لا تعد الإسكندرية عروس البحر المتوسط فقط، بل هي أيضًا عروس «الوحدة الوطنية»، فعلى أرضها تتجسد العديد من قصص التآلف والأخوة بين نسيجي الأمة من المسلمين والمسيحيين، بشكل أكبر وأوضح مما يتواجد فى أي محافظة أخرى.
وربما يعود ذلك إلى الطبيعة الفريدة للإسكندرية.. "المدينة الكوزموبوليتانية.. أو المدينة متعددة الثقافات والحضارات" والتي احتضنت على مدار سنوات طويلة جاليات أجنبية، متعددة الجنسيات.. يونانية وإيطالية وأتراكًا وفرنسيين وألمانا، وغيرهم، انصهروا جميعا فى المجتمع السكندري، كما أنها كانت هي المدخل للمسيحية إلى مصر وإفريقيا، وبها الكنيسة المرقسية.
ومن الطبيعة المتفردة التي تتميز بها الإسكندرية، أنها تضم 27 مدرسة تابعة للكاتدرائية الكاثوليكية.
وهناك شخصيات شهيرة من المسلمين، تخرجوا من تلك المدارس، منهم د.عصمت
عبد المجيد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، و د. مفيد شهاب وأشقاؤه، والمهندس رشيد محمد رشيد، والملكة نازلي وغيرهم من السياسيين والفنانين والشخصيات العامة.
80% من المسلمين
يقول الأب ميشيل شفيق، الأمين الفرعي للمدارس الكاثوليكية بالإسكندرية، إن مصر بها 172 مدرسة تابعة لكاتدرائية الروم الكاثوليك، ونسبة الطلبة المسلمين بهذه المدارس 80%..
وأكد أنه لم يشعر فى يوم بفرق بين المسيحيين وإخوانهم المسلمين فى مصر، مضيفًا: «هل رأيتم من قبل مسيحي أو مسلم يترك مفتاح بيته لجاره ليذهب إلى المصيف إلا فى مصر؟.. ولا فرق هنا إذا كان الجار مسلما أو مسيحيا.. أنا حضرت ذلك وحضرت الاحتفال بعمل كعك العيد بين البيتين ، بيتنا المسيحي وبيت الجيران المسلمين، وتحديدا والدتي وجارتنا الحاجة أم عباس.. وخلال شهر رمضان كل عام كثيرا ما نقيم حفلات إفطار لإخواننا المسلمين ونعلق فانوس وزينة رمضان، والطلبة والطالبات فى المدارس الكاثوليكية ينظمون حفلات إفطار جماعى ويفترشون أرض مسرح المدرسة ويضعون الطعام ويتناولونه.. الجميع سواء مسلم أو مسيحي وقت المغرب، بل إن الكثير من شباب فى راعية غيط العنب يخرجون وقت المغرب فى شهر رمضان إلى الشارع ومعهم أكواب العصير والتمر ليفطر به كل من يمر بالشارع أو يكون ذاهبا لصلاة المغرب».
ويضيف الأب بيشوى: «الدكتور فريد أنطون من لبنان، كان يقول عنا كمصريين شعب غريب جدا، فالعمارة الواحدة لا تستطيع التفرقة فيها بين شقة المسلم وجاره المسيحي، بل أحيانا لا تستطيع التمييز بين الطالبات المسيحيات بالمدرسة وزميلاتهن من المسلمات»، مضيفًا: «نحن فى مصر نتركها على الله، ونثق فى أنه لن يحدث أبدا تفرقة بيننا وبين إخواننا المسلمين» .
فريد البتول وإخوته
ومن أجمل صور الوحدة الوطنية الأخرى فى الإسكندرية، قصة فريد البتول وأشقائه الخمسة، وهم تجار موبيليا أقباط يقومون بعمل مائدة إفطار لجيرانهم من المسلمين، والعمال فى معرضهم والفقراء فى المنطقة التي يسكنون بها، كما يقومون كل عام بتعليق فانوس رمضان وزينة أمام منزلهم ويحضرون حفلات الإفطار التى يقيمها الجيران المسلمون.
ويقول نادر البتول: "الشارع الذي نسكن ونعمل به ليس به أي أسرة مسيحية إلا أسرتنا، ولكن المحيطين بنا فى الشارع هم إخوتنا وأحبابنا المسلمين فكان لا بد أن نقيم لهم مائدة إفطار، ويرد جيراننا عليها بدعوتنا على الإفطار عدة مرات، فى منازلهم، كما أنهم يجاملوننا فى مناسباتنا".
أما سامية توفيق، والدة فريد ونادر، فقالت: "جيراننا المسلمون ناس طيبين جدا ونعتبرهم أهلا لنا ولم نر منهم إلا كل خير منذ أن سكنا فى هذا الشارع، وهم يساعدون أولادي فى عملهم ويجاملوننا، وهم سند لأولادي ويسألون عني دائما ويعرضون علىَّ مساعدتي فى مرضي وفى الأيام العادية".