اعتبرت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية أن القمة التي جمعت بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين، الأسبوع الماضي، تظهر تشكل سلام هش بين واشنطن وبكين.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أنه قبل أسابيع من هذا اللقاء، وصلت العلاقات الصينية الأمريكية إلى مرحلة من السوء لم تحدث منذ عام 1989.
وخلال الأسبوع الماضي، وتحديدا في 14 نوفمبر الجاري، أجرى بايدن وبينج محادثات امتدت لثلاث ساعات ونصف الساعة، على هامش قمة مجموعة العشرين .
وأشارت "ذا ديبلومات" إلى أنه على الرغم من أن المحادثات لم تسفر عن تحقيق اختراق جوهري وملموس للعلاقات بين الجانبين، إلا أن الاجتماع كان محوريا لأسباب أخرى: فقد كان أول محادثة شخصية أجريت بين شي وبايدن بصفتهما رئيسا دولتيهما، إذ كانت آخر مرة التقيا فيها شخصيا في دافوس في عام 2017، عندما كان بايدن نائبا للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
وأضافت الدورية الأمريكية أن القمة الأخيرة أسفرت عن ثلاثة نقاط رئيسية: الأولى هي الإشارة إلى أن الجانين حريصين على استعادة خطوط الاتصال والتعاون الانتقائي في مجالات محددة، بعد أن تم تجميد العديد من التبادلات عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس الماضي، إذ شدد الرئيس الأمريكي حينها على ضرروة "إبقاء خطوط اتصال مفتوحة" سواء بين رئيسي البلدين أو على المستوى الحكومي.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن الرئيس الصيني شدد على حاجة الصين والولايات المتحدة إلى "العمل مع جميع الدول لجلب المزيد من الأمل في السلام العالمي"، موضحة أن هذا يدلل على التزام شي بمفهومه حول نظام عالمي متعدد الأقطاب، لكنه يشير كذلك إلى أنه رأى التواصل والاتصال مع الولايات المتحدة كعنصر مفيد للحفاظ على السلام، كما أنه روج لشعار "التعاون المربح للجانبين" الذي طال أمده باعتباره الوسيلة المؤقتة المنشودة للعلاقة.
أما النقطة الرئيسية الثانية التي أسفر عنها اللقاء، وفق رؤية "ذا ديبلومات"، هي وجود "خطوط أساسية" لن تكون بكين أو واشنطن منفتحتين على الحديث بشأنها أو التراجع جزئيا عنها، فبالنسبة لبكين تشمل هذه الخطوط تايوان، وبالنسبة للولايات المتحدة، تشمل مصالحها الجيوستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ (بما في ذلك تايوان) والأمن القومي.
أما النقطة الثالثة والأخيرة التي كشف عنها اللقاء بين بايدن وشي، بحسب دورية "ذا ديبلومات"، هي "سلسلة من التنازلات وإشارات الانفتاح على التعاون في المجالات غير الأساسية التي لها أهمية تتجاوز محتوياتها الجوهرية"، موضحة أنه ولأول مرة ، دعا شي صراحة "الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (ناتو) والاتحاد الأوروبي" لإجراء حوار مباشر مع روسيا، على أمل وقف التصعيد.
بالإضافة إلى ذلك، أدلى شي ببيان واضح وصريح مفاده أن الصين ستعارض نشر أي شكل من أشكال الأسلحة النووية فوق أوكرانيا (بشكل رئيسي، من قبل روسيا) ، بينما أكد بايدن أن الولايات المتحدة تأمل في العمل مع الصين لمعالجة أزمة الغذاء العالمية، وأن واشنطن لم تنظر إلى العلاقات الصينية الأمريكية على أنها تمثل قواما لـ "حرب باردة جديدة".
وترى دورة "ذا ديبلومات" أن هذه المحادثات "أثبتت أنها حيوية في دعم الانفراج على الأقل في اللهجة، إن لم يكن في الجوهر، بين القوتين المتنافستين"، مضيفة "إن الدلائل على السلام غير المستقر الناشئ بين الصين والولايات المتحدة واضحة - هناك سلام، بقدر ما يتحفظ الطرفان على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة حول بؤر التوتر في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي (ترك بايدن مسألة شبه الجزيرة الكورية مفتوحة). ومع ذلك ، فإن هذا السلام هش، لأن هناك مجموعة من المحفزات المحتملة التي - إذا تم تفعيلها - ستؤدي إلى تدهور سريع في العلاقات".
وأوضحت أنه يمكن إرجاع ظهور هذا السلام المضطرب إلى عدة عوامل: الأول هو أن رئيسي الدولتين كانا في أقوى حالاتهما سياسيا في السنوات الأخيرة.
والعامل الثاني، بحسب "ذا ديبلومات"، يتمثل في " مسيرة روسيا التدريجية نحو الهزيمة في أوكرانيا. عانت روسيا من نكسات كبيرة في الأسابيع الأخيرة ، مع عمليات انسحاب مخزية وطرد من خاركيف وخيرسون وخسائر كبيرة في صفوف قواتها العسكرية. أدت محاولات إجبار أوكرانيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات إلى نتائج عكسية بالنسبة للكرملين، حيث اضطر الأخير فعليًا إلى توضيح أنه لا ينوي السعي إلى تصعيد نووي".
وأضافت أن بكين تدرك جيدًا، في الوقت الحالي، أن موقفها السابق من الغموض الاستراتيجي والحياد العسكري، إلى جانب الدعم الاقتصادي، بشأن الحرب هو ببساطة أمر لا يمكن الدفاع عنه، مشيرة إلى أنه بالنسبة للصين ، يعد إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أمرًا حيويًا لضمان عدم عزلها عن سلاسل التوريد العالمية البارزة واقتصاديات الاستهلاك والتكنولوجيا والابتكار.
ورأت الدورية الأمريكية أنه في حين أنه من غير المرجح أن يتخلى شي عن روسيا، التي يعتبرها شريكا استراتيجيا واقتصاديا حيويا في إنشاء النظام العالمي المتصور للصين، إلا أنه يظل مدركًا بشكل أساسي لحاجة الصين للتحوط من المخاطر المحتملة لهزيمة روسية كاملة، وهو ما تجسد في "سلسلة أغصان الزيتون التي امتدت خلال الأسابيع الأخيرة - أولا نحو الاتحاد الأوروبي (عبر المستشار الألماني أولاف شولز) والآن، الولايات المتحدة".
وأضافت أن العامل الأخير في ظهور هذا السلام المضطرب بين واشنطن وبكين يتمثل في احتياج بايدن وشي إلى دعم بعضهما البعض لجدول أعمالهما المحلي: إذ يتعين على بايدن مواجهة اقتصاد يعاني من ضربة مزدوجة من التضخم والركود في عام 2023، ومن ناحية أخرى، يسعى شي إلى إنعاش الاقتصاد الصيني بعد عامين من الدمار في ظل سياسة البلاد الصارمة "صفر كوفيد".
وترى "ذا ديبلومات" أنه من الواضح أن كلا الاقتصادين سيستفيدان من ضخ رأس المال واستئناف التجارة مع الحد الأدنى من الحواجز، وأن اجتماع بالي، وما تبعه من "سلام"، هو بالتالي نتاج ضرورة اقتصادية بقدر ما هو نتاج للحسابات الاستراتيجية.
وأوضحت "ذا ديبلومات" أن السلام غير المستقر يعتمد على فرضية أنه لن يكون هناك محفزات أو اضطرابات مفاجئة - بمجرد تفعيلها - ستجبر كلا الجانبين على كسر السلام.
وأضافت أن الخطر الذي يمكن تصوره بسهولة في هذه الحالة يتمثل في حدث يؤدي إلى تدهور سريع في العلاقات بين بكين وتايبيه، سواء كان ذلك من خلال مناوشات عرضية، أو تمرين عسكري ، أو تصريحات من الحكومة التايوانية، مشيرة إلى أن مثل هذا الحدث من شأنه أن يعرض بكين و واشنطن على حد سواء لمعضلة ملحة تتمثل في أن الفشل في التصعيد يمكن أن يقوض عقودا من المصداقية والردع التي تراكمت من خلال التهديدات الانتقامية المعقدة. ومن ناحية أخرى فإن التصعيد من شأنه أن يجر الصين والولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية محدودة ثم كاملة.
وذكرت أن تعطيل هذا السلام الهش لا يتطلب حتى نزاعًا عسكريًا نشطًا، إذ يمكن أن يؤدي تصعيد إضافي في شدة المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة إلى شعور أي من الجانبين أنه لم يتبق لهما خيار سوى تفعيل الإجراءات الحمائية النشطة. مضيفة أنه على الرغم من أن استئناف خطوط الاتصال يمكن أن يساعد في التخفيف من انعدام الثقة الذي يتخلل التفاعلات الثنائية، إلا أنه سيكون من الصعب التحدث عن الثقة وإعادة بنائها في حالة اقتناع جانب من الجانبين بأن الآخر لديه الرغبة في خنق مسار نموه.
واختتمت "ذا ديبلومات" بالقول إن المستقبل لن يشهد قمما كثيرة بين الصين والولايات المتحدة، ما لم تقم بكين و واشنطن على حد سواء بإعادة ضبط التوازن تجاه الاتفاق الضمني القائل بأن قوتين عظميين يمكنهما التعايش في عالم واحد.