أكدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، حرصها على تطوير العلاقات العربية الصينية واستمرارها وإنجاح أهداف منتدى العربي الصيني الذي أصبح جسراً للتواصل والاتصال بين المجتمعين العربي والصيني تعبر عليه الثقافات ويتبادل من خلاله الحوار لتحقيق المصالح المشتركة.
جاء ذلك في كلمة الأمانة العامة ل جامعة الدول العربية والتي ألقتها الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية بالجامعة السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة اليوم /الأربعاء/ "عن بعد عبر منصات الاتصال المرئي"، في افتتاح الدورة التاسعة لندوة العلاقات العربية والصينية والحوار بين الحضارتين العربية والصينية، تحت شعار "التواصل بين الحضارتين الصينية والعربية في سياق التشارك في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك"، والتي تأتي في إطار البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي - الصيني (2020 - 2022).
وقالت السفيرة أبو غزالة إن منتدى التعاون العربي - الصيني، أسهم منذ نشأته عام 2004، في تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين الجانبين بصورة شكلت نقلة نوعية حقيقية في كافة المجالات، وساهم في توطيد الصداقة العربية الصينية ودفع التعاون في بناء "الحزام والطريق" والتواصل والاستفادة المتبادلة في المجالات المختلفة والارتقاء بمستوى العلاقات العربية - الصينية، مشيرة إلى أن السمة البارزة للمنتدى هي التركيز على أهمية الحوار بين الحضارات والتبادل الثقافي .
وأعربت أبو غزالة عن تطلعها إلى أن يظل عقد ندوة الحوار بين الحضارتين العربية والصينية معلماً بارزاً في مسيرة منتدى التعاون العربي - الصيني وبما يسهم في تحقيق مزيدٍ من التقارب بين الشعوب العربية والشعب الصيني العريق وتعزيز القواسم المشتركة بين الجانبين، والدفع بإقامة المجتمع العربي والصيني للمستقبل المشترك على نحو معمق وملموس بما يخدم مصلحة الشعبين بشكل أفضل.
وتابعت أبو غزالة "تعقد ندوتنا اليوم "عن بعد عبر منصات الاتصال المرئي"، نظراً للظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم بأسره جراء انتشار جائحة فيرس كرورنا (كوفيد 19)، هذا الفيروس اللعين الذي غير شكل وملامح الحياة اليومية للبشرية جمعاء، وأثر بشكل بالغ الصعوبة على كافة مجالات الحياة المختلفة الصحية والاقتصادية والتعليمية والثقافية وغيرها، وأتقدم بخالص التعازي في وفاة ضحايا هذا الوباء حول العالم".
وشددت على أن هذه الظروف عززت الاقتناع بمدى الترابط بين الدول وأهمية العمل والتعاون الدولي في مواجهة التحديات، وتجاوز كافة الأزمات والكوارث، مؤكدة أن البشرية لن تستطيع مواجهة هذا التحدي الهائل سوى بالتعاون والتكاتف فيما بينهم.
وأشارت إلى أن الجانبين الصيني والعربي بذلا جهودهما في استئناف العمل والإنتاج وإعادة البناء الاقتصادي وتوسيع مجالات التعاون وتعميقه في إطار السيطرة على الوباء بشكل فعال.
وعبرت أبو غزالة عن شكرها للجهات الصينية المعنية على اختيارها لمحاور الندوة والتي تتضمن المحاور التالية الدعوة إلى التضامن والتسامح واحترام الحضارة الفريدة لكل دولة ولنظامها الاجتماعي،وتعزيز الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية العريقتين، وتعميق التواصل الحضاري والاستفادة المتبادلة ودفع التواصل البشري في إطار مبادرة الحزام والطريق والتي تؤكد جميعها على أهمية الحوار بين الحضارات، بوصفه الطريق الأمثل لتحقيق التفاهم والتعايش السلمي بين الشعوب، وتجنب الحروب والصراعات، ومواجهة التعصب والإرهاب، وتعزيز فرص التعاون بين الثقافات المختلفة، ومد الجسور، واحترام الهويات الثقافية الحضارية المتنوعة، وتعزيز التشاور من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة لتحديات المستقبل.
وأكدت أن التنوع الثقافي والحضاري منبع لتطور وتقدم المجتمع الإنساني والحوار بين الحضارات والثقافات، مشيرة إلى أن الحضارتين العربية والصينة تتميزان بالتقدم والانفتاح والدعوة إلى السلام والمحبة والتضامن، لذا فقد بات من المهم أن نتمسك بروح المساواة والتسامح والعدالة بما يدفع التواصل والتلاقح بين الثقافات والحضارات، ونبذ الفكر المتطرف والإرهاب من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
ولفتت إلى أن كافة الأديان السماوية دعت إلى التسامح والتعايش وتقبل الآخر، وتحولت قيم التسامح وثقافته في العصور العربية والإسلامية إلى قيم أخلاقية معاشة، مؤكدة أن الإسلام دين التسامح والرحمة ويدعو دائمًا إلى العيش المشترك والحوار مع الآخر باعتبار الحوار واجبًا دينيًّا وضرورة إنسانية، وأن التعدد والتنوع دليل على قدرة الله تعالى وحكمته، مصداقًا لقول المولى عز وجل: {ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}، وقوله تعالى:" {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}".
وأوضحت أن الدين الإسلامي في مجمل أحكامه وتشريعاته دين وسطي يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان، فمبادئ الإسلام وأصوله قائمة على ما يحفظ السلم والسلام العالمي، ويقيم العدل والأمن بين البشر جميعًا بلا تفرقة أو تمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو اللغة، مما يحقق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
وأكدت أن هناك تاريخا طويلا للأمة العربية من التواصل التجاري والثقافي والأدبي بينها وبين الصين، حيث عرفت الصين العرب منذ القرن الثاني قبل الميلاد، منذ رحلة المبعوث الصيني" تشانغ تشيان" إلى الغرب في عصر الإمبراطور"هان وو دي"، وكذلك عرفت العرب الصين من خلال رحلات الرحالة العرب للصين ومنها رحلة الرحالة "ابن بطوطة" والذي أكد أن أهل الصين من أوائل الأمم المُحكمة للصناعة، ويتقنون كل ما يقومون به، وأكد على أخلاق أهل الصين وأن دولة الصين من آمن البلاد الموجودة حول العالم.
وأشارت إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث صحابته على طلب العلم ولو في الصين وما تدل مقولته صلى الله عليه وسلم إلا على تلك العلاقة الوطيدة التي تجمع بين الصين والدول العربية منذ القدم.
وقالت أبو غزالة إن الفتوحات الإسلامية خلقت كتلة اقتصادية عالمية كبيرة شملت مصر وشمال إفريقيا والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وإيران وأجزاء كبيرة من أواسط آسيا، كما جمعت لأول مرة في التاريخ الخليج العربي والبحر الأحمر تحت سلطة واحدة وكان لموقف الصينيين السلمي من هذا المد الإسلامي أكبر الأثر في تطور التجارة بينهم وبين أكبر كتلة اقتصادية شهدها العالم القديم، فانطلق الصينيون بأنفسهم ينقلون بضائعهم إلى ديار العرب وأخذت سفنهم تبحر شرقا إلى الموانئ العربية في الخليج والبحر الأحمر وساحل اليمن وحضرموت، وبالمقابل سهلوا للتجار العرب المسلمين الوصول إلى بلادهم والإقامة بها ومزاولة التجارة في حرية وعدل وأمان.
وأضافت أنه بفضل طريق الحرير وتبادل الرسل زادت معرفة الصين بالعرب تدريجيا، وحمل التجار من الجانبين مع بضائعهم ثقافة بلادهم وآدابها لينتعش التبادل الأدبي والثقافي يوما بعد يوم، فكان مسارًا ثقافيًا وحضاريًا واجتماعيًا له عظيم الأثر على المناطق التي يمر بها.
وتابعت "أبو غزالة" "لم تكن التجارة أو الاقتصاد فقط هو ما يتم نقله عبر طريق الحرير، وانتقل الورق عبره، مما أدى إلى تحقيق إنجاز حضاري كبير، ساهم بشكل كبير في تقدم البشرية وحفظ ذاكرة الإنسانية من الضياع، كما أقبل عدد من أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين ومحبي الأدب العربي، على ترجمة الأدب العربي ترجمة مباشرة، فترجمت أعمال لجبران خليل جبران، وطه حسين، ومحمود تيمور، واستمرت تراجم النصوص الدينية وكان أهمها ترجمة معاني القرآن الكريم، بالإضافة إلى سفر بعضٌ من الطلاب الصينيين المسلمين في ثلاثينيات القرن العشرين إلى مصر للدراسة في أزهرها"، مشيرة إلى أن هؤلاء الطلاب صاروا علماء أجلاء قدموا إسهامات جليلة في التبادلات الثقافية الصينية العربية، كما تطور تعليم اللغة العربية في الصين بسرعة شديدة.
وأشارت إلى مشروع "المكتبة الرقمية العربية الصينية" الذي يأتي في إطار البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي - الصيني، موضحة أن هذه المكتبة تعمل على تعميق التعاون بين المكتبات العربية في الدول الأعضاء ب جامعة الدول العربية والمكتبات الصينية لتحقيق طفرة في مجال المكتبات والمعلومات، وتبادل مصادر المعلومات التقليدية وغير التقليدية، وفقاً للبنية التحتية المعلوماتية المستخدمة في الدول العربية ومدى تكيفها مع البنية التحتية المعلوماتية في الصين، وإنشاء قاعدة بيانات تتاح على الخط المباشر كدليل استرشادي للمكتبات العربية والصينية الشريكة، ما يسهل عملية التعرف على المكتبات العربية والصينية في إطار الشراكة واحتياجاتها، وإقامة علاقات توأمة وشراكة بين المكتبات الوطنية في الدول العربية والصين.
وأكدت أهمية المكتبة في تعزيز علاقات التوأمة والشراكة بين المكتبات المركزية العامة والمتخصصة، وتشجيع التعاون البيني بين المكتبات العربية والصينية من خلال إقامة مشروعات طويلة الأجل تهدف إلى نشر التراث العربي والصيني المكتوب في الشكل الرقمي، مشيرة إلى أن المكتبة الرقمية العربية - الصينية تتكون في صفحتها الرئيسة من قسم خاص بالمكتبات الثلاث المؤسسة: جامعة الدول العربية ومكتبة الصين الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، إلى جانب قسم آخر للمكتبات الأعضاء في المكتبة من كل دولة من الدول العربية.