بعد مسيرة عامرة بالعطاء أثرى فيها وجدان المستمع السوداني والعربي بأجمل وأرق القصائد والأغاني، غيب الموت الشاعر الغنائي السوداني صلاح الدين حاج سعيد البدوي.
وجاء رحيل صلاح بعد صراعٍ طويل مع المرض اضطره للسفر خارج السودان عدة مرات وكانت آخر محطة علاجية له في مصر خلال شهر يونيو الماضي، حيث أجرى فيها عملية جراحية على أثرها تحسنت حالته الصحية والتي تركت أيضا مدارسها وجامعتها بصمة يافعة وفارقة في حياته، حيث ولد صلاح الدين حاج سعيد البدوي في أربعينيات القرن الماضي بمدينة الخرطوم ودرس الابتدائية في مدرسة الخرطوم شرق الأولية والمتوسطة في الأهلية الوسطى والمرحلة الثانوية في مدرسة الخرطوم الثانوية المصرية "مدرسة جمال عبد الناصر" ثم تخرج الراحل من كلية الحقوق في جامعة القاهرة فرع الخرطوم في العام 1974م.
وبعدها عمل الراحل بالخدمة المدنية حتى ترأس إدارة ديوان شؤون الخدمة، وبعدها التحق بالعمل في عدد من المؤسسات القانونية من بينها مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وتدرّج حتى صار رئيسًا لها، قبل أن يتقاعد عام 1990.
وتغنى بأشعار الراحل البدوي عدد من الفنانين، منهم: مصطفى سيد أحمد ـ الذي تبناه الراحل وزوجته "عواطف عثمان" التي كانت له سندا ومعينا على الحياة ومواجهة عثراتها وانجب منها من الأبناء والبنات جمال والمعز وسلمى ومنى ومحمد وسعيد - ومحمد ميرغني، ومحمد الأمين البلابل، والطيب عبد الله، وآخرون.
وكان الراحل قد خاض تجربته الشعرية المتفردة عام 1960 في عمل مع الفنان "محمد ميرغني" بعنوان "بعد وحيد"، حيث كان أول نص كتبه صلاح باللغة العربية الفصحى فيما كانت أول أعماله الغنائية من ألحان حسن بابكر هو :"كفاية الوحدة ما بقدر.. طريقك تاني أمشيه.. هو أصلو العمر كم مرة.. عشان نهدر أمانيه" في نهاية الستينيات، ثم توالت الثنائية بين صلاح ومحمد في عدة أعمال بينها "ما قلنا ليك" و"لو كان عصيت أمر".
وشكل الشاعر الراحل إضافة بارزة لتاريخ الأغنية السودانية، إذ تلامس أعماله واقع الإنسان والتراث السوداني، حيث عمل الراحل البدوي ثنائية شهيرة مع الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد في أغاني "المسافة، والشجن الأليم، والحزن النبيل، والرسالة، وصفوة محاسنك، وعينيك، وقمر الزمان".
وصدحت له مجموعة "البلابل"بأغنية "نور بيتنا وشارع بيتنا" بالإضافة إلى تجربة مع محمد الأمين الذي تغنى له بـ"يا نرجسة" و"يا جميل يا رائع"، كما أعجب الراحل صلاح بأشعار محمد المهدي مجذوب ومحمد المكي إبراهيم ومصطفى سند، كما ارتبط الراحل بعلاقة وثيقة بالرياضة لا سيما كرة القدم غير أنه لم يمارسها بطريقة احترافية وعرف بتشجيعه لفريق الهلال السوداني.
وتبوء الشاعر الراحل مكانة أدبية رفيعة ساهمت في التكوين الفكري والثقافي السوداني جعلت رئيس وأعضاء مجلس السيادة الانتقالي والأحزاب السياسية ـ حزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وحزب الأمة القومي ـ ينعون رحيله بقولهم: إننا ننعى للشعب السوداني شاعرا وأديبا فذا، عطر سماء بلاده بوافر القصائد والأغنيات الخالدة، وأسهم بشعره في إثراء الوجدان والذوق السوداني، وترقية ونهضة الحركة الأدبية في السودان من خلال نظمه لأغنياته وقصائده بالحرف النابض بالحسن والحياة والوطنية والالتزام ..
أيضا تبارى الشعراء والفنانون في تعداد مآثر الراحل خلال تشييع الجنازة بمقابر فاروق وسط الخرطوم حيث قال الشاعر عبد العال السيد: "رحم الله الحبيب صلاح حاج سعيد الذي أثرى الوجدان بإبداعاته".
وأضاف: "قبل عدة أيام تواصلت مع ابنه محمد للسؤال عن صحته ولم أتمكن من التحدث معه لظروفه الصحية، سيظل أبو محمد من أكثر الفاعلين والمجدّدين في النص الغنائي بالسودان، العزاء موصول للابن محمد وجميع أفراد أسرة الفقيد ومحبيه".
وبرحيل صلاح حاج سعيد البدوي ودفنه بمقابر فاروق بالخرطوم، انطوت صفحة ناصعة من الشعر الرومانسي السوداني، و"عدى فات" شاعر الحزن النبيل مخلفاً وراءه تاريخاً عظيماً من المعاني الجميلة والغناء المتسامح.