هل الغرب مستعد لسيناريو هزيمة روسيا ؟

هل الغرب مستعد لسيناريو هزيمة روسيا ؟بوتين

عرب وعالم18-10-2022 | 15:48

فى ختام حديثه لإعلان الحرب على إسبرطة عام 431 قبل الميلاد، ذكر بيركليس لرفاقه فى أثينا، «إن خوفى من تخبطاتنا يفوق خوفى من حيل العدو» محذرًا أيضًا من الاستعلائية التي كانت تميز خطاب رجالات الدولة آنذاك، وخطورة الخلط بين «خطط الفتوحات الحديثة وأساليب الحرب التقليدية».

لم يعبأ قادة أثينا بتحذيرات بيركليس إلى أن قاد خلفاؤه بلادهم إلى هزيمة كارثية؛ وبعد قرون، لم تختلف تحذيرات إدموند بيرك لرفاقه الوطنيين البريطانيين أثناء حربهم ضد فرنسا إبان فترة الثورة الفرنسية عن تحذيرات بيركليس.

فقد كتب إدموند بيرك عام 1793: «إن ما يخفيني هو نفوذنا وطموحنا، إنني أرتعد من فكرة أن نصبح مرهوبي الجانب إلى حد مفرط». وأضاف بيرك: «ربما نتعهد بأننا لن نسيء استخدام هذا النفوذ المذهل وغير المسبوق، إلا إن أي دولة ستظل متخوفة من أننا سوف نسيء إليها؛ ورغم استحالة ذلك، إلا إنني أرى أنه عاجلًا أم آجلًا سيقودنا هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل قد تؤدي فى النهاية إلى تدميرنا».

رغم عدم تحقق نبوءة إدموند بيرك، إلا إن طموحات بريطانيا ظلت محدودة حتى بعد هزيمة فرنسا؛ والآن بعد أكثر من قرنين تواجه الإمبراطورية الأمريكية المشكلة ذاتها، حيث حذرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن هزيمة روسيا فى أوكرانيا ستجلب معها تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة والمجتمع الغربي.

وتنبأت المجلة فى تقرير حديث لها بأن هزيمة روسيا المرتقبة سوف تعزز من مزاعم الغرب حول التفوق المتأصل لنظامهم الديموقراطي وعالمهم الحر وسعيهم فى سبيل نشر مبادئه.

وأضافت المجلة أنه رغم وجاهة الأسباب الأخلاقية والاستراتيجية التي تستند إليها الرغبة فى هزيمة موسكو، على افتراض عدم لجوء أحد الجانبين إلى الأسلحة النووية ونجاح أوكرانيا فى استعادة ما فقدته من أراض، إلا إن هذه الهزيمة ستضع الغرب، و الولايات المتحدة بصفة خاصة، أمام تحد كبير يتمثل فى ضرورة اقتناص فوائد هذه الهزيمة.

ورغم أن هذه الأطروحات ربما تكون سابقة لأوانها، مع عدم وضوح معالم مرحلة الصراع النهائية فى أوكرانيا، إلا إن على الغرب دراسة السيناريو المستهدف تحقيقه، فى ظل سوء تقدير الأوضاع من جانب موسكو وعدم كفاءة قوتها العسكرية، والعقوبات المفروضة عليها، والمقاومة الأوكرانية الشرسة، والدعم المادي والاستخباراتي الهائل من الغرب.

وأشارت المجلة إلى الفرصة التي أضاعها الغرب بسبب خطابه الاستعلائي بعد آخر انتصاراته الجيوسياسية الكبرى بإسقاط الاتحاد السوفيتي سلميًا أوائل تسعينيات القرن الماضي - فى مقابل فشل الغرب فى منع نشوب الحرب الروسية - الأوكرانية وتجنيب أوكرانيا الدمار الهائل الذي لقيته خلال الصراع.

ورأت المجلة أن استعلائية الغرب قد أضاعت عليه فرصة بناء مجتمع عالمي أكثر سلمية واستدامة، مؤكدة أهمية الاستفادة من أخطاء الماضي، والتحوط ضد التجاوزات المرتبطة بالنظام أحادي القطب الذي قد تنعق به نفس القوى السياسية التي كانت سببًا فى حدوث مثل هذه التجاوزات من قبل.

وفى ظل تلاشي النفوذ الروسي بشكل ملحوظ، مقترنًا بركود اقتصادي وشيك، ستفقد تعهدات الحكومات الأوروبية بزيادة قدرات بلادها العسكرية الكثير من الزخم، مع عودة أعضاء حلف الناتو إلى الاعتماد على «العم سام» لحمايتهم.

وبالنسبة للدروس المستفادة من الصراع الروسي-الأوكراني، والتي تناقض مبدأ الهيمنة الغربية، ذكرت المجلة أن أول هذه الدروس يتجلى فى ضرورة تجنب تهديد المصالح الحيوية لأي قوى عظمى، فقد حذر عدد كبير من خبراء السياسيين كثيرًا من خطورة المضي قُدُمًا فى سياسة حلف الناتو التوسعية.

وفى هذا الصدد، أوضحت المجلة أنه منذ بدء الأزمة الأوكرانية فى فبراير 2014 لم يظهر ما ينتفي معه وجاهة هذه التحذيرات، مشيرة إلى عدم منطقية محاولة كسب انتصار صعب فى معركة يمكن تجنبها من البداية.

ويتمثل ثاني الدروس المستفادة فى أهمية تجنب تضخيم التهديدات، إذ ترى روسيا أن حربها فى أوكرانيا بمثابة حرب وقائية لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو والانزلاق فى فلك الغرب، كما تعمدت الولايات المتحدة المبالغة فى تقييم خطر الامتداد الشيوعي أثناء حرب فيتنام، وتضخيم التهديد الذي كان يشكله العراق فى ظل حكم صدام حسين عام 2001.

وعن ثالث الدروس المستفادة، والذي لم يفطن إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيتجلى فى أهمية مراعاة أن أي قوة أجنبية معتدية لا يمكن أن تلقى ترحيبًا من المجتمعات المعتدى عليها، حتى وإن كانت هذه المجتمعات تعاني من التقسيم، بل لن تزيد محاولات غزوها من المقاومة المحتملة إلا شراسة.

بينما يتمثل رابع الدروس المستفادة، والذي لم يلتفت إليه الرئيس الروسي أيضًا، حسبما ذكرت المجلة، فيتجلى فى ضرورة مراعاة أن أي عدوان كامل من دولة ضد أخرى سيدفع الدول الأخرى على اتخاذ ما يلزم من خطوات للتصدي لهذا العدوان.

وفى ضوء هذه الدروس الأربعة، تنبأت المجلة أن الولايات المتحدة لن تكون فى وضع يسمح لها بإعادة تشكيل النظام العالمي كما يحلو لها بعد هزيمة روسيا المرتقبة فى أوكرانيا، مشيرة إلى فشل الولايات المتحدة فى تحقيق ذلك حتى فى ذروة فترات النظام العالمي أحادي القطب.

كما أشارت المجلة إلى الأوضاع الحالية التي قد تعرقل تحقيق مثل هذه الغاية، فى ظل استمرار تنامي نفوذ المارد الصيني، وهشاشة الاقتصاد الأوروبى، وتناقض مواقف العديد من الدول النامية تجاه الولايات المتحدة.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2