قال الدكتور علي جمعة ، مُفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الصدق أعلى درجة من التقوى ، حيث إن الإمام الغزالي بنى على قوله تعالى -وهي آية غريبة عجيبة جميلة-: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»، باب الصدق.
وأوضح «جمعة» أن هذه الآية «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»؛ فأنا عندما أتقي الله أكون من المتقين، فيجب أن أكون مع الصادقين، إذًا الصادق فوق التقيّ، ولذلك سُميت أحد مراتب القرب من الله الصدّيقية ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ السيدة مريم صدّيقة، وسُمي أبو بكر وهو الذي تحمّل عبء الإسلام من الأول، وأول من أسلم بـ"الصدّيق".
وأضاف أن الصدق شيء كبير جدا عند الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك هذا هو مبنى القضية، لماذا أكون صادقًا؟ لأن الصدق يحبه الله؛ لأن الصدق هو من صفات أهل الجنة؛ لأن الصدق يعود على الإنسان بالخير في الدنيا والآخرة قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» لأنه ضحّى بكل شيء لله ورسوله.
واستشهد بما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقا» -في المقابل- «إن الكذب ليهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذابا» والعياذ بالله تعالى.
وأشار إلى أن الصدق لابد أن أدركه إدراكًا جيدًا؛ فيقول سيدنا -صلى الله عليه وسلم- : «دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة» إذًا لا تتحدّث بكل ما سمعته «كفى بالمرء كذبًا أن يُحدّث بكل ما سمع» ويرشدنا إلى جزئية مهمة جدا وهي الإشاعات والأكاذيب والافتراءات، وهذا للأسف قد امتلأت به الآذان، وشاعت شيوع عجيب قال -صلى الله عليه وسلم- : «ثم يفشو الكذب» ينتشر، وهذا شيء قبيح، وشيء مريع؛ لأنه يكر علينا بإبطال كل شيء، بإبطال الدين كله ؛ لأنه يتعامل معها على أنها حقيقة واقعة، «فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة» فالكذب لا يؤدي إلى الطمأنينة، إنما الذي يؤدي إلى الطمأنينة الصدق.
واستطرد: بعض أهل الله كان يقول: «لا يشم رائحة الصدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره» لا يشمها يعني هو ليس صادق فهو يداهن نفسه ويضحك عليها يخادعها، أو يداهن غيره، كان سيدنا ذو النون المصري كما أورد صاحب الإحياء الإمام الغزالي قال: « الصدق سيف الله ما وضِع على شيءٍ إلا قطعه»، ولذلك: « الصدق منجاة ولو اعتقدت فيه هلاكك، والكذب مهلكة ولو اعتقدت أن فيه نجاتك ».
وروى: أتذكر إن الشيخ علي الخواص كان يشتغل بالخوص -يصنع حصير- فجاءه شخص كان قد هرب من أناس يبحثون عنه يريدون قتله أو أذاه، فوصل عند الشيخ علي الخواص. "فقال له : خبئني عندك، فقال له: اختبئ في هذه الحصيرة .. فلفه في الحصيرة ، وجاء الناس فقالوا: هل مر عليك شخص هنا؟ فقال: نعم. قالوا: وأين ذهب؟ قال: في هذه الحصيرة، فظنوا أنه يسخر منهم، وانصرفوا، وعندما خرج الرجل قال له: كدت أن تهلكني وأن تسلمني لهم، فقال: يا بني، صدقي نجاك، فلو أنني قلت لهم لم أراه، وهم يرونك قد جئت من هذه الناحية سوف يفتشون المحل ويجدونك .. فأنا قد قلت الصدق، وأنا أعتقد في الله أنه سينجينا.