هناك ثوابت ومرتكزات اعتمدتها الدولة المصرية منهجا لها في تعاملاتها مع الاشقاء والأصدقاء، فهي دائما مدافعة وداعمة ل مشروعات التنمية في كافة الدول العربية والافريقية وتخطو بثبات في ذلك الاتجاه لما للتنمية من مردود إيجابي على أوضاع الشعوب.
وقد حملت مصر على عاتقها خلال رئاستها للاتحاد الافريقي ملف التنمية في أفريقيا أحد اهم الملفات الخارجية ، وحرصت على التعاون مع كافة دول القارة.
ويعد مشروع سد " جوليوس نيريري " في تنزانيا خير شاهد على ذلك؛ فقد جاءت التجربة المصرية في قطاع الطاقة، والتحول من العجز الى الوفرة لتصبح من التجارب الملهمة للعديد من الدول التي تواجه تلك الازمة، كما أن اعلان مصر أكثر من مرة حرصها على التعامل مع كافة دول القارة ونقل الخبرات في هذا القطاع، شجع العديد من الدول على الاستفادة من الخبرات المصرية سواء على المستوي الاستشاري أو المستوي التنفيذي للمشروعات.
بدأت الحكاية من تنزانيا حينما تقدم التحالف المصرى المكون من شركتى ( المقاولون العرب والسويدى إلكتريك) لمناقصة عالمية طرحتها حكومة تنزانيا لصالح الشركة التنزانية لتوليد الكهرباء (تانسيكو) لتصميم مشروع سد ومحطة " جوليوس نيريرى" لتوليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية وتنفيذه بقدرة إجمالية (2115) ميجاوات وتم اختيار موقع المشروع على نهر " روفيجى" عند مضيق "شتيجلر" الذي يقع داخل غابة "سيلوس" بمقاطعة "موروجورو" فى جمهورية تنزانيا وتم اختيار عرض التحالف المصرى بصفته أفضل العروض الفنية والمالية و تم توقيع عقد المشروع بقيمة 9,2 مليار دولار فى 2 ديسمبر 2018 واستهدف المشروع إنشاء سد بطول (1025) متراً عند القمة بإرتفاع (131) متراً وبه "7" مخارج للمياه وتصل السعة التخزينية لبحيرة السد إلى 34 مليار م3 وإنتاج طاقة كهربائية 6307 آلاف ميجاوات/ساعة سنوياً وسيتم نقل الكهرباء المتولدة عبر خطوط نقل الكهرباء بجهد (400) كيلو فولت إلى محطة ربط كهرباء فرعية حيث سيتم دمج الطاقة الكهرومائية المتولدة مع شبكة الكهرباء العمومية بتنزانيا، لكن كانت هناك تحديات واجهت التحالف المصرى خلال عملية التنفيذ للمشروع ؛ الا ا التحالف يواصل العمل في ظل متابعة مستمرة من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء المصري ووزير الإسكان، لكافة مراحل التنفيذ والتغلب على التحديات، والتي كان من بينها وقوع المشروع فى غابة شديدة الوعورة كثيفة الأشجار مما تطلب فترة تجهيز فى بداية المشروع حوالى (6) أشهر لتجهيز أجزاء من الموقع (طرق – إزالة أشجار- إقامة معسكرات- استقدام العمال والمعدات) إلى جانب القوى الطبيعية القاهرة حيث تعرضت منطقة العمل لفيضان كبير بشكل يفوق المتوقع مما أدى لتوقف العمل فى نفق تحويل مجرى النهر وقطع الطرق وتوقف الإمداد مما أسفر عن تأخير تحويل مسار النهر وغرق بعض المعدات وكذلك جائحه كورونا وتأثيرها عالمياً حيث أثرت سلبياً على توريد المعدات والاحتياجات التى يتم استقدامها من خارج تنزانيا وعلى أعمال التعاقدات الخاصة بالمشروع ومعاينة مصانع الشركات فى دول المنشأ بالإضافة إلى الاشتراطات والاحتياطات المفروضة من الدول التى بها مصانع الإنتاج على إجراءات الشحن والأعمال اللوجستية ونظراً لأن تنزانيا تعانى من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائى فضلاً عن غياب الكهرباء فى عدد من المدن .
وبالرغم من كل هذه التحديات تم التعامل معها والتغلب عليها بالتنسيق المستمر بين لجنة متابعة المشروع تحت إشراف وزير الإسكان المصرى والتحالف المنفذ للمشروع وبدعم من القيادة السياسية المصرية التى تضع هذا المشروع على قدر كبير من الأهمية نظرا للدور التنموي الكبير الذى يمثله للأشقاء فى جمهورية تنزانيا و تأكيدا لدور مصر فى التعاون مع أبناء القارة الأفريقية وسيحقق هذا المشروع مكاسب كثيرة ل تنزانيا حيث سيغطى إنتاجه الطلب المتزايد على الكهرباء فى تنزانيا وسيرفع قدرة تنزانيا على دخول نادى مصدرى الطاقة من خلال بيع فائض إنتاج الكهرباء من السد والمحطة لدول شرق أفريقيا وسيحمى السد الشعب التنزانى من الخسائر المتكررة سنوياً بسبب الفيضانات وسيعمل المشروع على الحد من تكون المستنقعات الموسمية التى تعد السبب الرئيسى لانتشار أمراض خطيرة علاوة على استدامة التصريفات المائية اللازمة للزراعة وأنشطة الصيد النهرى
ومع استكمال بناء سد " جوليوس نيريرى" سيتم تشغيل أول قطار كهربائى فى تنزانيا إذ من المفترض أن ينتج السد الكهرباء اللازمة لتشغيل محركات القاطرات على السكك الحديدية
وسيتحول العجز في الطاقة الكهربائية داخل تنزانيا الى الوفرة مما يجعلها من الدول المصدرة للطاقة.
ويقوم التحالف المصري المسؤول عن المشروع بإنشاء خطوط الربط بالتزامن مع تنفيذ المشروع، لتتمكن تنزانيا من الوصول للأسواق المستهدفة في شرق أفريقيا.
يأتي بناء سد فى تنزانيا ليدحض كافة الاتهامات التي يحاول البعض توجيهها لمصر بزعم أن السلطات المصرية غير معنية بمصالح الدول الأفريقية بل فقط تعتنى بمصالح " القاهرة" وهى من جملة الدعاية الكاذبة التى تروجها " أديس أبابا" فقد اتهمت السلطات الأثيوبية مصر مراراً بعرقلة تنمية أفريقيا من خلال ما وصفته السلطات الأثيوبية بـــ " تعنت مصر فى مفاوضات سد النهضة" إلا أن الواقع ينفي تلك المزاعم وقال الرئيس السيسى فى خطاب رسمى يوم 7 أبريل 2021 أن مصر تحترم حق أثيوبيا فى التنمية طالما أنه لا يضر بحقوق مصرالمائية.