بشير عبد الفتاح يكتب: مصير الاتفاق النووى بعد تمديد العقوبات الأمريكية على إيران

بشير عبد الفتاح يكتب: مصير الاتفاق النووى بعد تمديد العقوبات الأمريكية على إيرانبشير عبد الفتاح يكتب: مصير الاتفاق النووى بعد تمديد العقوبات الأمريكية على إيران

*سلايد رئيسى16-3-2017 | 00:23

رغم مخاضه العسير محاصرا بتحفظات وتهديدات بتقويضه من قبل البرلمان الإيرانى والكونجرس الأمريكى، ما لبثت المخاوف أن تفاقمت بشأن مصير الاتفاق النووى، الذى أبرمته إيران مع السداسية الدولية منتصف شهر يوليو 2015، وألغيت بموجبه العقوبات الدولية المفروضة على إيران إثر تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية امتثال طهران لبنوده، بعدما وافق مجلس الشيوخ الأمريكى بالإجماع قبل أيام على تمديد قانون "داماتو"، الذي يفرض عقوبات علی شركات تعمل في مشاريع نفطية إيرانية بعقود تتجاوز 20 مليون دولار، لمدة عشر سنوات، محيلا إياه إلى الرئيس الأمريكى لنيل موافقته عليه قبل إقراره، وهى موافقة مؤكدة، حيث سيعمد أوباما لتلافى الحرج السياسي بتجاوز الكونجرس له للمرة الثانية على التوالى على غرار ما جرى فى قانون "جاستا" الخاص بالسعودية، مكتفيا باشتراط ألا يؤثر إقرار تمديد القانون على الاتفاق النووى. ولطالما تبارى الكونجرس الأمريكى والبرلمان الإيرانى فى إبداء تحفظاتهما وارتيابهما حيال هذا الاتفاق منذ توقيعه، إلى حد المطالبة بالتراجع عنه أو على الأقل إعادة صياغته. وعلى خلاف البرلمان الإيرانى، يحظى الكونجرس بصلاحيات واسعة فى إدارة هذا الملف، حيث صادق مجلس النواب على مشروع قانون يمنع تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، كما يمنح الكونجرس سلطة أكبر للإشراف على الاتفاق النووي، فضلا عن منع رفع العقوبات عن الأشخاص والشركات والكيانات المتورطين في دعم برامج إيران للصواريخ الباليستية. ولما كان نوابه لا يثقون فى إيران ويصرون على استبقاء الخيار التصعيدى إزاءها، فقد أعدوا بمجرد فوزهم في الانتخابات النصفية وسيطرتهم على مجلسي الكونجرس قبل عامين مضيا، روزمة عقوبات جديدة كادوا يقرونها لولا تدخل الرئيس أوباما وإقناعهم بتأجيلها كي لا تجهض مساعى التوصل للاتفاق النووى مع إيران. وبدوره، هرع الناطق باسم البيت الأبيض، فور الإعلان عن بدء تطبيق الاتفاق النووى ورفع العقوبات عن إيران، إلى  التأكيد على أن خطوة من هذا النوع لن تحول دون فرض عقوبات جديدة علي طهران حالة انتهاكها لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أو تطويرها لبرنامج الصواريخ الباليستية. فبموجب الاتفاق النووى، ستتعرض إيران، إذا ما أخلّت بالصفقة، لإعادة فرض عقوبات ما يسمى"شرط الانقضاء" حتى بعد أن يدخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ، كما سيبقى رفع العقوبات عن إيران تدريجىا ومرتهنا بالتزامها تنفيذ بنوده، فيما سيتم الإبقاء على عقوبات أخرى سابقة تتصل بالبرنامج الصاروخى، دعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، لاسيما بعد أن أكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2014، استمرار ضلوع مؤسسات وشخصيات إيرانية فى رعاية الإرهاب. وبناء عليه، عاودت واشنطن مؤخرا سياسة فرض العقوبات على إيران بجريرة مواصلتها جهود تطوير برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية، وبعدما بسط الجمهوريون هيمنتهم المطلقة على الكونجرس بمجلسيه وكذا رئاسة البلاد عقب الانتخابات التى أجريت الشهر الماضى، عمدوا إلى التلويح مجددا بورقة العقوبات حيال إيران بغية  لجم جنوحها لدعم الإرهاب الدولي، وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وخلال حملته الانتخابية الرئاسية، أعلن ترامب أنه سيتبنى سياسات متشددة إزاء إيران وسيلغي الاتفاق النووي معها ويعيد التفاوض على أسس جديدة. وقد حمل اختيار الرئيس المنتخب للجنرال المتقاعد جيمس ماتيس لتولي لوزارة الدفاع الأمريكية في طياته رسالة سلبية بليغة لإيران، بسبب مواقف ماتيس المعارضة للاتفاق النووي، واعتباره أن خطر إيران الإرهابي يفوق بمراحل خطر تنظيمى القاعدة و"داعش"، هذا بينما يشاع أن خلافات وزير الدفاع الجديد الملقب بـ"الكلب المجنون" مع إدارة أوباما بشأن التشدد حيال إيران، كانت وراء استقالته من منصبه في القيادة الوسطى للقوات الأمريكية عام 2013. من منظور آخر، ينطوى الخوف من إلغاء الاتفاق النووى على مبالغات غير مبررة فمن وجهة نظر قانونية، يتخطى الاتفاق الطابع الثنائى بين طهران وواشنطن، ليكتسى سمتا دوليا بين إيران والسداسية الدولية، وقد رفعت العقوبات الاقتصادية عن إيران بموجبه مقابل إخضاع برنامجها النووي للرقابة الدولية والتزامها بعدم السعي للحصول على أسلحة نووية خلال السنوات العشر المقبلة، وبينما يستند الاتفاق على قرارات أممية سابقة ذات صلة، سيتعين على واشنطن،إذا ما أرادت التنصل المنفرد منه، أن تسلك مسلكا قانونيا وسياسيا معقدا للغاية، هذا ناهيك عن ما سوف يخلفه ذلك التنصل، إذا ما تم بالفعل، من تداعيات سلبية على صورة واشنطن وصدقيتها أمام العالم. ولعلنا لا نبالغ إذا ما زعمنا بأن إيران تتمتع بمساحة، لا بأس بها، من المناورة فى التعاطى مع الغرب بشأن أنشطتها النووية بعد توقيع الاتفاق النووى، انطلاقا من معطيين:أولهما،البنود السرية التى تضمنها الاتفاق، والتى أعلنت تقارير استخباراتية غربية أنها حظيت بموافقة اللجنة المشتركة التي تشكلت بموجب الاتفاق للإشراف على تنفيذه، وتتألف من السداسية الدولية المتمثلة فى الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا إلى جانب إيران، وأنها تمنح إيران امتيازات عديدة مهمة تخص مواصلة أنشطتها النووية فى الخفاء رغم الاتفاق،لعل أهمها ما يسمح لها بتجاوز ما نص عليه الاتفاق بشأن كمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي يمكن لطهران الاحتفاظ بها في منشآتها النووية، وتنقيتها وتحويلها إلى يورانيوم عالى التخصيب يستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. أما ثانيهما، فيتجلى فى الفهم المتضارب لنصوص الاتفاق، والناجم عن تعدد تفسيراتها وتنوع تأويلاتها، الأمر الذى يتيح مساحات شاسعة من المناورة أمام طهران. فبينما ترى الأخيرة أن الاتفاق النووى يجب ما قبله من عقوبات وخصومات بين إيران الغرب، ما يعنى أنه قد طوى كلية ونهائيا صفحة اللجوء لسياسة العقوبات ضد طهران بعد انقضاء العقوبات الخاصة بالبرنامج النووى، إذ تلزم المادة 28 من الاتفاق النووى الغرب بعدم فرض أى نوع من العقوبات الجديدة على إيران حتى العام 2023، تذهب واشنطن فى المقابل إلى عكس ذلك تماما ،حيث ترى أن الاتفاق النووى لا يمنعها من فرض أية عقوبات جديدة على إيران حالة ارتكابها أية خروقات ،إن فيما يخص أنشطتها النووية، أو ما يتصل برعاية الإرهاب، أوانتهاك قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو تطوير البرنامج الصاروخى الإيرانى. وبناء عليه، يحق للأمريكيين إقرار تمديد القانون،على اعتبار أن أية عقوبات جديدة ستتأتى بموجبه، إنما تعد منبة الصلة بالاتفاق النووى، حيث تتأسس على ما يعرف بـ"قانون داماتو"، الذى أقره الكونجرس لأول مرة عام 1996 لمدة عشر سنوات، يجدد بعدها لمدد أخرى مشابهة بعد إقرار الكونجرس وموافقة الرئيس. ما يعنى أنه سابق بعقدين من الزمن لتوقيع الاتفاق النووى فى العام 2015. وتشكل المكاسب الاقتصادية التى من المنتظر أن تجنيها طهران من وراء الاتفاق النووى ورقة مهمة لكبح جماح نوايا معارضى الاتفاق الإيرانيين للتراجع عنه، فبينما تتوق غالبية الشعب الإيرانى للتحرر من ربقة التأزم الاقتصادى الناجم عن العقوبات وحروب إيران الخارجية، وفيما أكد وزير المالية الإيراني علي طيب نيا، حاجة البلاد إلى تمويل خارجي بقيمة 90 مليار دولار سنوياً لتحقيق هدف النمو الاقتصادي بنسبة 8% ، أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، أن رفع العقوبات عن إيران سيتيح لها استعادة 150 مليار دولار كانت أصولا مجمدة بالخارج، كما سيشجع على تنفيذ خطط الاستثمار ويساعد على انتعاش إنتاج النفط، بما يفضى فى نهاية المطاف إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيراني لأعلى من 5% خلال العام المالي 2016/2017. كذلك، توقعت "موديز" أن يسفر رفع العقوبات المتعلقة بالنفط، عن تدفق الاستثمارات الخارجية فى المجال النفطى، ما من شأنه أن يساعد على إصلاح البنية التحتية النفطية المتهالكة في البلاد. غير أن"موديز"، رهنت الجدارة الائتمانية لإيران وقدرتها على جنى الثمار الاقتصادية للاتفاق النووى بمدى وفائها بالتزاماتها الواردة فيه. ومع حرص القيادة الإيرانية كما باقى دول السداسية الدولية على استبقاء الاتفاق النووى توخيا لتحصيل المغانم الاقتصادية المتوقعة من ورائه ،علاوة على منع إيران من إنتاج السلاح النووى،ستنصرف نوايا واشنطن جراء التصعيد الأخير إزاء طهران إلى كبح جماح الصلف الإيرانى الذى تنامى إقليميا ودوليا عقب توقيع ذلك الاتفاق،حتى غذى مخاوف حلفاء واشنطن فى منطقة الشرق الأوسط ،لاسيما وأن  طهران ترى أنه يمنحها ضوءً أخضرا لفعل ما تشاء بمحيطها الإقليمى،كما يشرعن طموحاتها الإمبراطورية فيما لا يعرقل مساعيها لتطوير قدراتها الصاروخية . ومن ثم، فإن إدارة ترامب لا تنتوى المساس بالاتفاق بقدر ما تتطلع إلى إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد ،فمن استرضاء خصوم إيران فى المنطقة، الذين هم حلفاء واشنطن فى ذات الوقت عبر لجم مخططات طهران لتوظيف الاتفاق على النحو الذى يخدم مشاريعها التوسعية، مرورا بتقليص وتيرة التقارب الاستراتيجى بين موسكو وطهران، وصولا إلى إعادة الجواد الإيرانى الجامح والمتمرد إلى الحظيرة الأمريكية. [caption id="attachment_12075" align="aligncenter" width="300"]بشير عبد الفتاح بشير عبد الفتاح[/caption]
أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2