منذ عام 2011 ومصر تشهد أكبر معارك الشائعات ونشر الأكاذيب، ودعونى هنا أعود بكم إلى ما ذكرته من قبل حول أسلوب إدارة عملية التضليل ونشر الأكاذيب، فليست كل القضايا أو الموضوعات المطروحة يمكن لمحترفى إدارة معارك الحرب النفسية الموجهة للشعوب استخدامها والقدرة على النفاذ بها للشعوب المستهدفة، والتأثير فيها.
فقد كانت مصر والمنطقة العربية وما زالت أحد أهم المناطق التى تواجه حروبًا نفسية من خلال نشر الشائعات خلال السنوات الأخيرة.
صحيح أن المصريين وقفوا صامدين فى تلك المعركة واستطاعوا بناء وعى قوى فى مواجهة التضليل، إلا أن قوة المعركة تستلزم منا أن نتوقف عند بعض النقاط فيها، فمديرو عمليات الحرب النفسية الموجهة للمواطن المصرى يدركون قوة ارتباطه بالدولة الوطنية والحفاظ عليها مهما كلفة الأمر من تضحيات، فهم سرعان ما يستخدمون بعض القضايا الوطنية لنشر الأكاذيب حولها، ومحاولة طمس الحقائق.
لكن فى الحقيقة أن مع كل أزمة تحاول قوى الشر الدفع بها ونشر الشائعات لتشكيك المواطن فى حفاظ النظام على مقدرات الوطن، تكون النتيجة أننا نستطيع قياس مدى قدرة الشعب المصرى على حماية مقدرات هذا الوطن، فحملات النقد المحمودة تظهر بشكل واضح أن المصريين لن يفرطوا فى حبة رمل واحدة من تراب هذا الوطن، وهو الأمر الذى يجعلنا أكثر اطمئنانًا على مستقبل مصر.
ما شهدناه خلال الأيام الماضية من نقد لمشروع الصندوق الخاص بقناة السويس، هو نقد محمود لكن بعد عقد الفريق أسامة ربيع للمؤتمر الصحفى العالمى نهاية الأسبوع الماضى واستعراضه تفاصيل مشروع القانون المقدم من الحكومة للبرلمان، حول إنشاء صندوق يتبع هيئة قناة السويس ليكون بمثابة زراع استثمارية لتعظيم موارد الهيئة فى المستقبل، ورده على كافة التساؤلات وتأكيده عدم المساس ب قناة السويس أو ملكيتها والذى يكفله الدستور المصرى يستوجب منا جميعًا أن نتوقف قليلًا لنمنح أنفسنا فرصة لفهم ما يتم ولماذا يتم إنشاء الصندوق فى التوقيت الحالي.
أولًا ما حدث عام 2014 عندما قررت الدولة المصرية حفر قناة السويس الجديدة لم يكن أمامها طريق سوى أن تبحث عن تمويل للمشروع وخيرًا فعلت عندما قامت بالإعلان عن اكتتاب المصريين لإنشاء المشروع والذى أبهر العالم وكان أحد عوامل مضاعفة عائدات قناة السويس من 4 مليارات دولار سنويًا إلى 8 مليارات دولار سنويًا، ومن المتوقع أن ترتفع عائدات القناة لتصل إلى 12 مليار دولار سنويًا بتحسن الأوضاع العالمية وعودة سلاسل الإمداد وهو ما تستعد له مصر حيث تقوم الهيئة بتوسعة القطاع الجنوبى من القناة لتنتهى من هذه الأعمال العام القادم.
وأثبتت التجربة أن الهيئة لو كان لديها جناح استثمارى كان سيجنبها خلال خططها التوسعية التوجه للحصول على تمويل سواء من الخزانة العامة أو الاكتتاب العام.
ولأن هيئة قناة السويس لا تستهدف فقط أن تكون القناة مجرد مجرى ملاحى لعبور ال سفن والحصول على الرسوم فقط مقابل ذلك إنما تستهدف إنشاء مناطق خدمات وصناعات بحرية وصيانة وبناء سفن ومناطق تقديم خدمات لوجستية للاستفادة من هذا الممر الملاحي، كان لديها العديد من المشروعات المستهدفة من أجل تنمية محور قناة السويس، ما تطلب وجود صندوق استثمارى لديه المرونة فى استثمار الأموال ويوفر التمويل للمشروعات التوسعية للقناة دون الحاجة للضغط على الموازنة العامة للدولة.
أما أن يحاول البعض ترويج الأكاذيب بعد ما تحدث به رئيس هيئة قناة السويس خلال المؤتمر الصحفى وعلى الهواء مباشرة، فإن الإصرار على ترديد تلك الأكاذيب انحراف تام عن الحقيقة يتطلب منا البحث عمن يقف وراءها لنكتشف الصورة الحقيقية لتلك الحرب التى تقودها قوى الشر فى مواجهة الدولة.
لقد أجمع الخبراء الاقتصاديون على أن الصندوق بمثابة ذراع استثمارية مهمة لهيئة قناة السويس، كما أجمع القانونيون وأكد رئيس البرلمان أن مشروع القانون لم ولن يمس القناة أو ملكيتها، كما أن القانون رقم 30 لسنة 197 منح هيئة القناة - كهيئة اقتصادية عامة - سلطة استثمار جزء من حصيلة أموالها التى تخصص لها بضوابط محددة من خلال الموازنة العامة التى يتم إعدادها سنويًا وتعرض على البرلمان.
إن محاولات الصيد فى الماء العكر لإيقاف تحرك الدولة المصرية لن تتوقف ولكن يظل وعى الشعب المصرى وإدراكه وثقته فى القيادة هو أحد أهم أسلحة مواجهة تلك الحرب النفسية التى تتخذ من الأكاذيب والشائعات سلاحًا لها.