دخلت أحد مراكز التسوق واتجهت إلى قسم المواد الغذائية وانا أجر خلفى عربة التسوق ولكنى وجدت الأرفف فارغة لا تحمل سوى أرقام تعبر عن أسعار السلع التى كانت عليها وتعلوها ورقة تحمل نوع السلعة، ظننت أننى دخلت القسم الخاطئ أسرعت بخطواتى باتجاه قسم الخضر والفاكهة، لم أجد به اختلافًا عن سابقه، فطاولات ال خضار الطازجة لم يكن بها حتى بقايا بضائع، أو إشارة لوجود سلع عليها فى ذلك اليوم، وكأن الخضروات والفاكهة لم تصل إلى مركز التسوق فى ذلك اليوم؛ أسرعت باتجاه أحد العاملين بالمركز الذى كان واقفًا ينظر إليَّ باستغراب شديد، بادرته بالسؤال: هو ليه مفيش خضار أو فاكهة على الطاولات أو الأرفف؟.. ألم تأت اليوم بضائع؛ رد مستنكرًا: «خلصت يا أستاذ من بدري»!.
قلت له: «كيف!! بدرى ده امته يعني!.. وبعدين حتى قسم المواد الغذائية الأرفف خالية..إيه اللى بيحصل»؟!
تركته دون أن أنتظر لاستماع الإجابة منه، وانطلقت إلى قسمى اللحوم والأسماك؛ حتى لا أعود بخفى حنين، وصلت إلى قسم الأسماك فوجدته أيضًا فارغًا من البضائع كسابقيه ولا تحتوى ثلاجات العرض سوى لافتات الأسعار التى تضاعفت ثلاثة أضعاف دون مبرر، وكذا قسم اللحوم.
توقفت ألتقط أنفاسى بعد أن تسارعت ضربات قلبي، وأصبح صوت أنفاسى مسموعًا لمن حولي.. لا أدرى ما السبب؛ هل لأننى كنت أسير فى مركز التسوق مسرعًا الخطى بعد أن وجدت الأرفف فارغة، أم من القلق بسبب عدم وجود السلع وعدم قدرتى الحصول عليها لأعود بها إلى المنزل، أم لدهشتى من المشهد المرعب داخل مركز التسوق والذى كنت أصل إليه أحيانًا مع زوجتى فأجده مكتظًا بالبضائع والمواطنين (المتسوقين) واليوم المشهد مختلف تمامًا، لافتات أسعار مضاعفة، وسلع غابت عن الأرفف لا أدرى عمدًا أم عن غير عمد.
تباطأت الخُطا باتجاه الخروج فوجدت أرفف الخبز ما زالت عليها أكياس من الخبز البلدى أو ما يعرف بالسياحي، وإلى جواره أرفف عليها زجاجات المياه المعدنية، التقطت كيسًا به 10 أرغفة وزجاجة مياه لتر ونصف ثم اتجهت إلى الكاشير وأنا اتساءل ماذا يحدث؟
قمت بدفع الفاتورة متجهًا إلى خارج مركز التسوق.. لأستيقظ من ذلك الكابوس!.
لقد كان كل ما سبق بالفعل كابوسًا مفزعًا للحظات مرت على عقلى وأنا فى طريقى إلى أحد مراكز التسوق بمدينة نصر، انتفضت لأفيق منه على صوت «سايس» الباركنج أمام مراكز التسوق يشير إلى المكان الذى سأوقف به سيارتي.
(1)
نزلت من السيارة باتجاه باب الدخول للمركز لأجد المكان مزدحمًا بالمواطنين الذين خرجوا يدفعون أمامهم عربات التسوق محملة بكافة السلع بل أن البعض منهم كانت عربات التسوق معهم على شكل هرم لما تحمله من سلع وبضائع.
دخلت من الباب باتجاه ركن المواد الغذائية، وجدت بعض عروض التخفيضات الخاصة على بعض السلع وهو حال معظم مراكز التسوق الكبيرة.
الأرفف كانت عامرة ب السلع وحالة صخب ضخمة داخل السوق نظرًا لعدد المتسوقين الكبير.
السوق يعج بالحياة والحيوية، نعم هناك أسعار لبعض السلع تشهد مبالغة غير مسبوقة تواكبها حالة من الطلب المتزايد على الشراء وكأن غدًا لن تكون الأرفف عامرة بالسلع.
إنها ثقافة «التخزين» التى كانت وما زالت أحد أسباب الأزمات، والمساهم الرئيسى فى منح تجار الأزمة مزيدًا من المكاسب لتتضخم بطونهم وجيوبهم وتمتلئ خزائنهم على حساب المستهلكين، والمبررات لديهم (السوق عرض وطلب).
قمت بشراء بعض السلع مع ارتفاع أسعارها، ولكنى حاولت تخفيض الكميات لتتوافق مع الميزانية التى حددتها للشراء.
وصلت إلى قطاع الخضر والفاكهة الذى كان عامرًا بالعديد من الأنواع ما بين مرتفعة السعر ومتوسطة السعر، ولكن عند شراء كميات يكون السعر أقل خاصة الخضراوات، أما الفاكهة فقد كانت هناك أنواع كثيرة منخفضة السعر، الأمر الذى مكَّن معه تعاون مجموعة من الأسر للشراء بسعر مخفض، وهو ما شاهدته وتحدث عنه البعض على وسائل التواصل الاجتماعى لتخفيف حدة تأثير الأزمة عليهم.
وفى قسم اللحوم كانت الأسعار مبالغًا فيها بشكل مفزع، وعند سؤال الجزار، رد قائلًا: ارتفاع أسعار الأعلاف هو السبب.
انتهيت من شراء مجموعة من الاحتياجات سواء من المواد الغذائية أو اللحوم والخضر والفاكهة وبعض المستلزمات المنزلية ثم وصلت إلى طابور طويل للوصول إلى «الكاشير»؛ الأحاديث الجانبية جميعها لا تخرج عن الشكوى من ارتفاع أسعار السلع ومع ذلك تجد البعض يدفع أمامه أكثر من عربة للتسوق ممتلئة عن آخرها بالبضائع.
وصلت إلى «الكاشير» بعد انتظار دام أكثر من 15 دقيقة، ثم غادرت مركز التسوق متسائلًا: ماذا لو أن الكابوس الذى ضربنى وأنا فى طريقى إلى مركز التسوق كان حقيقة وواقعًا؟ ماذا كنت أفعل لو لم أستطع شراء احتياجاتى اليومية، وما قيمة الأموال التى لدى ما لم تكن هناك سلع متوفرة؟!
عاد إلى ذهنى سريعًا صور المتاجر فى العديد من دول أوروبا فى بداية الأزمة الروسية الأوكرانية وهى خاوية على عروشها من البضائع، والأزمة العالمية فى الأمن الغذائى بسبب أزمة سلاسل الإمداد التى ما زالت آثارها واضحة على الأسواق.
(2)
لكن دعونا نتفق أن ارتفاع الأسعار غير المبرر من جانب التجار فى ظل ضعف الرقابة، رغم وجود العديد من الأجهزة الرقابية، هو أحد أهم أسباب الأزمة مع زيادة عدد محتكرى السلع، ممن غابت ضمائرهم وفتحوا خزائنهم لكسب مزيد من المال الحرام فى ظل غياب تام للأخلاق لديهم، والتهبت جيوب البسطاء وأصبحوا يواجهون أزمة طاحنة فى توفير الاحتياجات.
ففى الوقت الذى أعلنت فيه وزارة التموين عن أسعار الأرز الأبيض بموجب القرار رقم 66 لسنة 2022 بتحديد سعر الأرز المعبأ الأبيض، بألا يزيد على 15 جنيهًا، أما سعر كيلو الأرز الأبيض السائب لا يزيد على 12 جنيهًا، مع إلزام المتاجر والمحال ومنافذ البيع بالإعلان عن أسعار الأرز فى أماكن ظاهرة.
وحدد القرار عقوبة المخالفة، حيث يعاقب كـل من يخالف المادة الأولى من القرار بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 5 ملايين جنيه، وذلك بموجب ما نصت عليه المادة (22 مكرر «ج») من قانون حمايـة المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
أما عن أسعار الأرز فى السلاسل التجارية، فقد حددتها وزارة التموين: الأرز 5% كسر للسلاسل التجارية
بـ14 جنيهًا، ويُباع للمواطنين بـ15 جنيهًا للكيلو، والأزر نسبة 3% كسر، والمعالج بالزيت، بسعر 16.5 جنيه للكيلو.
كل ما سبق ليس له وجود على أرض الواقع فالأسعار فى السلاسل التجارية ما بين 18 و20 و22 جنيها للكيلو، وهو ما يتطلب وجود دور حقيقى للوزارة لمواجهة تلك الأزمة.
نعم أتفق مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء عندما قال فى المؤتمر الصحفى الأخير بالعاصمة الإدارية شارحًا تفاصيل الأزمة والأوضاع الاقتصادية فى ظل سياسة الشفافية من الجانب الحكومى وعرض كافة التفاصيل على المواطنين.
عندما قال: «الحكومة تتدخل بميزان حساس فى أزمة زيادة الأسعار لأن العنف فى التعامل مع الأزمة سيؤدى لاختفاء السلع».
لكن ترك السوق بهذا الشكل يطحن البسطاء! فكيف لشركة تقوم ببيع الشاى تنشر شائعة عن أنه ليس هناك مخزون من الشاى فى مصر يكفي، وبناء عليه توقف عدد من خطوط إنتاجها ثم تعود للإنتاج بأسعار أعلى وتواصل رفع أسعار منتجاتها دون محاسبة؛ وتحت مسمع ومرأى الحكومة، فى حين يخرج علينا وزير التموين قائلًا: «لدينا مخزون من الشاى يكفى 13 شهرًا؛ كيف تركت الحكومة تلك الشركة للمتاجرة بالأزمة دون محاسبة؟ وأين شركات القطاع العام والحكومى العاملة فى قطاع المواد الغذائية؟ مثل قها وادفينا و مصر للألبان التى استعادتها الدولة مرة أخرى، وتحدث وزير التموين أكثر من مرة عن أن قها وادفينا ستعودان بقوة!
لقد أظهرت الأزمة الحالية ضرورة الحفاظ على شركات القطاع العام خاصة فى قطاع المواد الغذائية، لضبط الأسواق وتحقيق حالة من الاستقرار فى ظل انعدام الأخلاق لدى البعض، وتحايل البعض الآخر على القانون.
لقد وضعت الحكومة قواعد لتوريد الأرز وغفلت عما يفعله بعض شياطين الإنس من قيامهم بطحن الأرز لتقديمه علفًا للماشية للحفاظ على السعر المرتفع للطن من الأرز والشعير ليتجاوز الـ 12 ألف جنيه.
نعم تواجه الحكومة جشع التجار بحملات رقابية موسعة ضد محاولات التخزين وتعطيش السوق، لكن ما زالت الأزمة قائمة فى دولة لديها اكتفاء ذاتى من الإنتاج، وسلعة ليس للدولار أى دور فى الضغط عليها.
لكن لمَ لا وبائع الجرجير عندما تسأله عن سر رفعه لسعره يرد عليك: كل حاجة غليت بسبب الدولار!!!
إنها فلسفة تجار الأزمة الذين غابت أخلاقهم.
نعم الحكومة لديها احتياطيات تصل إلى 130 مليار جنيه لاستيعاب جزء من الآثار السلبية للأزمة العالمية، لكن عليها أن تتحرك بأجهزتها الرقابية بقوة فى مواجهة المحتكرين، وتعمل على ضبط الأسواق التى فلت عيارها، وحتى لا يدفعنا تجار الأزمة إلى الأرفف الفارغة.
خلال افتتاح الرئيس عددًا من المشروعات بمدينة الإسكندرية الأسبوع الماضى تم استعراض ما تم من تطوير للمناطق العشوائية فى محافظتى الإسكندرية والبحيرة وكيف ساهم مشروع بشائر الخير فى تحقيق حياة كريمة لعدد كبير من المواطنين من ساكنى المناطق الخطرة والعشوائية ممن سقطوا لسنوات من ذاكرة الحكومات المتعاقبة.
كما تم استعراض تطوير بحيرة مريوط أكثر بحيرات مصر تلوثًا فى السابق لتعود إليها الحياة من جديد، وكذا ما حدث من تطوير غير مسبوق لمشروع حدائق المنتزه الذى عملت قوى الشر ومعاونوها على تشويهه عندما قررت الدولة التحرك باتجاه تطويرها وظلت تروج الأكاذيب، ليأتى افتتاح أعمال التطوير يدل على أن الجمهورية الجديدة لا تعرف سوى العمل والإنجاز.