كتبت: أمل إبراهيم
تغيَّر مظهر المرأة المصرية بشكل كبير على مر العصور، ولكل قطعة من ملابسها دلالة تعبر عن الفترة التي تعيشها، كما مثلت ملابسها وتغير مظهرها الدائم مراحل تطور الحركة النسائية وتفاعلها مع ما مرت به مصر من أحداث كانت المرأة المصرية شريكاً أساسياً فيها.
التبريزة
ربما تبدو الكلمة غريبة على الأسماع الآن، لكنها كانت منذ مايقرب من 100 سنة الزي المصري التقليدي للمرأة عند الخروج من منزلها.
وتتكون التبريزة من ثلاث قطع منفصلة تبدأ بـ«السبلة»، وهى قميص كبير طويل الأكمام ترتديه المرأة فوق ملابسها المنزلية ليخفيها تماماً ويصل إلى الأرض، ثم «الحبرة» وهى قطعة كبيرة من قماش «البفتا» تغطي بها المرأة رأسها وكتفيها ويديها، ثم أخيراً «اليشمك» وهو تركي الأصل ويتكون من قطعة مربعة من قماش الكتان الأبيض تخفي وجه المرأة ، كما كان هناك شكل آخر من غطاء الوجه هو «البرقع» الذي انتشر بين الطبقات الوسطي وكانت توضع فى بدايته أحياناً «قصبة»، وهى قطعة من الذهب أو الفضة تضاف للتزين.
لم يتعد سعر ملبس المرأة المصرية حينها عشرات القروش، وكانت تباع في جميع المتاجر الشعبية الشهيرة مثل الغورية وغيرها ، وكانت المرأة ترتدي البرقع المزركش بالترتر والخرز مع الملاية اللف التي كانت تضيَّق وتقصر حسب رغبة المرأة وكانت التطور الطبيعى للسبلة فى العصر المملوكي وكانت المرأة لابد أن تزين ساقيها بالخلخال والشبشب ذى الكعب وظلت هكذا حتى ثورة 1919م التي كانت أولى خطوات التغيير من جميع الجهات سواء للدولة أو حتى للمرأة أيضاًو حتى للمرأة داخلياً وخارجياً فيما يخص مظهرها 0
وظل البرقع هو أحد أبرز أيقونات زي المرأة القومى سواء بين بنات الطبقة العليا أو حتى بنات الطبقات الأقل ، مع اختلاف تطريزه وزركشته إلى أن قامت ثورة 1919 التى اعتبرتها المرأة المصرية بداية لتحررها وخلع البرقع عنها ذلك الذي اعتبرته مثالًا للقيد والقمع الاجتماعي على المرأة ومانعًا لحريتها، ولهذا تحديداً فى 1915 أُصْدِرَت مجلة " السفور " ، ودعت مقالات كتابها آنذاك إلى تحرير المرأة من خلال السفور و الخروج للحياة العامة و اهتمت بالتأكيد على أن "المرأة شريكة الرجل"، وهذا ما أزعج الإصلاح الدينى، وكانت هذه أولى البذور فى حقل تغيير المرأة ونظرتها لنفسها وحياتها.
وظهر أول تحدٍ حقيقى من قبل المرأة بعد الثورة، عندما وقعت الحادثة الأشهر فى هذا الصدد "خلع البرقع" بكل جرأة و قامت بها رائدة الحركة النسائية "هدى شعراوي" فكانت نموذجاً لكثير من السيدات و الفتيات اللواتى اتبعن نفس نهجها سواء انتمين للطبقة العليا أوالمتوسطة فى القاهرة، بينما ظلت بنات البلد والسواحل ترتدين الملاية اللف ، أما الفلاحات فقد تطور الملس الواسع فى الوجه البحرى إلى جلباب ضيق من عند الصدر وله فتحات من جانبى الصدر لسهولة إرضاع الفلاحة لوليدها وواسع بعض الشيء من الأسفل حتى تستطيع العمل والجلوس والنهوض بسهولة.
وبدأت النساء بعد الثورة فى ارتداء الفساتين الطويلة، خاصة فى الطبقات الوسطى والعليا، وكانت الفساتين تخفي مفاتن الجسد من الصدر والأذرع بالأكمام الطويلة أوالمتوسطة رغم افتتان الموضة العالمية وقتها بملابس السهرة المكشوفة
الفساتين القصيرة
ومن بعد التحفظ، انتقلت المرأة المصرية لمرحلة جديدة حيث بدأ زِيها في التطور مع ركاب التطور الذي اجتاح العالم بعد الحرب العالمية الثانية على يد مصممين عالميين منهم «كريستيان ديور»، حيث برز اتجاه فى تصميم الأزياء يعمد إلى إبراز وإحكام «خطوط الوسط» في الفساتين، وتقصير طولها وإبراز جمال المرأة، والاعتماد على حشو التنانير والفساتين بـ«الشبك» او «الجونلات» لتبقى طوال اليوم بمظهر حيوي يعتمد على الأقمشة المميزة من الساتان والدانتل.
كما استغنت السيدة المصرية عن أكمام الفساتين فى بعض الأحيان واعتمدت على رأي «الخياطة» التى تأتي بأحدث الموديلات على هيئة رسوم أو «باترونات» تقص على حسبها الأقمشة التى تتحول إلى فساتين بعد أسابيع .
البنطلون
ولما قامت ثورة 1952 و تحول الحكم إلى جمهورى بعد الملكية، و بدأت المرحلة التحررية الفعلية للمرأة ، صار صدى المناداة بتعليم المرأة وخروجها للعمل أوسع وأكثر تأثيراً و بالفعل خرجت المرأة المصرية لتمارس حقوقها فى التعليم و العمل فتغير ملبسها عما سبق فنجدها اتجهت إلى الملابس العملية أكثر وانفتحت على الموضة العالمية متأثرة بها فظهر فى منتصف الستينيات البنطلون النسائى، ولم يعد المظهر الساحر والرقة هي ما يشغل النساء التي حملت السلاح وتدربت علي القتال خلال العدوان الثلاثي، كما لم تعد الأناقة والتطريز هما هدف المرأة العاملة الوحيد، بعد أن اقتحمت مجال العمل فى الجهات الحكومية جنباً إلى جنب مع الرجل، ومن هنا ولد البنطلون النسائي، فكانت الفتيات ترتدين تلك الملابس القصيرة ويعلقن على أكتافهن حقائب يد أنيقة، كما ظهرت باروكات الشعر مع القليل من المستحضرات وخاصة الكحل واستمرت هكذا حتى أواخر السبعينيات.
ورغم أن ارتداء السيدة للبنطلون قوبل في البداية بالدهشة والاستنكار، إلا أنه سرعان ما فرض نفسه على المجتمع وعلى أذواق السيدات حتى أصبح موضة وقاسمًا مشتركًا في ملابس النساء فى النادي وعلى الشاطىء، وبالطبع على جبهات القتال ، كما ازداد انتشار الملابس العملية مثل التايير أو "الانسامبل"، والذي يتكون من سترة وتنورة ضيقة نوعاً ما، وتتيح الحركة والجلوس، وارتدت معه النساء البلوزات الحرير وغيرها.
المينى جيب
بحلول السبعينيات كان العالم قد بدأ ثورة على كل القيم المجتمعية الموروثة فى محاولة لبناء عالم جديد، ونالت مصر نصيبها من هذه الثورة مع انفتاح المجتمع المصري وقتها على الثقافات والمجتمعات الأخرى، فظهرت بنطلونات الـ«شارلستون» أو كما أطلق عليها وقتها «رجل الفيل»، ولاقت رواجاً كبيراً بين شباب الجيل وشاباته.
وواكب «الشارلستون» ظهور التنانير شديدة القصر «الميني جيب» والأكثر قصراً «الميكرو جيب» أحياناً، وانتشارها بدرجة كبيرة، كما قصرت أطوال الفساتين واستغنت السيدات عن الأكمام نهائياً، وارتدت أحيانا السترات القصيرة فوق الملابس.
الحجاب والجينز
مع بداية الثمانينات ظهر تيار محافظ انعكس على أزياء النساء التي تغيرت معه أزياء النساء بشكل كبير، إذ انتشر الحجاب الذي تعددت أشكاله، وأبرزها «الطرحة» وظهر بالتوازي مع ذلك معارض ومحلات تجارية متخصصة في ملابس المحجبات فقط ، كما ظهرت أشكال أخرى من الملابس المحافظة ، مثل التنورات الطويلة و«البلوزات» الحريرية ذات سنادات الأكتاف.
ولم يكن هذا الاتجاه هو السمة الوحيدة لأزياء النساء في فترة الثمانينيات والتسعينيات، إذ انتشرت بالتوازي معه موضة أخرى عند غير المحجبات، أهمها الـ«تي شيرت»، والأحذية ذات الرقبة القصيرة «هاف بوت»، وسراويل الجينز.
الفيزون
مع التطور التكنولوجي السريع لم تعد الموضه حبيسة «باترون الخياطة» أو فاترينات «عمر أفندي»، فمن خلال التسوق الإلكتروني عبر الإنترنت تستطيع نساء اليوم شراء أى قطعة ملابس من أى دولة فى العالم، فأصبح زي المرأة داخل مصر لا يختلف كثيراً عن أزياء مثيلاتها في أوروبا وأمريكا.
وأصبح الجينز «السكيني» قطعة أساسية فى خزانة أى فتاة إلى جانب السترات المقصوصة أو الـ«كروبد سويترز»، وكذلك بنطلونات «الليجينز» و الـ«الفيزون» بألوانها الزاهية، إلى جانب الجاكيت القصير «بليزر».