أعلنت منظمة الصحة العالمية انتشار الإصابات ب الكوليرا في جميع المحافظات ب لبنان لتكون هي الأولى في البلاد منذ ثلاثة عقود تقريبا، ومنذ تأكيد إصابة الحالة الأولى في الأول من أكتوبر 2022، سُجلت أكثر من 1400 حالة مشتبه فيها في مختلف أنحاء البلاد، ومنها 381 حالة مؤكدة و17 حالة وفاة.
وكانت الإصابات في البداية محصورة في الأقضية الشمالية، إلا أنها سرعان ما انتشرت، وسُجلت حالات مؤكدة في المحافظات الثمانية جميعها و18 قضاء من أصل 26 قضاء. وتم تحديد سلالة الضَّمَّة الكُوليريَّة المنتشرة حاليًا واتضح أنها من النمط المصلي O1 El-Tor Ogawa، وهو مشابه للنمط المنتشر في سوريا.
وصرح الدكتور عبد الناصر أبو بكر ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان قائلاً " الكوليرا مرض فتاك، ولكن يمكن الوقاية منه من خلال اللقاحات وتوفير المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي. وفي حالة الإصابة به، يمكن علاجه بسهولة بتعويض السوائل عن طريق الفم أو المضادات الحيوية للحالات الأكثر شدة. ولكن الوضع في لبنان هش، فالبلد يكافح لمواجهة أزمات أخرى، وهذه الأزمات يتضاعف أثرها بسبب التدهور السياسي والاقتصادي المستمر منذ مدة طويلة".
وتتعاون المنظمة مع وزارة الصحة العامة والشركاء الآخرين في مجال الصحة للتغلب على الكوليرا التي تتطور يومًا بعد يوم. وقد قدمت المنظمة وشركاؤها في مجال العمل الإنساني الدعم إلى وزارة الصحة العامة لإعداد خطة وطنية للتأهُّب للكوليرا والاستجابة لها تحدد الخطوط العريضة لتدخلات المواجهة المطلوبة الأكثر إلحاحًا، مع التوسع في الترصُّد والتقصي النشط للحالات في المناطق التي ترتفع بها معدلات الإصابة.
ونظرًا للنقص في عدد العاملين الصحيين والإمدادات الطبية في البلاد، قدمت المنظمة الكواشف المختبرية ومجموعات العلاج واختبارات التشخيص السريعة إلى المختبرين المرجعيين وثلاثة سجون و12 مستشفى مخصص لعلاج الكوليرا، كما أرسلت فريقًا من التمريض والأطباء لتلبية الاحتياجات المفاجئة في المستشفيات في المناطق الأكثر تضررًا. ويجري أيضًا الانتهاء من ترتيبات شراء إمدادات إضافية لمواجهة الكوليرا وتجهيزها مقدمًا.
وتعمل المنظمة على ضمان تطبيق ممارسات سليمة للتدبير العلاجي السريري والوقاية من العدوى ومكافحتها، وبروتوكولات اختبار الكوليرا لإحالة الحالات وتوجيهها إلى المستوى المطلوب من الرعاية. وقد دعمت المنظمة، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، سلسلة من جلسات التدريبية على المستوى المركزي ومستوى الوحدات لتحسين أساليب الكشف المبكر عن الحالات المشتبه في إصابتها والإبلاغ عنها، وممارسات التدبير العلاجي السريري، وزيادة الوعي بين الجمهور والعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية بشأن الوقاية من الكوليرا ومكافحتها.
وعلى الرغم من النقص العالمي في لقاحات الكوليرا، تدعم منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة العامة لتوفير 600 ألف جرعة من لقاحات الكوليرا تُعطى الأولوية في الحصول عليها لأكثر الفئات عرضة للخطر، ومنهم العاملون في الخطوط الأمامية والسجناء واللاجئون والمجتمعات المستضيفة لهم. كما تُبذل جهود إضافية لضمان استمرار الإمدادات من الجرعات نظرًا للانتشار السريع للفاشية.
ومما يزيد من تعرض اللبنانيين للخطر الظروف الاقتصادية التي تلقي بظلالها منذ مدة طويلة وقلة توفر المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي السليمة في جميع أنحاء البلد. كما اجتمعت عوامل أخرى، هي هجرة العاملين في مجال الرعاية الصحية وانقطاع سلاسل الإمداد وعدم القدرة على تحمل تكاليف حلول الطاقة البديلة، لتضعف قدرة المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأولية على مواجهة الأزمة إضعافًا شديدًا وذلك في وقت أصبحت فيه مهددة الآن بتصاعد الفاشية وتزايد عبء الحالات.
ويؤكد الدكتور عبد الناصر أبو بكر إنه "ما تزال هناك فرصة للحد من انتشار الفاشية وتأثيرها من خلال تكثيف تدخلات التصدي لها، ومن ذلك تحسين جودة المياه وخدمات الصرف الصحي. كما نحتاج أيضًا إلى زيادة الوعي بسبل الوقاية من الكوليرا حتى نخفف الضغط على المستشفيات. وأفضل طريقة للوقاية من فاشية الكوليرا هي ضمان توفر المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي المناسبة للمواطنين والتزامهم بعادات النظافة الشخصية السليمة. وعلى الأمد البعيد، نحتاج إلى التوسع في إتاحة اللقاحات على الصعيد العالمي ضمن استراتيجية شاملة للوقاية من فاشيات الكوليرا في جميع أنحاء العالم ووقفها".