أثار
المتحف الوطنى بالعاصمة البولندية وارسو منذ فترة قضية وجود
مومياء حامل بالمتحف كنوع من الدعاية وقد تصدى لذلك العلماء المصريين للوقوف على الحقائق العلمية ونشرها بالدوريات العلمية لدحض ما زعمه المتحف وقامت الدكتورة هبة ماهر محمود أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية الآداب جامعة المنصورة برصد أحدث دراسات علمية فى هذا الشأن
وتشير الدكتورة هبة ماهر إلى أن القصة بدأت ما بين شهرى إبريل ومايو 2021 حين خضعت تلك المومياء للعديد من الدراسات فيما أعلنت نتيجة أحدث تلك الدراسات على يد مجموعة من العلماء البولنديين بمجلة العلوم الأثرية ونشرت بموقع Ancient-Origins" " تفيد بأنه تم إجراء عمليات مسح بالأشعة السينية والمقطعية لجسد المومياء مما أسفر عن حدث فريد من نوعه وهو أن المومياء التى فارقت الحياة قبل ألفين عام لازال برحمها جنين بعمر يتراوح من 26 إلى 30 أسبوعًا، بينما تراوح عمر الأم وقت الوفاة مابين 20 و30 عامًا وأعلن المتحف أنها أول مومياء مصرية محنطة فى التاريخ، ومنذ ذلك الوقت ويعكف العلماء المصريون على دراسة حالة هذه المومياء للوقوف على الحقائق الكاملة التى تم التوصل إليها مؤخرًا
وفى هذا الصدد يلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية الضوء على هذه الدراسات من خلال ما رصدته الدكتورة هبة ماهر من قيام فريق بحثى آخر من العلماء المصريين فى عام 2022 ومنهم الدكتورة سحر سليم أستاذ علم الأشعة بجامعة القاهرة وخبيرة المومياوات بدراسة المومياء ونشرت ورقتها العلمية بنفس الدورية بعد إجازتها من قبل ثلاثة من المحكمين المختصين، مع إتاحة الفرصة للفريق البولندى بالرد وهو ما تم بالفعل ونشر فى العدد ذاته.
وبدأت المناظرة العلمية بين الفريق البولندى والفريق المصرى حيث نفت الدكتورة سحر سليم تمامًا وجود الجنين مع طرق التحنيط المصرية وهو ما أقره الطرف البولندى بوجود جنين برحم السيدة رغم التحنيط مما أدى إلى تحول عظام الجنين الى كتلة مسمطة بلا عظام؛ حيث أكدت الدكتورة سحر سليم أن ذلك لا يتماشى مع مراحل التحلل الطبيعية والتحنيط لدى أجدادنا المصريين، وبالتالى فلا يمكن اعتبار تلك الكتلة جنينًا فهي لاتحمل أي صفة تكوينية ولا تشريحية لجنين ولا تحوي على عظام بل هي أقرب إلى حشوات اعتاد المحنطون المصريون وضعها داخل مومياوات كثيرة سبق فحصها لأسباب مرتبطة بعملية التحنيط ذاتها.
وأوضحت أن فرضية الفريق البولندى بأن شكل الحشوات الكروى يشبه رأس الجنين غير صحيحة لأن عظام جمجمة الجنين فى علم الأجنة تكون غير ملتحمة وعليه فلابد أن تنهار الجمجمة ولا تحتفظ بالشكل الكروى بأي حال من الأحوال كما لا يوجد أى عظام بداخل تلك الكتلة والذى يدعّى الجانب البولندى أنها انكمشت وتلاشت لأن الهياكل العظمية للأجنة لا تحفظ لضعف الكالسيوم فى مراحل فترة الحمل والرد على ذلك أن عظام الأجنة لا تتلاشى وأن علماء الآثار وجدوا العديد من هياكل عظمية لأجنة في جبانات مصرية قديمة مثل مقبرة كليس الثانية فى الواحات الداخلة و أصغرها لجنين عمره 20 أسبوعًا
ويتابع الدكتور ريحان بأن الجانب البولندى زعم أن الأحماض الناتجة عن تحلل الرحم تسببت في تآكل عظام الجنين ومثّلوا ذلك بتجربة غمس البيضة في الخل مما يؤدى إلى ذوبان القشرة الكلسية وانتقال الأملاح إلى السائل المحيط بها، وقد نفت ذلك الطبيبة المصرية الدكتورة عبلة عطية أستاذة ورئيسة قسم الطب الشرعي بكلية الطب بجامعة القاهرة بأن درجة الحموضة الناتجة من التحلل بعد الوفاة ليست بالقوة الكافية التي تمكّنها من إذابة عظام الجنين بالكامل كما أن املاح التحنيط لا تكفي لوقف انتشار التحلل و انتقاله من الرحم المتحلل إلى الأنسجة المحيطة مما يؤدي إلى حتمية فساد الجسد، وعن تجرية غمس البيضة في الخل توضح أن هذه الظروف لا تنطبق على تحلل الجسم البشري فالأحماض الناتجة عن تحلل الجسم البشري ضعيفة الحمضية ولا يمكن مقارنتها بالخل ذي الحمضية العالية
ويعود الجانب البولندى ليعلن أن تلاشي عظام الجنين أشبه بمومياوات المستنقعات، لترد على ذلك الدكتورة سحر سليم بأن مومياوات المستنقعات هى أجساد وجدت محفوظة بعد إلقائها فى مستنقعات حمضية في بلاد باردة مثل أوروبا فتسببت الأحماض القوية في مياه المستنقع من إزالة الكلس من عظام الأجساد حيث انتقلت الأملاح بواسطة المستنقع ولكن بقت هياكل العظام الهشة موجودة كظلال ولم تتلاشى تمامًا كما أن ظروف تلك المومياء مختلفة عن مومياوات المستنقعات لأن أحماض المستنقعات فى أوروبا أحماض قوية عكس أحماض تحلل الجثة فهى ضعيفة ولا تسبب إزالة الكلس أو العظام، كما أن المستنقعات المشار إليها باردة والبرودة شرطًا أساسيًا فى حفظ مومياوات المستنقعات فلذلك الظروف مختلفة تمامًا فلا برودة فى هذه المومياء ولا يوجد مقارنة.
وفى النهاية فقد حسمت المناظرة لصالح الطبيبات المصريات حيث أعلنت دراسة لفريق بحثي مكون من مديرة ومؤسسة مشروع مومياء وارسو " كامبلا براولينسكا "مع آخرين في 29 يوليو 2022 بمجلة علوم الآثار والأنثروبولوجية وجود خطأ سابق فى الاعتقاد بوجود جنين داخل أحشاء المومياء وإنما هي بعض اللفافات الكتانية بحوض المومياء وتضمين الدراسة من خلال صور الأشعة المقطعية مما يؤكد ماهية محتويات الحوض بدقة بأنها ليست جنينًا ولا تحمل خصائص الأجنة، وذلك من خلال دراسات مقارنة مع الأجنة المصرية القديمة معتمدًا على فحص الدكتورة سحر سليم للأجنة المحنطة لابنتي توت عنخ آمون، ليتضح أن الجنين ماهو إلا أربع لفائف وضعها المحنطون وهذه ممارسة معروفة فى التحنيط بمصر القديمة للحفاظ على شكل الجسم بعد تفريغه من الأحشاء فى عملية التحنيط كما أن مثل تلك الحشوات توضع بأجزاء أخرى من الجسم للغرض ذاته.