ثبات واستقرار سعر الصرف مطلب ملح الآن.
تمر مصر الآن بأصعب فترة من التحدي لتظل تطفوا على السطح ولتتجنب صدمات الأمواج العاتية في بحر الاقتصاد المتدهور عالميا.
ربما تتلخص مشكلة مصر في أمرين نتج عنهما هذا التخبط الذي نواجهه
أولًا: سحب النقود الساخنه "hot money"، والتي تُقدر بحوالي 22 مليار دولار، نتيجة للظروف العالمية، منها حرب روسيا وأوكرانيا، وكذلك رفع الفائدة بواسطة الفيدرالي الأمريكي.
ثانيًا: الأعباء التي أُضيفت على كاهل الاقتصاد المصري نتيجة لارتفاع أسعار السلع عالميا، وذلك أيضًا نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، والتي تُقدر بـ 13 إلى 15 مليار دولار. وبذلك يكون العبء الذي أضيف على اقتصادنا حوالي 37 إلى 40 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا الاحتياطي النقدي للمركزي المصري.
نتيجه لهذين السببين الرئيسيين، نتج الآتي:
- شبه توقف للاستيراد، لعدم توفر السيولة النقدية الأجنبية.
- تعثر المستوردين في إنهاء الشحنات الخاصة بهم في الجمارك المصرية لنفس السبب.
ونتيجة لهذين السببين بالتزامن مع تعويم الجنيه المصري وتحرير سعر الصرف، حدث الآتى:
1- انخفاض قيمة الجنيه المصري من 16 جنيه إلى أن وصل إلى 24 جنيه، وهو ما توقعته كل الدوائر المالية بالعالم كسعر حقيقي للجنيه المصري.
2- إطلالة الشبح القديم علينا مرة أخرى وهو السوق السوداء والمضاربة على العملة، والتي كانت انتهت ونسيناها عندما تم تقييد الاستيراد بحزمة من الإجراءات البنكية جعلت السوق السوداء ليس لها أي تواجد على أرض الواقع.
3- ارتفاع جنوني يكاد يكون يومي في أسعار كل السلع تجاوز في بعضها المائة بالمائة، وذلك لتعامل كل التجار وليس المستوردين فقط على أساس أعلى سعر للدولار، حتى لو كانت بضائعهم قد تم تصنيعها محليا أو تم استيرادها بسعر سابق قبل ارتفاع الدولار.
4- إقبال غير طبيعي لأصحاب رؤوس الأموال على شراء الذهب والعقارات بحجة أنها أمان عن الاحتفاظ بالجنيه.
5- بدأ المصريون بالخارج بالسؤال كما شاهدت على كثير من المواقع عن بعض البنوك أو المؤسسات المالية التي يمكنها أن تسلمهم أموالهم بعد تحويلها إلى مصر دولارات وليس بالجنيه، أو بيعها في السوق السوداء لتشتعل المنافسة أكثر على الجنيه المصري.
6- تراجع حاد في فكرة الاستثمار للمستثمر المحلي والقطاع الخاص، وذلك لعدم استقرار وثبات السوق.
وبذلك تكون المشكلة الرئيسية في مصر الآن هي نقص المعروض والمتداول من الدولار، وحتى مع محاولات رفع الفائدة كما تم مؤخرا من المركزي المصري، فقد أدى ذلك بالفعل إلى، تحسن سعر الجنيه، ولكن سيكون ذلك التحسن مؤقت بعدها يمكن أن يعاود الهبوط مرة أخرى إذا لم يتم الآتي؛
أولًا: سرعة الإفراج عن البضائع المحتجزة بالجمارك.
ثانيًا: تدارك مشكلة تحويلات المصريين بالخارج والذي تمثل عائداتهم بالعملة الأجنبية حوالي 33 مليار دولار، والتي تُعتبر ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد المصري، فعلى أثر ماحدث أصبح هناك اتجاه لتحويل أموالهم ليس لإنعاش الاقتصاد ولكن لتخزينه بالداخل أو شراء ذهب أو عقارات، أو بيعه للوسطاء بالخارج بسعر السوق السوداء، وحرمان الدولة من الاستفادة من هذة السيولة الدولارية وحفاظا على قيمة، وهذا أيضًا من أخطر ما يمكن أن يحدث على الاقتصاد المصري في هذا الوقت الراهن.
هذا هو حجم المشكلة الآن وما ترتب عليها من أثار.
الحلول أو الاقتراحات المفترضة خلال الفترة الراهنة:
أولا: سرعة توفير وفرة دولارية سريعة، والسؤال هنا كيف يتم ذلك، فلو كان هذا مُتاحًا وسهلًا لما حدث كل ذلك؟
يمكن ذلك ولكن على مراحل، مبتدأين بالأولى فالأولى.
وما تم الحصول عليه من صندوق النقد الدولي 347 مليون دولار بالإضافة إلى تدخل البنك المركزي ولو جزئيا، يمكن استغلاله في حل جزء من مشكلة الإفراج الجمركي للبضائع المحتجزة بالجمارك، وهذا بدورة سوف يؤدى إلى تحسن نسبي في المشهد العام، وهذا التدخل يجب أن يراعى الأولى فالأولى فمثلا يكون الأولى:-
- للشركات والمصانع التي لها مردود تصديري للخارج يكون لها الأولوية للإفراج عن مدخلات إنتاجها مع أخذ الضمانات اللازمة منها على تسديد كل ذلك بالعملة الأجنبية بأسرع وقت.
- الإفراج وبسرعة عن البضائع الخاصة بالأعلاف والسلع الأساسية للمعيشة حتى ينعكس ذلك على أسعار اللحوم بكافة أشكالها وعلى الوضع المعيشي العام، وسوف يحدث ذلك تغيرا كبيرا على المزاج العام لدى الشارع مع الشعور بالأمل في المستقبل.
- السماح بالإفراج السريع عن كل محتويات الحاويات مع أخذ الضمانات اللازمة على المستوردين حتى لا يتحمل المستورد المزيد من غرامات التأخير للحاويات بالعملة الأجنبية، ما تستطيع الدولة توفيره للإفراج عن كل ما تم ذكره يمكن تقسيطه على المستورد لتسديده لاحقا عندما يستقر السوق.
- تأجيل الإفراج عن المستلزمات الغير مستخدمة في مدخلات الصناعة والتصدير وكذلك غير الأساسية وجعلها في مرحلة تالية ولكن مع السماح بتفريغها من الحاويات الأجنبية وعدم أخذ غرامة تأخير أرضية عليها لحين انفراج الموقف، وهذا التصرف هو خارج الصندوق ولكن في منتهى الأهمية الآن.
يكون هذا الإفراج الجزئي للبضائع، على قدر ماتم تخصيصه من ميزانية تستطيع الدولة تحملها، حتى لو تم الاستعانة بأي صندوق عربي لتمويل كل ذلك، مع أخذ نسبة فائدة أو أي مقابل استثماري على المدى القصير وكأنه قرض خصوصا أنه سيكون هناك عائد سريع بعد تصدير بعض المصانع لمنتجاتها، وهذا هو تكاتف الأخوة عند الأزمات.
ثانيًا: التدخل وبسرعة لمحاصرة السوق السوداء والضرب بيد من حديد على كل متاجر بقوة الشعب، وهذا لايخالف العرض والطلب فكل دولة لها الحق في تعديل مسار أي اعوجاج في مسارها الاقتصادي، فالضرب بيد من حديد على كل عناصر السوق السوداء مع تقليل الاحتياج لها بالترتيبات التي ذكرت في أولا، سيقلص كثيرا من تأثيرها السلبي على الاقتصاد المصري في الوقت الحالي.
ثالثًا: المحافظة على التدفقات المالية للمصريين بالخارج والتي تقارب 33 مليار دولار، وذلك بأصدار حزمة من القرارات والتي يمكن أن تحفز هذا البند المهم من الاقتصاد المصري واقترح الآتي:
بعد حدوث استقرار نسبي لسعر الصرف يتم تحفيز المصريين بالخارج أن كل تحويلاتهم أن ظلت بالبنوك المصرية كدولار يكون له نقاط على حسب المبلغ، وأن تم تحويله إلى العملة المصرية بالبنوك المصرية يكون له نقاط أعلى مثلا الضعف، وتحسب هذه النقاط لاحقا لتكون تخفيضا لجمارك السلع التي يحضرها معه أي مغترب لاحقا، ستكون هذة الفكرة أكثر واقعية من فكرة مشروع السيارات التي لم تتم على الوجه الأمثل.
رفع سعر الفائدة حتى لو بـ 200 نقطة يعني 2% زيادة عن المعمول به لكل مغترب يحول أمواله إلى جنيه مصري ويعمل بها شهادات إدخارية، وكذلك لمن يفعل ذلك من الداخل لتحويل دولاراته إلى شهادات إدخاريه بالجنيه المصري.
بعد أن يتم الإعلان عن هذه الرزمة من التحفيز، لا يتم عرقلة حصول المغترب على أمواله بالدولار عند صرفها بمصر، لأن ذلك سيعطى إحساس بالأمان والطمأنينة لقوة الدولة وستعود تلك المبالغ لاحقا إلى البنوك.
رابعًا: إنشاء هيئة خاصة للبرامج السياحية على وجه السرعة واسنادها إلى شخص متميز ومبتكر بعيدا عن وزارة السياحة ويكون المسؤول عنها تحت إشراف خاص من الرئاسة، واستحضرت ذلك المشهد من فيلم ناصر 56، عندما أوكل الرئيس عبد الناصر مسؤولية تأمين تأميم قناة السويس لشخص محدد ووفر له كل احتياجاته وأصبح مسؤول شخصيا أمام الرئيس.
هذا الهيئة ستكون مسؤوليتها تدبير برامج فورية للسائحين حتى لو بسعر التكلفة وذلك بالتنسيق مع كل الجهات المنوطة بذلك من وزارة الطيران والفنادق والمنتجعات إلخ، وذلك لجلب أكبر عدد من السائحين في هذا الشتاء مستغلين تكلفة الطاقة المرتفعة الآن بأوروبا، وتكون هناك دعاية منظمة ومستفزة لكل أوروبي في التفكير للحضور، سيكون دورها جذب أكبر قدر من العملات الأجنبية السريعة واعتقد أن هذه الفكرة لو تم استغلالها بنجاح ستكون عاملا مهما في إنقاذ الموقف على المدى القصير.
أيضا يمكن لهذه الهيئة الإعلان في وسائل التواصل الاجتماعي لكل دول العالم خصوصا الدول الأوروبية عن مسابقة مثل مسابقة حلم، وهي إرسال رسالة ممكن تكون بخمسة دولارات ومن يكسب يكون له زيارة وإقامة مجانية لمصر لمدة 15 يوما مثلا.
ويعلن عن عدد معين حتى يكون الإغراء كبير مع متابعة عرض تفاصيل رحلتهم على مواقع السوشيال ميديا لجذب أعداد أخرى أكبر، وليس الهدف هنا هو الخمسة دولارات ولكن لخلق حالة وصدى عن فكرة السياحة إلى مصر في المجتمع الأوروبي كله، إلخ من الأفكار التي يمكن ابتكارها.
خامسا: حان الوقت للبدأ في التفكير في خلق سوق مهم وواعد للمنتج المصري، وذلك بإنشاء قسم خاص بوزارة الصناعة وأيضا تحت إشراف خاص من الرئاسة لاختيار رواد من كل أنواع الصناعات الصغيرة حتى لو كان منهم صنايعية ولكن مميزين، ثم يتم وضع برنامج لسفرهم إلى معظم الدول العربية والإفريقية، لدراسة الأسواق واحتياجاتها عند تلك الدول، مع معرفة كل المنتجات المشابهة المستوردة لديهم ودراسة مكوناتها وأسعارها ومدى جودتها حتى نستطيع المنافسة بعد ذلك، ثم بعد عودة هذة المجموعات يتم الاهتمام بتلك الصناعات الصغيرة والتحضير لتصنيعها في مصر بجودة عاليي وبعدها يكون دور وزارة التجارة والمستثمرين في تصدير تلك السلع.
لذا إذا نافسنا بمنتج عالي الجودة وسعر معتدل سيكون لنا قدم في تلك الأسواق مستقبلا.
سادسا: أيضًا تبادل تجاري بالعملات المحلية بين مصر وبعض الدول، مثل روسيا والصين، وأعلم أنه تحدي ولكن يمكن تنفيذه في هذه الفترة بالذات مستغلين الأزمة العالمية واحتياج كل دولة لتحسين أحوالها الاقتصادية، وأنا أعلم أن هذا الاتجاه تحاول فيه الدولة الآن.
سابعًا: على المستوى المحلي،
الجدية في تنفيذ كلام السيد رئيس مجلس الوزراء بوضع السعر على كل السلع وكما طالبنا به في المقالة الأولى من فن الممكن ياحكومة.
نشر أكبر عدد لمنافذ بيع السلع الأساسية ولكن بأسعار تكون فعلا فارقة عن السوق وليست قريبة جدا كما هو الحال الآن.
ضم كل من تحت مظلة تكافل وكرامة إلى التموين وعمل بطاقة تموين لهم فهم أولى الآن من غيرهم.
عدم إصدار أية قوانين الآن خاصة بالضرائب أوغيرها مما يزيد من إرهاق المواطن المصري حتى لو كانت مطلوبة وواجبة، فالتوقيت أحيانا يكون أهم من الفائدة، فيجب أن يكون التفكير منطقيا ويواكب الحدث وليس روتينا ولايرى.
هذة كانت فكرة عن الوضع الحالي وبعض الحلول خارج الصندوق من شخص نعم غير متخصص في الاقتصاد لكن يُعبر عن رؤيه ونبض الشارع، نرسلها للحكومة عل وعسى تكون هذه الأفكار غير مكلفة وقابلة للتنفيذ، مع الأمل إن شاء الله في مستقبل مشرق لمصر بفضل ما يبذل من جهود وما تم إنجازه لتكون لبنة في بناء صرح أم الدنيا.