في مثل هذا اليوم عام ١٩٧٨.. أعلنت الجزائر وفاة هواري بومدين، الرئيس الثاني لها بعد الاستقلال، وأحد أهم وأبرز القادة العرب في القرن العشرين، وأحد رموز حركة عدم الانحياز بجانب الرئيس جمال عبد الناصر، والمعروف لدى أذهان المصريين بموقفه البطولي في إقناع
الاتحاد السوفييتي بإرسال أسلحة لمصر لمساندتها في حربها ضد إسرائيل، ليرتبط اسمه كشاهد على متانة وقوة العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر.
ولد بومدين في ٢٣ أغسطس عام ١٩٣٢، واسمه الحقيقي محمد إبراهيم بوخروبة، رفض الالتحاق بالجيش الفرنسي عندما تم استدعائه حيث كانت فرنسا تعتبر الجزائريين مواطنين فرنسيين، وتجندهم بين صفوف جيشها، وهرب إلى تونس، ومن تونس إلى مصر، حيث أكمل دراسته في الأزهر، واستطاع الجمع ما بين الدراسة والنضال السياسي، كما تدرب على حمل السلاح في صفوف الجيش المصري.
وخلال هذه الفترة الحاسمة من تاريخ العالم العربي، التي امتازت بصعود الفكر القومي المناهض للاستعمار، تأثر بومدين بجو الإحباط العام الذي عاشه العالم العربي الإسلامي عقب الهزيمة في حرب فلسطين (1948- 1949)، ثم تفاعل بحماس كبير مع الجو الوطني الذي عرفته مصر في مطلع الخمسينيات، إثر تصاعد عمليات النضال الوطني ضد الوجود البريطاني.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، ظهرت الحركات التحررية في مناطق أخرى في العالم، وكان من بينها جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي قاومت الاستعمار الفرنسي.
والتحق بومدين ب جيش التحرير الوطني واقترب من الحس الثوري لدى الفئات الشعبية التي ينتمي إليها، وهو ما أعطاه تلك القدرة على مخاطبة الجماهير واتخاذ القرارات في صالحها.
بدأ هواري بومدين مساره الوظيفي عسكريا مع اندلاع الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954، حيث انضم إلى جيش التحرير في المنطقة الغربية، وأشرف عام 1956 على تدريب وتشكيل خلايا عسكرية، ثم تدرج في المناصب حتى أصبح قائد الأركان الغربية، وأشرف على تنظيم جبهة التحرير الوطني عسكريا وتم تعيينه قائدا لأركان الجيش، ثم وزيرا للدفاع عام 1962 في حكومة الاستقلال، إلى أن تولى رئاسة الجزائر وساهم في الحفاظ على الثورة الجزائرية ومسارها السياسي والثوري.
وعلى خطى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، اتخذ الرئيس هواري بومدين القرارات الكبرى الاقتصادية والسياسية، كتأميم النفط والمحروقات وإشراف الدولة على القطاعات الإنتاجية، وتعميم نظام الثورة الزراعية واعتماد الاقتصاد الموجه، كما وضع دستورا وميثاقا أسسا ركائز "الدولة الجزائرية الحديثة".
وفي حرب أكتوبر، ترجم الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين حبه لمصر عبر مواقف خالدة في أذهان المصريين، كان أبرزها اتصاله بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتأكيد بومدين على أن الجزائر تضع كل إمكاناتها تحت تصرف القيادة المصرية، وطلب منه أن يخبره فوراً باحتياجات مصر من الرجال والسلاح فقال السادات للرئيس الجزائري إن الجيش المصري في حاجة إلى المزيد من الأسلحة و الاتحاد السوفييتي رفض تزويده بها، وهو ما جعل بومدين يسافر إلى الاتحاد السوفييتي آنذاك، ويبذل كل ما في وسعه بما في ذلك فتح حساب بنكي بالدولار لإقناع الروس بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري، وقيل في روايات أخرى أنه أعطى الروس "شيكا على بياض" ليكتبوا الرقم الذي يرغبون به.
وروت ابنة الرئيس الراحل أنور السادات كاميليا السادات في أحد اللقاءات التلفزيونية قائلة:" تلقى أبي اتصالا هاتفيا من الرئيس الجزائري هواري بومدين يخبره أنه أقنع السوفيت على مد مصر بالأسلحة التي طلبتها و أنه دفع ثمنها و يقف الآن بالميناء حيث بدأت عملية شحنها إلى مصر".
وأحيت الجزائر، اليوم، عبر وزارة المجاهدين مآثر وحياة الرئيس الراحل من خلال تنظيم ملتقى حول سيرته المفعمة بالمواقف العربية البطولية وذلك تحت رعاية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.