ردت دار الإفتاء المصرية عن حديث ينتشر بين العامة يزعم من يقوله أن الملائكة تلعن الشخص الجنب بعد الجماع حتى بقوم بالاغتسال.
جاء ذلك ردا على سؤال "ينتشر بين الناس أنَّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أن الملائكة تلعن الجنب فى كل خطوة يخطوها"، أو "أنها تلعنه حتى يغتسل". فما مدى صحة هذا الكلام؟".
وقالت الإفتاء على موقعها الإلكترونى على شبكة الإنترنت: "الجنابة لغة: البُعد؛ ضد القُرب، وجنَّب الشيء، وتَجانبه، واجتنبه أى: بعد عنه، يُقال: أجنب الرجل؛ أى: أصابته الجنابة، وإنما قيل له: جُنُب؛ لأنه نُهى أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، فتجنَّبها وأجنَب عنها، أى: تَنحَّى عنها، وشرعًا: أمر معنوى يقوم بالبدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مُرَخِّص".
وأضافت الإفتاء: "ولم يرد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الملائكة تلعن الجنب فى كل خطوة يخطوها، أو أنها تلعنه حتى يغتسل، وإنما الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ملائكة الرحمة لا تقرب الجنب حتى يغتسل أو يتوضأ؛ روى أبو داود فى "سننه" عن عمَّار بن ياسر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ، وَالْجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ".
وفى هذا الصدد، قال العلامة محمد أشرف شرف الحق العظيم آبادى فى "عون المعبود شرح سنن أبى داود".. "لَا تَقْرَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ"؛ أى: النازلون بالرحمة والبركة على بنى آدم لا الكتبة؛ فإنهم لا يفارقون المكلفين".
وتابعت الإفتاء: "ممَّا يدلّ على عدم صحة ما ورد على لسان السائل من أنَّ الملائكة تلعن الجنب؛ ما رواه ابن حبان فى "صحيحه"، والحاكم فى "المستدرك"، والبيهقى فى "السنن الكبرى"، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضى الله عنهما، فِى قِصَّةِ أُحُدٍ وَقَتل شَدَّاد بْن الْأَسْوَدِ، والَّذِى كَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ شَعُوب، حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِى عَامِرٍ رضى الله عنه، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآله وسَلَّمَ: "إِنَّ صَاحِبَكُمْ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ"، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ: "لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَة".
وإذا ما حصلت الجنابة فينبغى المسارعة إلى الطهارة منها ما استطاع الجنب إلى ذلك سبيلًا؛ فقد استحب بعض الفقهاء عدم تأخيره؛ لما يخشى من أثر تأخيره على النفس بكثرة الوساوس ونحوها؛ قال العلامة ابن ميارة المالكى فى "الدُّر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضرورى من علوم الدين": "وتأخير غسل الجنابة يثير الوسواس، ويمكن الخوف من النفس، ويقلل البركة من الحركات"ز
وبناءً على ذلك: فلا يصحّ شيءٌ ممَّا درج بين العوام من أن الملائكة تلعن الجنب فى كلِّ خطوةٍ، أو أنها تلعنه حتى يغتسل، ولا تجوز روايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.