لم يكن قرار البرلمان الأوروبى الصادر فى 24 نوفمبر الماضى بمستغرَب لديِّ، فقد ذكرت منذ ثلاثة أسابيع حجم المعركة التى تواجهها الدولة المصرية، الأمر الذى يستوجب علينا التدقيق فى المشهد وقراءة تفاصيله بدقة والبحث فى الأحداث بعمق وفق معلومات موثقة نبنى عليها قناعاتنا لكى نستطيع السير فى الطريق الصحيح.
القرار الذى جاء عقب جلسة استماع لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى يوم الأربعاء 23 نوفمبر الماضى لعدد من الشخصيات منهم سناء عبدالفتاح، شقيقة علاء عبدالفتاح، والمحبوس لتنفيذ عقوبة صدرت ضده بشأنها أحكام قضائية نهائية استعرضت بعض منها فى العدد قبل الماضي، ورامى شعث الذى أُفرِج عنه بداية العام الجاري.
كما شارك فى الجلسة السياسى الإيطالى وعضو البرلمان الأوروبى دينيس نيسكى الذى استقى معلوماته من تقارير منظمة هيومان ريتس ووتش، والناشط الأيرلندى ميسك والاس.
ورقة حقوق الإنسان التى كانت على جدول أعمال البرلمان الأوربى ليست الأولى من نوعها التى تُطرَح لاستهداف مصر، لكنها سلسلة متكررة تعتمد فيها اللجنة على معلومات مضللة، ليس بسبب افتقار الوصول للمعلومات الحقيقية، بل هو توجيه باستهداف الدولة المصرية مدعومًا من عناصر قوى الشر التى تحترف التضليل.
ستظل تلك الورقة «حالة حقوق الإنسان» إحدى الأدوات المستخدمة للضغط على الدول، رغم إدراك دول الاتحاد الأوروبى أن الدولة المصرية منذ منتصف عام 2014 لم يعد من الممكن لى ذراع لها أو استخدام أوراق ضغط للنيل منها، لأنها تتعامل فى كافة الملفات بشفافية وشرف، ووفق ثوابت لم تحيد عنها وهى العمل من أجل بناء الدولة وبناء حياة أفضل للإنسان المصري.
قرار البرلمان الأوروبي، كما يحلو لأبواق الجماعة الإرهابية والمنظمات الحقوقية التابعة لها والمدعومة منها، ومن عدد من دول محور الشر، لاقى حالة رواج كبير على صفحات وشاشات تلك الأبواق، وإن كان القرار لا يخرج عن كونه توصية يقدمها البرلمان الأوروبى لبرلمانات دول الاتحاد.
لكن مجلس النواب المصرى و مجلس الشيوخ رد على القرار بقوة ببيان أكد رفضه واستيائه الكامل من قرار البرلمان الأوربي، الذى جاء مُخيبًا للآمال، ومدللًا على إصرار البرلمان الأوروبى - غير المُبرَّر - فى استمرار نهجه الاستعلائى والوصائى تجاه مصر، إذ نصَّب نفسه – استنادًا إلى وقائع كاذبة- حكمًا وقيّمًا على تطورات الأحداث فى الدولة المصرية، وهو ما يعد تدخلًا صارخًا فى الشؤون الداخلية لدولة تتمتع بالسيادة، بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه، فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلًا.
ودعونا نشاهد ما حدث فى جلسة الاستماع، فبعد عودة سناء عبدالفتاح من قمة المناخ (كوب 27) والتى جاءت لحضور المؤتمر ضمن منظمات المجتمع المدنى الأوروبى بصفتها مواطنة تحمل الجنسية البريطانية، وجاءت برعاية ألمانية، جلست على المنصة لتقدم سيلًا من الأكاذيب عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر فى وقت حددته لها رئيسة الجلسة.
ولكن الأمر ليس مجرد حديث عن حقوق الإنسان، فقد تم تأهيلها باحترافية قبل الحديث، حتى تصبح أكثر تأثيرًا على الحضور بدءًا من لغة الجسد التى تحدثت بها ونبرة الصوت والكلمات التى لم تبدأها بالحديث عن شقيقها وإنما بدأتها كصاحبة قضية تطلب من البرلمان الأوروبى التدخل لإنقاذ المصريين قائلة «الحياة فى مصر الآن كما نتحدث خطيرة للغاية، هناك 103 ملايين فى مصر أصبحوا أكثر فقرًا وأقل إلمامًا بالقراءة والكتابة وأكثر ضعفًا كل عام، كيف تتركون حكوماتكم تستثمر فى الهيدروجين الأخضر مع مصر؟ عليكم أن توقفوا ذلك، عليكم أن تدفعوا حكوماتكم للضغط على مصر من أجل الإفراج عن السجناء، عليكم الضغط للإفراج عن أخى (تقصد علاء عبدالفتاح)».
إنه حديث إفك حملته سناء صنيعة ساعات تدريب طويلة أهلتها للتأثير على الآخر، ثم تبعها حديث رامى شعث الذى تحدث لمدة 10 دقائق، وانحرف حديثه من قضايا المناخ إلى التشكيك فى الحوار الوطنى ثم مطالبة البرلمان الأوروبى بالتدخل لحماية من أسماهم بالأقليات (الأقباط) وأيده فى النقطة الأخيرة السياسى الإيطالى وعضو البرلمان الأوروبى دينيس نيسكي.
ولأن الاثنين لا يعرفان شيئًا عن مصر أو الشعب المصري، فربما ظن كلاهما أن حديثهما عن حماية الأقباط سيلقى قبولًا لدى الأقباط، ونسيا أو تناسيا المقولة الشهيرة للبابا شنودة «مصر ليست وطنًا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا» ومقولة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، إنها عقيدة راسخة تدحض محاولات أصحاب أحاديث الإفك فى الغرب وأحاديث قوى الشر عن محاولات استخدام تلك الورقة للتدخل فى شئون مصر.
أعود إلى قرار البرلمان الأوروبى والذى قدمه باللغتين العربية والإنجليزية ويحتوى على العديد من المغالطات التى يكررها كلما يصدر بيانًا بشأن حالة حقوق الإنسان فى مصر متجاهلًا الاستراتيجية الوطنية ل حقوق الإنسان التى عملت عليها مصر ونفذت العديد من بنودها، وما حققته مصر من نجاح فى المشروعات المختلفة من أجل حياة كريمة للإنسان المصرى توفر له الحق فى السكن الكريم والحياة والتعليم والصحة وغيرها.
لم يختلف المشهد فى لجنة حقوق الإنسان خلال جلسة 23 نوفمبر الماضى عن جلسة 18 ديسمبر 2020 كثيرًا أو عن جلسة 21 أغسطس 2013 عقب إطاحة الشعب المصرى بحكم جماعة الإخوان الإرهابية واسترداد الدولة المصرية المختطَّفة، أو جلسة أبريل 2015، أو يونيو 2017 أو ديسمبر 2018 أو أكتوبر 2019، جميعها محاولات يائسة لا تتوقف عن استهداف الدولة المصرية.
وأذكر ما جاء فى كلمة «ميشيل باشيليت» المفوضة السامية للأمم المتّحدة ل حقوق الإنسان عام 2020 والذى كان بمثابة صفعة على وجه البرلمان الأوروبى ومتاجرة لجنة حقوق الإنسان بتلك الورقة للضغط على الدول، فقد قالت باشيليت، واصفةً الوضع فى أوروبا: «حتى داخل حدود الاتّحاد الأوروبيّ – الذى يتميّز بمعايير رفيعة ل حقوق الإنسان ومبادئ مؤسسيّة جديرة بالثناء - يتمّ تقويض استقلال القضاء وحريّة الصحافة وحيز عمل منظمات المجتمع المدنيّ؛ كما تستهدف خطابات الكراهية ضد المهاجرين والأقليات تحصيل دعم سياسى وتعزيزه؛ وكى تتمتّع سياسات الاتّحاد الأوروبى تجاه البلدان الأخرى بالمصداقيّة، لابدّ من النهوض ب حقوق الإنسان داخل الاتّحاد الأوروبى - وألاّ يتمّ تقويضها».
وأضافت باشيليت: «فى العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، لا بدّ من بذل المزيد من الجهود لدمج الروما (شعوب الغجر ويبلغ تعدادهم 12 مليون نسمة) والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين والفقراء دمجًا كاملًا فى المجتمع؛ كما يساور مفوضيّتنا القلق حيال المقاربات المعتَمَدة لإدارة الهجرة، التى تعتبر المهاجرين مصدر تهديد أكثر منه مصدر مساهمة، وتفشل فى التركيز على خبرات الأفراد المعنيّين واحتياجاتهم.»
كشفت كلمة المفوضة السامية متاجرة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى بشعارات مغلوطة.
البرلمان الذى يتحدث عن حالة حقوق الإنسان فى مصر وأثرت فيه «شحتفة» سناء عبدالفتاح، لم يتأثر أو يدين ما قامت به الشرطة البلجيكية أمام مبناه فى بروكسل فى ديسمبر 2018 خلال التظاهرات ضد تعديل قانون الهجرة والعنف المستخدم من جانب قوات الشرطة ضد المتظاهرين، أو ما حدث فى لندن عام 2011، أو ما حدث من قبل الشرطة الفرنسية عام 2009 ضد المتظاهرين أمام الناتو.
إننا أمام حالة ممنهجة يتم استخدام عناصرها للدفع بهم فى التوقيتات المناسبة، ليكونوا أحد عناصر استهداف الدول.
فكما هى توصية أو قرار البرلمان الأوروبى المبنية على معلومات مغلوطة وغير دقيقة معلبة بشكل احترافى، هو الحال عندما يتم تقديم عناصر أخرى بنفس الورقة إلى الكونجرس الأمريكي، ويتم الحديث عن المطالبة بوقف المعونة الأمريكية لمصر، ولم يدرك هؤلاء أن الدولة المصرية، دولة 30 يونيو، لن توقفها أى محاولة لتعطيلها عن تنفيذ رؤيتها لبناء الدولة.
حقيقة الأوراق الملوَّثة
عقب نشر الحلقة الأولى من تلك السلسلة، تواصل معى الأستاذ الدكتور طاهر الهادي، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة قناة السويس، متسائلًا عن سبب تسمية تلك الأوراق بهذا الاسم، وفى الحقيقة أن الأوراق التى أتعرض لها والتى تُستخدَّم فى تفكيك الدول أو طريقًا لاختراق الدول وصولًا لمرحلة صناعة العناصر المساهمة فى خلق حالة الفوضى، هى فى أصلها أوراق غير ملوَّثة، ف حقوق الإنسان لا يمكن لأحد أن يختلف على ضرورة الحفاظ عليها، وهو ما تعمل عليه الدول ومنها مصر، وهو حق حفظته المواثيق الدولية وحفظته الدساتير والقوانين المحلية، وكذلك ورقة اقتصاديات الجيوش ومساهمتها فى الاقتصاديات الوطنية.
إلا إن قوى الشر استخدمت تلك الأوراق بعد أن لوثتها بمعلومات غير دقيقة وخلقت صورة زائفة لانتزاع ردود فعل عالمية غير سليمة، بعد أن بنيت قراراتها على معلومات وأحداث سابقة التجهيز.
إنها أوراق سليمة لوثتها إياد خبيثة تحركها قوى الشر من أجل تفكيك الدول.