بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على رحيله، يظل المخرج حسن الإمام متصدرًا قائمة أصحاب أكثر الأفلام مشاهدة على قناة «يوتيوب»، بما فى ذلك الاستعراضات والأغنيات الجميلة التى قدمها فى أفلامه، وخاصة أغانى السندريلا سعاد حسنى فى فيلمى «خلى بالك من زوزو» و«أميرة حبى أنا».
وما تزال بعض جمل الحوار و"الإفيهات" التى جرت على لسان بطلاته وأبطاله، مضرباً للأمثال وجزءاً من لغة الشارع المصرى، بل وأصبحت بعض تلك الشخصيات رموزاً لأنماط سلوكية من النساء والرجال، وخاصة شخصية «الست أمينة» التى أدتها ببراعة الفنانة جمالات زايد والدة الفنانة معالى زايد، وترمز للمرأة المقهورة المسكينة المستسلمة لجبروت وهيمنة الرجل الشرقى مزدوج الشخصية، والتى مثلها بعبقرية الفنان الراحل يحيى شاهين.
ورغم الهجوم الشديد الذى كان يواجهه المخرج الراحل حسن الإمام طوال تاريخه، واتهامه بتشويه الأعمال الأدبية التى تناولها فى أفلامه، وخاصة الثلاثية الشهيرة لأديب نوبل نجيب محفوظ، والتى تناولها فى ثلاثة من أهم أفلامه، وهى «بين القصرين»، الذى تم اختياره ضمن أهم مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، و«السكرية» و«قصر الشوق»، وقال بعض النقاد إن الإمام حولها من عمل أدبى بديع يستعرض التحولات الاجتماعية والسياسية فى مصر خلال أكثر من نصف قرن، إلى أفلام تجارية زاخرة بالرقصات والأغنيات الخليعة والإيحاءات الجنسية، إلا أن الواقع والتاريخ يثبتان عكس ذلك.
وأكبر دليل على الظلم الشديد الذى تعرض له حسن الإمام بسبب الثلاثية، أن المشاهد التى صورها فيها عن ثورة 1919 وشعارات «يحيا الهلال مع الصليب».. و«سعد سعد يحيا سعد».. و«الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، تحولت إلى وثيقة فيلمية لتلك الأحداث ويتم تداولها وعرضها باعتبارها مشاهد توثيقية وتسجيلية وليست درامية!
وهناك دليل آخر على براءة الإمام من دم ثلاثية محفوظ، وهو شهادة أدلى لى بها شخصياً الفنان الراحل يحيى شاهين فى حوار صحفى أجريته معه فى بداية مشوارى مع صاحبة الجلالة، وقال لى فيه إن أديب نوبل نجيب محفوظ هو الذى رشحه للمخرج حسن الإمام للقيام بدور السيد عبدالجواد فى الثلاثية، وأنه مدين له بهذا الاختيار لأن هذه الشخصية هى التى صنعت مجده الفنى وخلدت اسمه فى ذاكرة السينما.
ورواية شاهين، تعنى أن الأديب الكبير نجيب محفوظ، لم يكن لديه اعتراضات على الأفلام المأخوذة عن الثلاثية وأنه قرأ سيناريوهاتها، بدليل أنه شارك فى ترشيح واختيار بعض بطلاتها وأبطالها.
ويحسب للمخرج الراحل أيضًا عينه الثاقبة وفراسته الفنية وقدرته على توظيف النجوم فى شخصيات بعيدة تماماً عما تعود الجمهور عليه منهم، مثلما قدم العظيمة شادية فى دور «حميدة» فى فيلم «زقاق المدق»، وقدم نادية لطفى فى دور الجميلة الحالمة فى «الخطايا» ثم فى دور مغاير تمامًا وهو دور الراقصة اللعوب فى «قصر الشوق».. رحم الله مخرج الروائع.