دائمًا ما تواجه الحكومات مجموعة من التحديات خاصة إذا جاءت خلال مرحلة بناء، وهى المرحلة التى تكون فيها طموحات الشعوب مرتفعة بشكل كبير.
فمع تكليف الحكومات يرتفع سقف الطموح وهو أمر طبيعى لدى المواطنين.
من المعروف أن التغيير الوزارى أو تكليف حكومة جديدة أو تغيير عدد من الوزراء ممن يتولون بعض الحقائب الوزارية يكون إما نتيجة عدم قدرة مسؤول الحقيبة الوزارية على مواكبة طموحات الدولة والمواطن، أو عدم قدرته على مواجهة الأزمات والتحديات التى تواجه القطاع الواقع فى نطاق مسؤوليته، أو انتقال الدولة لمرحلة جديدة تتطلب رؤية مختلفة لمواجهة التحديات وحاجتها لقرارات أكثر جرأة وحلول خارج الصندوق.
لكن عقب مرور فترة وجيزة من التغيير الوزارى أو التعديل الحكومي، يظهر الشارع من جديد حالة من عدم الرضا عن الأداء فى بعض القطاعات، وهنا تعلو نبرة المطالبة مرة أخرى بالتغيير، وتصبح الحكومة أمام تحد هو الأبرز، يتمثل فى كيفية الوصول إلى حالة الرضا الشعبى عن أدائها، إلى جانب مواجهة التحديات المتعددة فى كافة القطاعات.
هذا ما تواجهه حكومة الدكتور مصطفى مدبولى حاليًا، ففى ظل التحديات المتعددة ويأتى تحدى الوصول إلى حالة الرضا الشعبى فى مقدمة تلك التحديات.
لكن الرضا الشعبى مرتبط بالعديد من الملفات التى تواجهها الحكومة، وتعمل على حلها.
فعقب التعديل الوزارى الذى تم فى أغسطس الماضى حيث تم تغيير 13 وزيرًا وطال أكثر من قطاع جاء على رأسها القطاعات الخدمية، ارتفعت طموحات المواطن مع الحكومة الجديدة وقدرتها على مواجهة الأزمات.
لكن حجم التحديات لم يكن هينًا، فى ظل أزمة عالمية ضربت الجميع على مدى ثلاث سنوات، وما زالت، وآثارها السلبية تتزايد يومًا بعد يوم، الأمر الذى يلقى بأعباء إضافية على حكومة الدكتور مدبولى فى العديد من الملفات منها الأمن الغذائى والأوضاع الاقتصادية (التضخم) والارتفاع المتسارع فى الأسعار الذى تكون ردود فعل المواطن دائمًا عليه بأن يلقى باللوم على الحكومة.
دعونا نتوقف عند بعض تلك التحديات وكيف تواجهها حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، والتى يأتى فى مقدمتها حالة الرضا الشعبى عن أداء الحكومة.
وتعد هذه من أكبر التحديات التى تواجهها الحكومات، لكن يبقى كيف تتفاعل الحكومات المختلفة معها؟ وهل تتركها لتزداد؟ أم تستخدم منهجًا واقعيًا تكون فيه الشفافية والتواصل مع الشارع بشكل دائم ليصبح المواطن أكثر إدراكًا بحجم تلك التحديات والأزمات والأوضاع الحقيقية للدولة وتفاصيل خطة الحكومة فى المواجهة لكل تلك القضايا، ورؤيتها المستقبلية وتحركاتها باتجاه تنفيذ خطتها التى تقدمت بها للبرلمان (صوت الشعب) وجعلها تحصل على ثقته.
هذا ما يحرص عليه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى سواء خلال جولاته الميدانية أو عقب الاجتماع الأسبوعى لمجلس الوزراء، كما يوجه الوزراء دائمًا بضرورة التواصل مع المواطنين واستدامة الحوار معهم لاستعراض تحركات الحكومة فى مواجهة التحديات والاستجابة لمطالب المواطنين.
ويعد هذا تحركًا إيجابيًا من قبل رئيس الوزراء لكن يبقى الجانب الآخر وهو مدى تفاعل بعض الوزراء مع الأزمات.
فقدر الحكومة الحالية أنها تحمل على عاتقها استكمال عملية بناء الدولة وفق الرؤية التى حددتها القيادة السياسية للنهوض بالدولة ومواجهة الأزمات المتراكمة والتى كانت أحد أسباب ترهل الدولة قبيل أحداث 2011 وانهيارها عقب تلك الأحداث، ما جعل عملية إعادة بناء الدولة من التحديات التى تواجه الحكومة.
تحقيق الأمن والاستقرار
وقد نجحت الحكومات السابقة والحالية فى استعادة الأمن والاستقرار للدولة، فى ظل منطقة مضطربة وهو ما منحها فرصة للعمل على استعادة بناء مؤسسات الدولة والعمل على مواجهة الأزمات وإيجاد حلول جذرية لها؛ ومن وجهة نظرى أن هذا التحدى (عدم الاستقرار) من التحديات الصعبة التى نجح النظام فى مواجهته وتحقيق الأمن والاستقرار فى ظل تربص قوى الشر بالدولة المصرية، ودعم تلك القوى للتنظيمات الإرهابية.
الإسكان والقضاء على العشوائيات
كما تأتى ضمن تلك التحديات التى واجهتها الحكومة هى تحدى القضاء على العشوائيات خاصة العشوائيات الخطرة، ونجحت فى مواجهتها رغم تعقد تلك المشكلة، ما جعلها تتضخم على مدى عدة عقود ويصبح الحديث عن قدرة أى حكومة على مواجهة هذا التحدى وتحقيق أى إنجاز فيه ضربًا من ضروب المستحيلات، لكن الرؤية الدقيقة والتنفيذ الاحترافى والقرار السليم حول المستحيل إلى واقع واستطاعت مصر أن تقضى على العشوائيات، خاصة الخطرة وتعمل الحكومة على تطوير العشوائيات غير المخططة.
الأمن الغذائي
مع حجم الزيادة السكانية الذى شهدته الدولة المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة والذى بلغ أكثر من 25 مليون نسمة بمعدل زيادة سنوية 2.5 مليون نسمة، زاد معه حجم الطلب على السلع الغذائية بشكل كبير يزيد على 35%، مما جعل قدرة الحكومة على توفير الأمن الغذائى أمرًا صعبًا ما لم تكن لديها رؤية مدروسة، وعمل متواصل لمواجهة حجم الطلب المتزايد وتوفير احتياجات المواطنين وهو ما عملت عليه الحكومة من خلال التحرك والاستباق لتوفير السلع وإنشاء مخازن استراتيجية ومستودعات، والتوسع فى المشروع القومى للصوامع، ولولا تلك التحركات وهذا الحجم من المشروعات فى قطاع الزراعة والثروة الحيوانية وفى ظل ضعف سلاسل الإمداد، لكانت آثار الأزمة العالمية على المواطن أكثر شراسة.
لكن تلك الجهود التى استهدفت تخفيف حدة تأثير الأزمة العالمية على المواطن أضاع جزءً كبير منها ضعف بعض الوزارات فى مواجهة تجار الأزمات، رغم إعلان الحكومة فى اجتماعها الأخير منح التجار مهلة 15 يومًا لوضع الأسعار على السلع.
فالحكومة قد أصدرت من قبل (وزارة التموين) قرارًا ألزمت فيه شركات إنتاج المواد الغذائية بوضع السعر على المنتج، إلا أن القرار الوزارى الصادر برقم 330 لسنة 2017 بتاريخ 13 ديسمبر 2017 والذى نص فى مادته الأولى على تعديل القرار رقم 217 الذى يلزم المنتجين والمستوردين وموزعى السلع الغذائية والتجار، بتدوين سعر بيع السلع الغذائية للمستهلك، وإلزامهم فقط بإصدار فاتورة ضريبية موضح فيها الكميات وسعر البيع المقترح للمستهلك.
ثم صدرت تعليمات توضيحية أوضحت أن الفاتورة الضريبة المعتمدة من المورد سواء كان منتج أو مستورد أو موزع للسلع الغذائية هو أعلى سعر يسمح بإعلانه للمستهلك على السلع بما لا يمكن للتاجر تجاوزه.
وكان الهدف ضبط الأسواق، لكن تنفيذ القرار الوزارى لم يتم وفق ما أُعلن واستطاع تجار الأزمة التلاعب بالسوق، واستطاعت الدولة بزيادة المعروض من المنتجات فى 2018 فكبحت جماح الأزمة بالكامل من خلال زيادة المعروض.
أما الأزمة الحالية والتى تشهد أكبر عملية زيادة فى الأسعار من جانب التجار وأيضًا بعض المنتجين والمتربحين من الأزمة تحتاج إلى وقفه صارمة وتدخل حاسم من الحكومة لتخفيف العبء عن المواطن.
هذا ما أشرت إليه فى العدد الماضي، فلم تنجح وزارة التموين فى مواجهة تحدى الأسعار هذه المرة بل أن منافذ الشركات التابعة لها لم تستطع المواجهة واكتفت الوزارة بتصريحات التهديد لمتلاعبين بالأسعار، دون وجود حل يشعر به المواطن ويتحقق معه حالة الرضا الشعبى عن الحكومة.
لقد التهم عدم قدرة وزارة التموين على مواجهة الأسعار كافة النجاحات التى حققتها الحكومة فى العديد من القطاعات ومنها الصحة والإسكان والبنية التحتية والنقل والزراعة وغيرها من القطاعات الأخرى، وتجاهل المواطن كل تلك النجاحات، وظهرت عليه حالة عدم الرضا بسبب إخفاق وزارة التموين فى وقف طوفان زيادة الأسعار، رغم إعلان الوزير توافر المخزون الاستراتيجى من السلع لعدة أشهر بل إن بعض السلع يزيد حجم المخزون الاستراتيجى منها على 9 أشهر ورغم ذلك تواصل الأسعار جنونها.
ويرجع ذلك إلى ضعف الرقابة وتأخر اتخاذ القرارات فى مواجهة الأزمة وتطبيق القانون بحسم، لتخفيف العبء عن المواطن.
يعد نجاح الحكومة فى السيطرة على الأسعار من أهم التحديات التى تواجهها حاليًا وينتظر المواطن منها القدرة على ذلك.
حتى تتحول حالة عدم الرضا إلى العكس، خاصة ونحن ندرك جميعًا أن تلك الحالة تعد بمثابة أرض خصبة تعمل فيها قوى الشر لزعزعة الثقة بين المواطن والحكومة.
إن ما استطاعت أن تحققه حكومة الدكتور مدبولى من نجاح فى مواجهة التحديات العديدة ومواجهة العديد من الأزمات المتراكمة، بات فى مواجهة تحد يحتاج إلى تحرك أكثر قوة فى مواجهة تجار الأزمة.
فتطبيق القانون يعبر عن قوة الدولة، ومصر دولة قوية استطاعت خلال السنوات الثمانية الماضية أن تحقق ما لم تحققه خلال أكثر من 50 عامًا، وأصبح على الحكومة أن تفعل القوانين والقرارات الوزارية فى مواجهة تجار الأزمة، خاصة وأن طول أمد التعامل معها يمنحهم فرصة أكبر لنشر الشائعات وترويج الأكاذيب وجنى مزيد من الأموال من الأرباح المبالغ فيها التى يجنونها من جيوب المواطنين.
إلى وزير التعليم
الأسبوع الماضى وفي استجابة من وزير التعليم والتعليم الفني الدكتور رضا حجازي لأولياء الأمور، كلف الوزير المركز القومي للمناهج ومستشاري عموم المواد الدراسية بمراجعة توزيع منهج الفصل الدراسي الثاني للتأكد من عدم وجود دروس كان مقرر تدريسها فى شهر مايو المقبل نظرًا لتبكير موعد امتحانات صفوف النقل.
الاستجابة لطلبات أولياء الأمور أمر محمود إذا لم يكن يضر بالاستراتيجية والمنهج الذى وضعته الدولة لتطوير التعليم .. أما إذا كان غير ذلك فعلى الوزير أن يدرك أن مثل تلك القرارات قد تتسبب في تشويه المشروع القومي لتطوير التعليم.