"يا والدى.. إن السياسة السليمة هى قبل كل شىء درس الحالة كما هى، وتقدير نتائجها، ثم الإقدام بعد ذلك على العمل بكل حزم دون الالتفات إلى زيد أو عمر!".
هذه الجملة المختصرة والمعبرة والتى وردت فى إحدى مراسلات إبراهيم باشا لوالده محمد على تكشف عن تفكير سليم وعزيمة.
إنه البطل المصرى الذى لم يأخذ حقه – مقارنة بآخرين – فقد هزم اليونان والصرب والأتراك فى أكثر من معركة بل وقف على أبواب العاصمة السلطانية فى انتظار الإذن من والده بالاقتحام بعد أن تكشفت له ألاعيب السلطان الحاكم، فضلا عن دسائس الإنجليز والروس والذين نجحوا فيما بعد فى انحسار حكم محمد على وأسرته فى مصر فقط بعد أن كان يحكم المنطقة من السودان جنوبا وحتى سوريا شمالا، ومن الغرب ليبيا إلى الشرق حيث الحجاز واليمن!
لقد قضى إبراهيم حياته فى حروب متصلة من 1814 وحتى عام 1840 فى خدمة الخلافة الإسلامية ومصر، ولم يهزم فى كافة المعارك التى شارك فيها قائدا للجيش المصرى، الذى أسسه والده ودعمه بأسطولا بحريا قويا، فقد كان يحلم بإمبراطورية عربية، تحقيقا لرغبات المصريين والعرب، بعد أن نجح فى فتح عكا التى فشل نابليون فى فتحها من قبل، وصادق أمير لبنان وقتها بشير الشهابى وتمكنا معا من السيطرة على كل مدن الشام (سوريا ولبنان) وحكمها 8 سنوات كانت من أفضل السنوات التى عاشها الشوام طوال حياتهم.
لقد اختلف إبراهيم مع والده كثيرا ولكنه كان مطيعا منضبطا، فقد كان محمد على يتميز بالحكمة ودهاء السياسيين ويعمل على بناء مصر ليحكمها ويورث الحكم لأولاده وأحفاده من بعده.
بينما كان إبراهيم.. يمثل السيف والقوة مع العدل، فلم يكن مقتنعا بحكم الأتراك وكان يرى أنه من الأفضل إقامة إمبراطورية عربية إسلامية على أنقاضهم.. خاصة بعد أن هزم جيوشهم الجرارة فى قونية وأدنة، وطردهم من الشام.
لقد استمتعت جدا بقراءة كتاب المرحوم داود بركات "البطل الفاتح إبراهيم باشا - وفتحه للشام 1832" وهو أحد السلاسل التى تعيد هيئة قصور الثقافة طبعها للحفاظ على التاريخ والهوية المصرية.
ومن لا يعرف داوود بركات من الأجيال الجديدة، فهو سياسى لبنانى، عمل صحفيا فى مصر لفترة طويلة ثم رأس تحرير الأهرام لمدة ثلاثون عاما.
نعم.. لدينا حضارة قديمة.. وتاريخ حديث، وأبطال يشار لهم بالبنان.. وعلى رأسهم البطل "أبو إصبع" القابع بفخر على ظهر حصانه بميدان العتبة، حيث يشير بها إلى جزر اليونان وكريت ومالطا!