشكلات قانونية متعلقة بالمنتج، مما استدعى أن يعرض خارج مصر، قبل أن يصل أخيرا إلى الشاشات المصرية، لنرى هذا «الإبداع» الرائق، وهذه الصنعة التي لاتهتم سوى باللعب وتبادل المواقع، من خلال عدد كبير من الشخصيات.
وأصل اللعبة أن عائلة مصرية فقيــرة، رزقت بســــت توائـــــــم، ولأن إمكانيــــات العائلة لا تسمح بتربيتهم، قرر الأب، مدمن المخدرات، أن يبيع ثلاثة، وشاءت الأقدار أن يتربى هؤلاء الثلاثة فى أوروبا، بينما يعيش الثلاثة الآخرون فى حي شعبي فى القاهرة، وهكذا علينا أن نتعامل فى الحكاية مع اثنين هيفاء وهبي: واحدة مصرية بنت بلد تدعى هويدا، بالماكياج وبالشفاة المنتفخة (!!) ومع بنت أوروبية تقدوم هيفاء بدورها أيضا، ولكنها تضرب مثل فتيات الكاراتيه، وتطلق الرصاص، اسمها لي لي، وأن نشاهد اثنين أحمد الفيشاوي: الأول فتوة فى الحارة اسمه بركات، والثاني رجل عصابات يعيش فى أوروبا، يدعى مارتن، وأن نرى مصطفى خاطر فى دورين، أولهما مصري اسمع عبد الله، يعمل سائق ميكروباص، ويحب تدخين الحشيش، والثاني أوروبي يدعى جوي.
فريق أوروبا يعرف حكاية بيع الأم لهم، وفريق مصر يتورطون فى حكاية العقد الساذجة، بسبب محامية (أروى)، تقنعهم أنهم ورثوا 20 مليون دولارمن أمهم، وفى أوروبا، يصل أشباح بلدنا (والشبح من التشبيح أو الفتونة)، ليخوضوا صراعا مع إخوتهم التوائم، ومع فريق يريدون امتلاك العقد الثمين، ومن نجوم فريق العصابة عباس أبو الحسن ( سليم إفرام)، وخد بالك من الاسم فى بعده السياسي اللولبي، وشخصية أخرى يلعبها باسم سمرة، وشخصية ثالثة يلعبها أجنبي تدعى خواكيم، وعلينا طوال الوقت أن نتعامل مع اللعبة بشعار «دوخيني يا لمونة»، وعلى طريقة: «شنطة مين ؟ شنطة حمزة، وحمزة مين ؟ صاحب الشنطة»، ويفترض أن يربح توائم بلدنا، ولا يكتفون التمثيل المشرف فى الخارج، ويكون ذلك، للمفارقة، على حساب «توائم أوروبا»، ولا تنسى أن العقد، عليه خريطة تكشف كنوزا مدفونا، وأنه "كله على كله واما تشوفه قوله".
باستثناء مشاهد الحركة، لا شيء يمكن أن يدل على إتقان أو تعب، رغم محاولة كاتب السيناريو أن يعيد سرد هذا الفيلم الهندي بصورة مشوقة، ورغم حوار المنطقة الشعبية اللافت بمفرداته، ورغم محاولات لبعض الإيفيهات المضحكة، ولكن ظلت المشكلة فى هذا الألعاب المجانية، وفى ثغرات كثيرة خاصة بحكاية بيع الأطفال، وتاريخ توائم أوروبا، وبسخافة اللعبة من الأساس، وكأن المسألة مجرد توافيق وتباديل، المهم أن يتم التصوير فى أوروبا، وأن يلعب كل ممثل دورين، وأن يكسب الفريق المحلي، حتى لو كانوا فى منتهى العبط والسذاجة، هؤلاء الذين فشلوا فى بلدهم، يفترض أن يفهموا اللعبة، وأن يصبحوا نجوم فى عالم العصابات، بل وأن يتخلصوا من إخوتهم التوائم.
لعل أهم من هذه الفوضى أن نتحدث عما يمكن أن تصل إليه «سينما العصابات المصرية» من مستوى هزيل، بعد أن تكاثرت بصورة لافته، تأثرا بسلسلة أفلام «أوشن» الأمريكية، فمنذ عرض فيلم «رجال أوشن»، انتشرت فى الأفلام المصرية حكايات رجال عصابات، وسرقة الخزائن، والتهريب، مع استعارة فكرة «الألعاب السردية»، بحيث بدت اللعبة مقصودة لذاتها، مع كثير من المطاردات وتبادل الرصاص، بطريقة جعلتنا نقترب الى ألعاب الفيديو جيم، أو كأننا أمام قصص كوميكس انتقلت الى السينما.
ليست كل المحاولات سواء، ولكن اللعبة صارت سخيفة ومتكررة، وأصبحت الفبركة والصنعة والتقليد وربما النقل هي العناوين الواضحة.
فى « أشباح أوروبا» تجسدت كل تلك المشاكل، مضافا إليها الفهلوة والسذاجة، فلم تنفع مشاركات أسماء كثيرة، تتزاحم وتظهر وتختفى على الشاشة، دون أن تترك أثرا، ولم تنقذ هيفاء شيئا، فلا هي مقنعة كفتاة تبيع الشاي فى موقف الميكروباص، ولا هي مقنعة كبطلة أكشن.
لا معنى لهذا الضجيج الذي شاهدناه، سوى الاستسهال واللعب فى المضمون، لأن هذا «المضمون» قد صار مبتذلا ومزعجا، ولا يدعو إلا للرثاء وللأسف، على تضييع الوقت فى المشاهدة، وعلى تضييع الجهد فى الكتابة.