«التبرع بالأعضاء = حياة جديدة».. الحوار المجتمعي.. هو الحل

«التبرع بالأعضاء = حياة جديدة».. الحوار المجتمعي.. هو الحلالتبرع بالأعضاء

حوارات وتحقيقات18-10-2022 | 17:07

التبرع ب الأعضاء البشرية بعد الوفاة من القضايا الجدلية، التي تثار بين الحين والآخر، فهو نقاش قديم متجدد، ومؤخرا ألقى الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار الرئيس للشئون الصحية بحجر فى المياه الراكدة بمقترح دراسة إضافة اختيار التبرع بالأعضاء فى بطاقة الرقم القومي على غرار ما هو معمول به فى كثير من بلاد العالم، فضلاً عن توجه من يؤيدون الفكرة إلى جهات التوثيق الرسمية لتسجيل رغبتهم فى إتمام الأمر بعد الوفاة، فى الوقت الذي يخطو مجلس النواب خطواته الأخيرة نحو التعديلات على القانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية.

القضية أخذت اهتماما أكبر مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء فى مصر والشرق الاوسط وإفريقيا، داخل المدينة الطبية الجديدة بمعهد ناصر بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية بهدف إنشاء منظومة متكاملة، تشمل قاعدة بيانات مميكنة لعمليات الزرع و المرضى والمتبرعين، الأمر الذي سيحقق نقلة نوعية لعمليات زرع الأعضاء البشرية. ورغم إقرار الدولة قانوناً عام 2010، الذى يسمح بنقل وزراعة الأعضاء من خلال التبرع، وتأكيد كثير من الأطباء أهميته فى إنقاذ حياة كثيرين، إلا أن القانون ظل معطلا بفعل فاعل وعلى مدار عقود مضت رافق طرح القضية خلافا بين المؤسسات الرسمية، التي أباحت التبرع أو النقل بضوابط، وبعض علماء الدين الذين رفضوه واعتبروه مخالفة وتعدياً على خلق الله، وبين هذا وذاك، شهد المزاج الشعبي صعوداً وهبوطاً حول تقبل الفكرة، وبقيت فى النهاية حالات التبرع محدودة للغاية، لا سيما مع عدم تقبل كثيرين السماح بنقل أعضاء ذويهم المتوفين، رغم إجازة مشيخة الأزهر الشريف ودار الإفتاء لذلك، فضلا عن الفكر المجتمعي المقاوم للفكرة كإحدى الموروثات التى تعطل التنفيذ، فضلا عن التخوف من قطاعات أخرى من المجتمع من تقنين التبرع بفتح باب البيزنس الكبير فى تجارة الأعضاء البشرية، بخلاف غياب الوعى لدى المسئولين عن صناعة الوعي بشرح وتوعية الناس بخطورة القضية.

التبرع بالأعضاء قضية شائكة تحتاج إلى حالة من النقاش المجتمعي ومواجهة الأفكار السلبية بالحجج والدلائل العقلية، والبراهين والفتاوى الدينية، جنبا إلى جنب مع القوانين والتشريعات، التي تضرب بيد من حديد على من يتاجر بالأعضاء وتضع حدا فاصلا بين جريمة الاتجار بالأعضاء ، والتبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة الآخرين، فى السطور التالية نناقش الأفكار ونواجه الرأي بالرأي حول هذه القضية الاجتماعية المهمة.

فى زمن سابق نظر بعض رجال الدين إلى قضية التبرع بالدم بنظرة ارتياب وخوف من المجهول العلمي، الذي طرأ على ساحة النقاش المجتمعي ولأن الإنسان عدو ما يجهل، واجهوا الأمر بالرفض أو التحريم أو الإباحة على استحياء شديد أما اليوم فينادي رجال الدين بضرورة التبرع بالدم وحث المواطنين على أداء هذا الدور الإنساني بشكل دوري لما له من آثار إيجابية تعود بالنفع على ملايين المرضى والمصابين، وهكذا انتصرت «فكرة» التبرع بالدم بدافع النفعية الإنسانية على أفكار التخوف والتحريم، ونفس الأمر يتكرر اليوم مع فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة لكي يستفيد منها مرضى وعجائز ومصابون يتمنون بصيصا من نور الأمل بالشفاء لمواصلة حياتهم والانتصار على اليأس، فهل ستنتصر فكرة التبرع بالأعضاء بدافع الواقعية والفائدة أم تهزمها أفكار التخوف والتحريم؟

فى البداية، قال د.طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: هناك خلط كبير بين تجارة الأعضاء والتبرع بالأعضاء، وهذا الخلط قد يعوق تطبيق فكرة التبرع بالأعضاء، وهنا يجب علينا أولا فك هذا الخلط بين تجارة الأعضاء وهو أمر يجرمه القانون، وبين التبرع بالأعضاء لصالح مرضى ومصابين يحتاجون هذه الأعضاء لإنقاذ حياتهم.

ويضيف: التبرع بالأعضاء يرتبط بزاويتين مهمتين، الأولى دينية والثانية تشريعية، أما فيما يتعلق بالناحية الدينية فقد كانت هناك آراء مختلفة فى هذا الأمر ومن ضمنها أقوال الشيخ الشعراوى رحمة الله عليه، والفكرة هنا هى أن نسأل أنفسنا هل هناك رفض مجتمعى أم لا لمسألة التبرع بالأعضاء، خاصة أنها ترتبط بالأذهان بقضية تجارة الأعضاء وهناك مسلسلات وأفلام عبرت عن هذه القضية بشكل مخيف، وأشهرها فيلم «الحقونا» للفنان الراحل نور الشريف، كما أن مؤخرا تم القبض على عدد من الأطباء تورطوا فى عدد من القضايا الخاصة بتجارة الأعضاء فى مستشفيات راقية وفى شهر رمضان الماضي تم عرض مسلسل بطله طبيب يتاجر فى أعضاء المرضى، وهذا أمر قد يثير الخوف والتخوف عند المتابعين ويحدث عندهم الخلط بين الموضوعين أكثر فأكثر.

والرأى الثانى يرجع إلى النفعية فى الموضوع، حيث إنه لابد من وجود قناعة لدى الرأى العام بهذه الفكرة تكن نابعة من فتاوى دينية واضحة ومباشرة ومقنعة، فالقضية ليست فى حرية المواطن فى التبرع بأعضائه بل الأمر يحتاج إلى تقنين من ناحية وتقبل مجتمعى من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تشريعات رادعة لعدم الاتجار بهذا الموضوع واستغلاله بشكل سلبى، وهناك أفراد تتبرع أو تبيع بعض إعضائها مثل الكلى وغيرها من الأعضاء وهى على قيد الحياة، إذا هذا الأمر يحتاج إلى توافقات اجتماعية والنظر إلى تجارب الدول الأخرى فى هذا المجال وبالتالى عمل تشريع يتماشى مع الطرح المصرى، وضرورة أن يشارك فى هذا التشريع قطاعات متعددة ولا يقتصر على قطاع الأطباء فقط بل ضرورة أن يشمل رجال الدين والفقة أيضاً بالإضافة إلى بعض من الشخصيات العامة للوصول لتشريع متكامل ورادع.

حوار مجتمعي

وقالت د. سامية خضر، أستاذة علم تفسر سبب الرفض المجتمعى لفكرة التبرع بالأعضاء لأنه غير مفهوم لدى البعض والاعتقاد بأنه «مخلد» طول العمر، ولكن الحقيقة المؤكدة أن «الأعضاء تفنى والروح تبقى» ، وأعتقد أن هناك أحد الشيوخ كان رافضا تماما لهذه الفكرة وحينما تعب فى عينيه طلب من بنك التبرع فى إحدى الدول الأجنبية التبرع بعضو ما وحينما فعل ذلك اكتشف أن التبرع شىء إيجابي واقتنع به بعد أن كان رافضا للفكرة فقد كان فى السابق حينما يتم رفض فكرة ما وتشاهد مسلسل أو برنامج مثلا يتناول هذه الفكرة ففى كثير من الأحيان تغير وجهة نظرك حول هذه الفكرة وتنظر لها بشكل مختلف تماما عن السابق.

وأعتقد إذا تم نشر الفكرة بطريقة هادئة وبسيطة للناس مع الأخذ فى الاعتبار الناحية الدينية والقانونية أيضا سوف يتم الترحيب بها فى المجتمع وذلك من خلال البرامج التنويرية المختلفة واستضافة المتخصصين فى هذا الشأن حتى يتمكنوا من الوصول لقلب وعقل وفكر الإنسان المصري دينيا ونفسيا واجتماعيا، كما نحتاج لنشر ثقافة العطاء فى المجتمع وإتاحة الفرصة للأعمال الفنية والدرامية للتأثير على المشاهدين بإيجابية نحو هذه الأفكار البناءة.

الحلقة الأضعف

وقالت الكاتبة والناقدة الفنية حنان شومان: بالفعل هناك خلط كبير بين فكرة التبرع بالأعضاء وهى أمر جيد ومقبول وبين جريمة الاتجار بالأعضاء وهو أمر يجرمه القانون ويرفضه الضمير ، والفن ليس هو الدواء السحري، الذي سيتناوله المجتمع ليشفى فجأة من أمراضه الاجتماعية المزمنة، والفن يأتي فى طليعة مسببات التغيير الإيجابي فى فكر المجتمعات المعاصرة، وهو يأتى فى نهاية الطابور وليس فى مقدمته؛ لأن المجتمع لن يقبل على اعتناق مثل هذه الأفكار إلا إذا بدأت من عند رجال الدين وأن يكون هناك رأي ديني قاطع بعدم تحريم هذه الأفكار لإزالة أى أثر للخلط أو اللبث أو الجهل عند البعض فى المجتمع، ونشر الفكر السليم والتنويري بين هذه القطاعات من المجتمع.

وتضيف شومان: الفن هو الحلقة الأضعف ولايمكن أن يقوم وحده بالسبق فى هذه المسائل لأنه سيتعرض لموجة عارمة من النقد، كما حدث فى مسلسل الفنانة منة شلبي، الذي ناقش فكرة التبني، وقد يقدم الفن قصة درامية لشخص تتعرض حياته للخطر ويتم إنقاذه مثلا بعد التبرع له بأعضاء شخص آخر، وسوف يؤثر على المشاهد وهو يعرض على الشاشة، لكن تأثير مثل هذه الأعمال وحدها سيزول أثره سريعا.

وتضيف: إذا الفن يحتاج إلى أن تمهد له الحكومة ورجال الدين الطريق الذي يمكن أن يسير عليه لمواجهة أفكار الرفض أو دعم الأفكار التنويرية، على أن يدعماه ويسانداه ويسيرا معه جنبا إلى جنب على ذات الطريق؛ لأنه لو سار وحده على هذه الأرض الوعرة سيقابل بالرفض والتنكيل به، وربما قوبل بالتجريم.

أما عن مواصفات العمل الفني الجيد الذي يستطيع التأثير على المجتمع بالإيجاب لطرح مثل هذه الأفكار التنويرية ، فإن أي عمل فني مصنوع بشكل جيد بعيدا عن الجانب الدعائي سيكون له تأثير طيب وكبير فى إحداث التحول التدريجي الإيجابي فى أفكار المجتمع وزحزحة الأفكار الظلامية.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2