كتب: محمد فتحي
قال الدكتور عبد الرحيم ريحان الخبير الأثري أن دراسة جديدة تبرز ذوق المرأة المصرية فى اختيار ملابسها خلال 400 عام من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادى ألقاها الدكتور على أحمد إبراهيم أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة تحت عنوان "ملابس المرأة المصرية فى العصر العثمانى" ضمن ندوة لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ومقررتها الدكتورة علا العجيزى خلال شهر مارس المنقضي.
قدم الدكتور على أحمد نماذج من ملابس المرأة فى الحرملك وهو المكان الخاص بالسيدات وهو القميص واليلك وهو قميص نسائى يلبس على الصدر والعنترى رداء قصير يصل إلى ما تحت الخصر ويرتدينه سيدات الطبقة العليا والحزام والجبة وغطاء الرأس وكانت قمصان سيدات الطبقة العليا والمتوسطة من الكتان والحرير والألوان المحببة هى الوردى والبنفسجى والأصفر والأزرق السماوى وكانت مزركشة الحواف ومطرزة بالحرير يدويًا بالإبرة.
يؤكد الدكتور على أحمد إبراهيم أن ملابس المرأة المملوكية استمرت مدة طويلة بين التغيير الطفيف أو الكثير تبعًا لأذواق النساء وتبعًا للحالة الاقتصادية للبلاد، وتبعًا كذلك لما يجلب منها إلى مصر من خارج القطر حتى جاء الفتح العثماني لمصر سنة 923هـ/1517م ومعه أنماطًا جديدة أخذت منها المرأة المصرية بعضها، وأضافتها إلى ما اعتادت عليه ، فبدأت ملامح جديدة للملابس المصرية في العصر العثماني امتدت لنهاية القرن 12هـ/18م بل وبداية القرن 13هـ /19م.
وقد جاءت هذه الأنماط الجديدة نتيجة لمجيء بعض العثمانيين الذين كلفوا بالعمل في مصر بدلاً من الذين أخذهم السلطان العثماني سليم إلى استانبول من أرباب الصناعات والحرف والفنون الذين أقاموا بمصر عوضًا عن الذين خرجوا منها، أو حضروا للإقامة بعض الوقت وغالبًا ما كانوا يصطحبون زوجاتهم وعائلاتهم، ولكنهم مع مرور الوقت اندمج العثمانيون مع المصريين وتزوجوا من الأسر المصرية عاشوا معهم في القرى والمدن والحقوا أبنائهم بنقابات الحرف ليتعلموا أسرار المهن المختلفة.
ولا شك أن هذا كان له تأثير ولو بصورة محدودة في الملابس وذلك من باب تقليد المغلوب للغالب كما أن الخياطين من اليونان والأرمن المقيمين في مصر كانوا يهتمون بخياطة ملابس أفراد الطبقة العليا ولا سيما العثمانيين مما أدي إلى نوع من التشابه بين ملابس المصريين الذين كانوا يتعاملون مع هؤلاء الخياطين وبين ملابس العثمانيين.
ونتج عن ذلك تطوير بسيط في الملابس المصرية التي كانت موجودة فعلاً وبدأت تأخذ شكل الملابس التركية، كما أن بعض ملابس الأتراك ومنسوجاتهم بدأت تنتقل لتستعمل في مصر إذ كانت استانبول تبعث بالمستحدثات إلى القاهرة فكان الباعة يعرضون أمامهم منسوجات شفافة مطبوعة وهم يصيحون "استنبولدان" أي وارد استانبول.
ويشير الدكتور على أحمد إبراهيم إلى أن علماء الحملة الفرنسية تحدثواعن ملابس المرأة في أيامهم أي أواخر القرن 12هـ/18م وكان هناك تشابهًا كبيرًا بين ما ذكره المؤرخين عن ملابس تلك الفترة وما سبقها وما بعدها بقليل مما يدل على أن ملابس النساء بقيت ثابتة كما هي وذلك لأن المدة التي قضتها الحملة الفرنسية في مصر لم تتعد الأعوام الثلاثة (1213هـ/ 1216هـ/ 1798-1801م) .
هذا بالإضافة إلى ما أحاط بها من ظروف عسكرية وثورات شعبية لم يمكن يتوقع منها أن تحدث في المجتمع المصري ما يحول من اتجاهاته أو يغير في تقاليده وخصوصًا في ملابس النساء سوي قلة من النسوة غير الملتزمات بتقاليد المجتمع تبرجن وخرجن عن الحشمة والحياء وكشفن عن وجوهن ولبسن ملابس النساء الفرنسيات وسلك سلوكهن، أيضًا النساء والبنات اللاتي عملن في بيوت الفرنسيين بالإضافة إلى زواج كثير من الفرنسيين من بنات الأعيان وكانوا يظهرون إسلامهم عند العقد ثم لبسن زوجاتهم المصريات ملابس الفرنسيات وسلكن سلوكهن ونهجن نهجهن.
وقد تنوعت ملابس المرأة المصرية في العصر العثماني من حيث الأغراض المستخدمة فيها فمن ملابس خاصة بالمنزل أثناء النهار، وأخرى للنوم، إلى ملابس خاصة للحمام، وأخرى للخروج وغيرها.
ملابس المرأة داخل المنزل (الحرملك)
يشير الدكتور على أحمد إبراهيم إلى ملابس المرأة داخل المنزل التى تتكون من القميص، اللباس (الشنتيان)، واليلك، العنتري، الحزام، الجبة وغطاء الرأس.
ويوضح أن المصريات والشرقيات يرتدين القميص تحت اليلك وفوق اللباس (الشنتيان) وليس تحت اللباس كما هو عادة الأوروبيين وهو كقميص الرجال يتسم بالاتساع ولكنه قصره فلا يكاد يصل إلى الركبتين فيغطي الجزء الأعلى من اللباس، ويكون في العادة له أكمام واسعة ويفتح عند الصدر، وهو بذلك يخالف ما كان متبعًا في عصر المماليك إذ كان القميص يصل إلى مستوي الركبتين ويعتبر في هذه الحالة قصيرًا ومخالفًا للأحكام الدينية لأن قميص المرأة التي اعتادت أن ترتديه في ذلك الوقت كان واسعًا وطويلاً تصل أطرافه إلى الأرض وله أكمام طويلة وواسعة.
وتتخذ قمصان الطبقة العليا والمتوسطة من الكتان الرقيق أو من الحرير أي من المنسوجات الفاخرة، أما ألوان القمصان المحببة لديهم فهي الوردي والبنفسجي والأصفر الأزرق السماوي أو الأسود أحيانًا أي أن معظمها من الألوان الزاهية التي كانت محببة لديهم كما كانت هذه القمصان مزركشة الحواف والفتحات ومطرزة بالخيوط الحريرية تطريزًا يدويًا بالإبرة.
أما قمصان نساء الطبقة العامة والفلاحات فهي زرقاء مصنوعة من الكتان أو من الصوف أو من القطن والحرير وقد يكون قميص من القطن (البفت) مصبوغ الأسود ويصل إلى القدمين ويكون أقل اتساعًا من قميص الرجال، وغالبًا من كانت هذه القمصان مزخرفة الحواف والفتحات بزخارف مرسومة باليد أو مطبوعة عن طريق قوالب خشبية أو بطريقة الباتيك وهو تقليد للزخارف المطرزة وأسعارها غير مرتفعة وتتناسب مع مستواهن الاجتماعي، ويسمى القميص الأزرق، ويرتدينه في الصيف، أما في الشتاء فقليل من النساء يلبسن فوق القميص رداءً يسمى (التوب) وهو خاص بالسيدات الراقيات من الطبقة العامة.
وبعضهن يرتدين قميصًا قصيرًا تحت القميص الطويل، وتشمر أكمام (التوب) فوق الرأس حتى لا تضايق السيدة أو لتحل محل الطرحة البلدي وهي خاصة بسيدات الطبقة العامة، وهكذا يتضح لنا أن نوع الملبس ومادته الخام ولونه بل وطريقة صنعة وزخرفته يختلف تبعاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية للأسرة نفسها.
الشنتيان.
ينوه الدكتور على أحمد إبراهيم إلى كلمة "لباس" لدي أعراب كافة الأقطار بمعنى ملابس أو ملبوس ، ولكن في مصر لهذه الكلمة معنى لا يوجد في الأقطار الأخرى فهو يشر إلى سروال ويفسر (الكونت دي شابرول) في كتاب وصف مصر كلمة "لباس" بأنه هو "الكالسون" أو "تبان الصيف"، ويمتاز لباس السيدات المصريات بالسعة حتى يخيل لرائيه أن جبة خُيط الجزء الأسفل منها بحيث تترك فتحتان لخروج القدمين وهو إما سابل إلى القدمين أو تشد أطرافه السفلى إلى أعلى وتربط تحت الركبتين تمامًا ويثبت حول الجسم بتكة (دكة باللهجة المصرية) تمر في باكية بأعلاه.
وتتخذ ألبسة السيدات من الطبقة العليا والمتوسطة أما من الحرير أو الكتان الرقيق أو القطن وغالبًا ما يكون مطرزًا أو مطبوعًا، وقد غالب بعض السيدات المصريات من الطبقة العليا في اتخاذ ألبسهن (لباسهن) من أفخم أنواع الأقمشة كالحرير وتطرز بسلوك أو خيوط معدنية من الذهب والفضة والأحجار الكريمة.
ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة بسروال من الحرير الأزرق به زخارف بالخيوط الفضية عبارة عن أشكال السحب الصينية المحورة وأشكال زهور وشكل هلال وبداخلة نجمة وهذه الزخارف منشورة في عرض اللباس. وينتهي اللباس من أسفل بقطعة من نسيج القطن وذلك ليسهل مرور تكة من خلالها حتى يكسب الساق شيئًا من الانتفاخ كما يتطلب لباس النساء في العصر العثماني، والأسلوب الزخرفي لهذا السروال يرجع إلى أوائل القرن 13هـ/19م حيث زخرفة الهلال وبداخلها النجمة انتشرت في هذا القرن.
واستمرت كلمة "لباس" تطلق على السروال الصيفي للنساء طوال العصر العثماني مثل العصر السابق له وهو المملوكي، بينما أطلق على السروال الشتائي إسم "شنتيان”، وهذه الكلمة لم ترد في العصر المملوكي، ولكن ورد ذكر "شنتيان" عندما وصف ملابس النساء في وصف مصر في القرن 12هـ/18م والشنتيان كلمة تركية تعني سروال وتبان.
ومن الواضح أن هذه الكلمة (شنتيان) انتقلت إلى مصر بعد الفتح العثماني لها واستمرت حتى نهاية العصر العثماني ، ويتميز أيضاً الشنتيان بالاتساع ويتخذ من القماش الملون والمخطط أحيانًا من الحرير أو من القطن أو الكتان وهو مطرز وهو واليلك من نوع واحد من القماش، ويشد حول الخصر تحت القوهكذا يتضح من الاختلاف بين اللباس والشنتيان أن النوعين كانا من القطع الهامة في ملابس المرأة ومن المرجح أن النساء من الطبقة العليا والمتوسطة استخدمت النوعين معاً فلبست السروال الداخلي من القطن أو الكتان وفوقه الشنتيان الواسع الطويل من الحرير في الصيف أو من الجوخ أو من الصوف وذلك في الشتاء.
أما نساء الطبقة العامة فقد استخدمت اللباس فقط أو الشنتيان فوقه وقد اتخذا من الأقمشة الرخيصة وعادة ما يكون بنفس قماش ولون القميص.
اليلــــك
يوضح الدكتور على أحمد إبراهيم معنى كلمة "يلك" في الفارسية وتعنى قميص نسائي، أما في التركية فهي من الكلمة التركية "يل" بمعنى الريح، واليلك لباس يلبس على الصدر فيدفع عنه الهواء فهو الصداري و الصديري، ويلبس اليلك فوق القميص وهو من النسيج الشنتيان ويشبه القفطان ولكنه أكثر التصاقًا بالجسم والذراعين فهو يلتصق بالقامة عند الخصر فيصفه ثم ينسدل إلى القدمين، وهذا الرداء مقور بحيث أن مكان النحر منه لا يغطيه ولا يثبته في مكانه إلا القميص.
واليلك له إزرار تشده إلى الجسم من الصدر إلى ما تحت الحزام حتى لا يتهدل كما هو الحال في القفطان ويكون مفتوحًا من الجانبين ابتداء من الخصر وإلى أسفل أو يشق عادة بحيث يكشف في نصف الصدر لولا القميص، وله كمان يلاصقان الذراعين وينتهيان عند المعصمين بحيث يظهر من تحتها جزء من كم القميص.
وخلاصة القول فإن اليلك مفصل بشكل يسمح بكشف الصدر ولكن نصف الصدر هذا مغطي بالقميص ومع ذلك فإن كثيرًا من السيدات يلبسنه أوسع في هذا الجزء أو مغلق بواسطة الأزرار عند الصدر كما أن طول اليلك يجب أن يكون ملامسًا للأرض.
وكان هذا الثوب محببًا عند النساء من الطبقة العليا والمتوسطة حيث يظهر مفاتن أجسامهن، ولم يظهر هذا اليلك قبل ذلك في العصر المملوكي مما يرجح أن يكون قد أدخله العثمانيون إلى مصر وشغف به النساء المصريات وأصبح اليلك من أهم مكونات ملابس النساء التي ترتديها داخل المنزل (الحرم) في العصر العثماني في مصر، تم أدخل بعد ذلك تغيير على اليلك إذ أصبح كماه منتهين عند المعصمين ولم يعد مقورًا على الصدر بما صار يزرر فوق هذا الجزء من الجسم ويلتقي طرفاه به.
العنتري.
يشير الدكتور على أحمد إبراهيم إلى أن العنترى كلمة تركية (انتاري) وقد حرفت في اللهجة المصرية إلى عنتري، والعنتري رداء قصير يصل إلى ما تحت الخصر بقليل أو أعلاه بقليل ويشبه اليلك المقطوع الأسفل أي بدون جزءه السفلي وقد يحل العنتري محل اليلك، ويتخذ العنتري من أقمشة حريرية أو قطيفة مقلمة ومطرزة كما يفصل أحيانًا من قماش أبيض اللون ولا يستعمله إلا نساء الطبقة العليا والمتوسطة. ولم يظهر العنتري في ملابس النساء في العصر المملوكي مما يرجح أنه قد دخل إلى مصر عن طريق العثمانيين وشغفت به النساء وأصبح من مكونات ملابسهن داخل المنزل (الحرم).
ويفصل العنتري بحيث يضيق عند الصدر ولا سيما أنه لا يزرر إلا تحت الثديين فيكشف بهذه الكيفية عن الصدر ويبرز النهدين ولكن كثيراً من السيدات يفضلن العنتري واسعاً بغية الاحتشام وعدم إظهار تفاصيل أجسامهن ويصل إلي ما تحت الوسط متخذا هيئة (الجاكت) القصير.
ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة بعنتري من القرن 13هـ/19م من الحرير الأخضر الفاتح اللون به زخارف نباتية وأزهار مطرزة بالخيط المعدنية المذهبة .