شاربل ملحم.. كروان راديو الشرق الأوسط بكندا فى حديث خاص: رسالة السيدة الكفيفة كانت أجمل هدية

شاربل ملحم.. كروان راديو الشرق الأوسط بكندا فى حديث خاص: رسالة السيدة الكفيفة كانت أجمل هديةالإعلامى شاربل ملحم خلال حواره مع الزميل حسام عبد القادر

لا شك أن الفترة من نهاية 2019 وحتى نهاية 2021، التى شهدت تفشى فيروس كورونا كانت فترة سيئة وعصيبة جدا على كل العالم، ولكنها على المستوى الشخصى كانت هى الأسوأ لى فى حياتي، لم يكن مضى على مجيئى كندا سوى عدة أشهر فقط، وكنت لاأزال أتلمس الطريق، وفجأة يأتى القدر محملا بكورونا هذا الفيروس اللعين الذى أوقف العالم كله، وأوقفنى معه، شلل فى كل شيء، كلمة ممنوع هى المسيطرة على الحياة، ممنوع الاقتراب، ممنوع التعامل، ممنوع الخروج، ممنوع دخول الأماكن، ممنوع الزيارات حتى للأهل والأصدقاء، وهكذا انتشرت الممنوعات حتى أصيب الجميع بحالة اكتئاب.

فى هذه الأثناء وفى قمة الأزمة، كنت أبحث عن أى وسائل إعلام عربية لكى استمع إلى اللغة العربية، انتبه سمعى مصادفة إلى صوت عريض جميل يخرج من راديو الشرق الأوسط بمونتريال، يقدم للناس النصائح ويبشرهم بأن غدا أفضل، وأن علينا الصبر واتباع التعليمات، هذا الصوت كان يعطى الأمل ويبث الطمأنينة فى الناس، لمسنى بشكل غريب وأحسست أن كلامه موجه لى بشكل شخصي، وأظن هكذا يشعر كل من يستمع إليه.

هو صوت الإعلامى الكندى «شاربل ملحم» اللبنانى الأصل والذى برأيى تربع على عرش أهم إعلامى عربى فى مونتريال وقد يكون فى كندا كلها، والذى أعطاه هذه المرتبة هم المستمعون أنفسهم من كل الجالية العربية بمونتريال، والتى تزيد على نصف مليون شخص.

ذكرنى شاربل بإعلاميين قديرين أثروا فينا كثيرا، مثل فضيلة توفيق وبرنامجها الرائع «أبلة فضيلة»، ليلى رستم، إيناس جوهر، وأحمد سمير، سلوى حجازي، وطارق حبيب وغيرهم.

ولأن صوت الإعلامى سواء عبر الراديو أو التليفزيون – وإن كان فى الراديو أقوى- له كاريزما وشخصية وتأثير كبير جدا على المستمع، فأنا لا أبالغ إن قلت أن كروان راديو الشرق الأوسط ب كندا هو شاربل ملحم بلا منافس، رغم وجود كفاءات أخرى عديدة داخل الراديو.

وتكتمل موهبة وكاريزما صوت شاربل بالمحتوى الذى يقدمه، فهو حريص على تقديم محتوى إعلامى خدمى ترفيهى وثقافى واجتماعي، يتمتع بخفة الظل وبالشدة والتحذير فى وقت آخر، قد تختلف معه فى آرائه ولكنك تحترمه وتحترم ثقافته وما يقدمه للمستمع الذى يستفيد كثيرا من المحتوى المليء بالمعلومات التى تهم كل مهاجر عربى داخل كندا.

ظللت أتابع شاربل أكثر من عامين قبل أن أقرر إجراء حوار معه، كنت أريد أن أكون رأيا متكاملا عنه كإعلامى يخاطب الناس ويؤثر فيهم، إلى أن جاءت اللحظة المناسبة والتقينا واتفقنا على موعد لإجراء الحوار.

تعجبت عندما علمت من شاربل أن عمله كإعلامى ليس هو الأساس، فهو مجاز فى مجال التمريض وعلى مستوى الدراسات العليا، ومتخصص فى الإدارة وهو أيضا مدير إدارة رعاية دائمة، فهو على صلة وثيقة وكبيرة بالمتابعة الطبية وبالمرضى ويوجه للعلاج الصحيح، وقد يكون اختلاطه الكبير مع المجتمع من خلال هذا المجال المهم، جعله محاطا بما يحتاجه الإنسان فى دولة مهجر مثل كندا.

ويقول شاربل «هناك تشابه كبير بين الرعاية الصحية والإذاعة، فأنا دائما أسمع وأرشد، سواء كان المستمع مريضا وأسرته، أو مستمع الراديو، كما أن الإذاعة لها فضل على وساعدتنى على أن أطور أسلوبي، مما جعل الناس تركز معى فى محتوى ما أقول، وبالتالى أصبح المهنتان تؤثران على بعضهما البعض بشكل أساسي».

فى عمر الـ 17

ويحكى شاربل عن البداية فى مجال الإذاعة قائلا «عندما كان عمرى 17 عاما، كنت أشارك بالقداس فى الكنيسة وأقرأ رسالة عظة الأحد، فانتبهوا لصوتى ونصحنى كثيرون أن استغله فى مجال الإذاعة، وكان راديو الشرق الأوسط ما زال فى بدايته، ولكى تستمع إليه يجب أن تحصل على جهاز مخصوص مشفر كان يباع بمئة دولار قبل أن ينتقل إلى الموجة العامة».

واتصلت برقم الإذاعة وردت على «زينة» الإعلامية القديرة التى أسست الراديو مع زوجها «طونى كرم» سألتها إن كانوا فى حاجة إلى مذيعين، فحددت لى موعدا من هذه المكالمة، وكانت بحكم خبرتها وأذنها الحساسة تنبأت أن صوتى إذاعى ويمكن أن يكون له شأن بالراديو ومن هنا كانت البداية فى 1997، وفى الحقيقة طونى كرم وزينة وثقوا فى وأعطونى الفرصة بشكل رائع.

وتطور الأمر عندما حصل راديو الشرق الأوسط على الرخصة فى 2006 وأصبح مسموعا على الموجة العامة، فزاد عدد المستمعين وكان لى برنامج صباحى من الإثنين إلى الجمعة من التاسعة صباحا حتى الثانية عشر ظهرا، بعنوان «بونجور مع زمور»، واخترت الاسم ليكون فكاهى لكى أبدأ النهار بإيجابية وببسمة، واخترت كلمة «بونجور» لأنها فرنسية لأننا فى مقاطعة فرنسية، وزمور لأنها على نفس الوزن وبها طاقة ترفيهية لصباحك، وحقق البرنامج نجاحا كبيرا.

واستمر البرنامج، ثم انشغلت فترة طويلة لظروف شخصية ولطبيعة عملي، ثم عدت من جديد وبدأت برنامجا آخر أقدمه مرة كل أربعاء من الثالثة والنصف حتى السادسة مساء، وأركز فيه على القضايا المختلفة الاجتماعية والثقافية والنصائح التى توجه للمهاجر الجديد، مع جزء ترفيهى أيضا.

كان حوارى مع شاربل فى مقهى عربى أصيل وفى أجواء شتوية كندية تصل الحرارة إلى درجة التجمد، ولكن دفء الحوار كان يعوض برد الجو خارج المقهى، إضافة إلى دفء الجمهور الذى كان يأتى دائما ليقاطعنا ليسلم على شاربل ويثنى عليه وقال الشهرة لا تعنى أى شيء بالنسبة لي، ولكن محبة الناس أهم كثيرا، وعندما أعلم أن الناس استفادت منى فهذا هو قمة نجاحي».

سيدة كفيفة

ويحكى شاربل عن قصة مؤثرة جدا حدثت له مع سيدة كفيفة، كانت تستمع إلى برنامجه يوميا، وفى يوم من الأيام مرضت ودخلت المستشفى، فطلبت من ابنها أن يحضر لها الراديو لكى تستمع إلى شاربل، وكان ابنها مندهشا بسبب اهتمامها بهذا البرنامج حتى فى مرضها، ثم تمنت من ابنها لو استطاع أن يخبر شاربل أنها تريد أن تراه.

قام الابن بالاتصال بالراديو وترك رسالة لشاربل، فقام بالاتصال به ليفهم ما هو الموضوع، وعندما شرح له الوضع، أخذ اسم المستشفى ورقم الغرفة، وذهب للسيدة مصطحبا باقة ورد، وكم كانت سعادة السيدة الكفيفة التى أحست به عندما استمعت إلى صوته داخل حجرتها، وقالت له إنها تشعر أنها تراه، وأنها شفيت لأنه زارها، وحقق أمنيتها، ثم أخذت تحكى لكل من يأتى إليها عن زيارة شاربل، وكانوا معظمهم ليس من مستمعى الراديو أو برنامج شاربل، حتى توفاها الله.

يقول شاربل إن موقف هذه السيدة وما حدث معها، بالنسبة له هو أكبر مكافأة له وأهم من أى شيء آخر، وأشعره بأهمية الدور الذى يقوم به من خلف الميكروفون.

الجمهور العربي

سألت شاربل عن كيفية اختياره لموضوعاته، خاصة أن الجمهور العربى هنا هو جمهور مختلف ومتنوع ويمثل كل البلاد العربية وهو ما يمثل صعوبة أكثر له كإعلامى.

وافقنى بشدة على كلامي، ولكنه أكد لى أنه أولا يتحدث بلغة عربية بسيطة حتى يفهمها الجميع من كل الجنسيات واللهجات، وثانيا يختار موضوعات جريئة لمساعدة الناس على الفهم المجتمع الكندي، والأهم هو فهم القانون الكندي، موضحا أن فهم القانون الكندى هو أولى الخطوات هنا لمساعدة الناس على المعيشة، فقد تكون لك آراء شخصية تختلف عن الآخر وهذا حقك، ولكن عليك ألا تخالف القانون، وهذا ما أحاول توصيله للناس من خلال الراديو.

ويضيف قائلا: الحيادية مبدأى ليس فقط فى البرنامج بل فى حياتى كلها، وليس لدى أى انتماء، وهذا ما يصل للناس، وأحاول أن أرسخ موضوع تقبل الآخر بطرق عديدة لأن مجتمعنا رافض للآخر لمجرد أنه مختلف، ولذلك أحاول دائما أن اسمع للآخر، ثم أجيب عليه بشكل أكثر دقة ومن خلال الثقافة والعلم والأخلاق، ثم أتطرق للموضوع من الناحية القانونية فكيف ينظر القانون للموضوع؟ وهذا هو المهم، ولذلك أحاول أن أحمى المستمع ولا أطلب منه أن يتقبل أى موضوع ولكن عليه أن يحترم الموضوع، وأنصح دائما «تقبل الآخر حتى يتقبلك الآخر».

ويستكمل شاربل قائلا: يجب أن نعترف أن المجتمع العربى فى كندا يعانى من التعصب والطائفية والأحكام المسبقة، حتى نظرته للمرأة كسلعة مستمرة مع الأسف، ولكى أكون صريحا أكثر، إن هذه المشاكل موجودة فى مجتمعات أخرى عديدة وليست عندنا فقط، ولكن عندنا أكثر قليلا.

ويجب علينا أن نتغير خاصة لمن يعيشون فى كندا أو أى مجتمع غربي، صحيح هناك كثيرون تغيروا ولكن هناك كثيرون غيرهم لم يتغيروا، فلابد أن نعترف بنقاط ضعفنا ونحاول أن ننفتح على الآخر، وهذا لا يعنى أن نتنازل، ولكن معناه أن تزيل الحواجز بينك وبين الآخر، وهذا هو دور الإعلامى الذى يقع عليه عبء كبير ويجب أن يقوم به دون أى تردد، خاصة إن كان فى دولة مهجر مثل كندا.

أضف تعليق