سلطت مجلة (ذا ديبلومات) الأمريكية المتخصصة في الشئون الآسيوية الضوء على الآفاق الجديدة للتعاون الأمني بين دول "كواد"، مجموعة الحوار الأمني الرباعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ( الولايات المتحدة و اليابان و أستراليا والهند)، سعيًا لدعم أهدافها الأمنية في المنطقة.
وأشارت المجلة - في تقرير لها - إلى أن الشركاء الأربعة أصبحوا أكثر جدية بشأن التعاون الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث يوقعون اتفاقيات ثنائية فيما بينهم، بل ويوقعون أيضًا اتفاقيات مع بلدان أخرى من أوروبا، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، ممن لديهم مصلحة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن تلك الاتفاقيات لم يتم تأطيرها لتحل محل الحوار الأمني الرباعي "كواد" بل لتستكمل أهدافه، بحسب المجلة، إلا أن هناك خطرا من أن تتخلف المجموعة الرباعية عن الركب؛ نظرًا لأن هذه الاتفاقيات الأخرى أصبحت أكثر انتشارا وأكثر تعمقا في تركيزها على التعاون الأمني بالمنطقة.
وأوضحت المجلة أن اليابان وبريطانيا وقعتا مؤخرًا اتفاقية دفاع من شأنها تسهيل نشر القوات في البلدين، وبحسب بيان وزارة الخارجية اليابانية فإن الاتفاقية تهدف إلى "تبسيط الإجراءات عند تنفيذ الأنشطة التعاونية، مثل زيارات الموانئ للسفن والتدريبات المشتركة وزيادة تعزيز التعاون الأمني والدفاعي الثنائي".. فيما ذكر بيان صحفي من الحكومة البريطانية أن الاتفاقية "ستعزز التزام المملكة المتحدة بأمن المحيطين الهندي والهادئ، مما يسمح لكلا القوتين بتخطيط وتنفيذ تدريبات وعمليات انتشار عسكرية على نطاق أوسع وأكثر تعقيدًا".
ونوه بيان الحكومة اليابانية إلى السياق الأمني الحالي على المستوى العالمي، حيث يواجه النظام الدولي تحديًا بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وكذلك محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن بالقوة في شرق وجنوب بحر الصين، مشيرة إلى أنه "في خضم هذه التطورات، تكثف اليابان وبريطانيا تعاونهما الأمني والدفاعي إلى آفاق واسعة جديدة تتمثل في تحقيق انفتاح وحرية منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وعلى الوتيرة ذاتها، أشار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى أنه بينما "يتزايد التنافس في العالم، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تستمر المجتمعات الديمقراطية في الوقوف جنبًا إلى جنب بينما نواجه التحديات العالمية غير المسبوقة في عصرنا"، كما سلط البيان الصحفي البريطاني الضوء على أن التعاون الياباني البريطاني يأتي على خلفية اتفاقية بين اليابان وإيطاليا وبريطانيا "لتطوير الجيل القادم من المقاتلات الجوية في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الجديد" المُوقع في ديسمبر الماضي، كما بدأت اليابان وبريطانيا أيضًا شراكة رقمية ثنائية جديدة لزيادة تعاونهما في مرونة فضائهما السيبراني والسلامة الإلكترونية وصناعة أشباه الموصلات.
وأشارت المجلة إلى أن اليابان كانت سبّاقة في تعزيز أمنها، نظرًا للتهديد الذي تواجهه من الصين في المنطقة، وهي رسالة فهمتها الصين على الفور، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وين بين تعليقًا على الاتفاقية الدفاعية بين اليابان وبريطانيا، إن "منطقتنا مرساة للسلام والتنمية، وليست ساحة صراع للمنافسة الجيوسياسية، والصين شريك تعاون لجميع البلدان ولا تشكل أي تحدٍ لأي جهة"، مضيفا أن الاتفاقيات الدفاعية "يجب ألا تستهدف أي أعداء وهميين، ناهيك عن تكرار العقلية التي عفا عليها الزمن المتمثلة في مواجهة التكتل الموجود في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
وذكرت المجلة أنه بالإضافة إلى زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى واشنطن للاجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعة الماضية، فإن الاجتماع الثنائي بين اليابان والولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، كان مؤشرا آخر على تغير نهج اليابان الأمني، حيث كان وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي ووزير الدفاع الياباني ياسوكازو هامادا في واشنطن لإجراء محادثات مع نظرائهما وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، وخلال الاجتماع أكد الجانبان أهمية علاقتهما في سياق التعامل مع صعود الصين، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وسعى كوريا الشمالية للحصول على أسلحة نووية وأنظمة إطلاقها.
وأضافت المجلة أن الردع كان حجر زاوية نتائج الاجتماع، حيث أكد البيان المشترك في نهاية الاجتماع أن الولايات المتحدة و اليابان اتفقتا على "تعزيز مبادرات التطوير العسكرية الثنائية لبناء تحالف أكثر قدرة وتكامل لتعزيز قدرات الردع والتصدي للتحديات الأمنية المتطورة إقليميًا ودوليًا"، كما ركز البيان على ضرورة بناء واشنطن وطوكيو قدراتهم في عدد من الأقسام العسكرية الهامة، بما في ذلك الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، والقدرات المضادة للسفن، والقدرات المضادة للغواصات، وحرب الألغام، والعمليات البرمائية والمحمولة جواً، والاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى ذلك أكدت اليابان و الولايات المتحدة على ضرورة تكثيف التعاون الثنائي من أجل "التوظيف الفعال للضربات المضادة اليابانية بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة".
من ناحية أخرى، وقعت اليابان وأستراليا، العضوان في الحوار الأمني الرباعي، اتفاقية مماثلة للاتفاقية الموقعة مع بريطانيا، في بداية العام الماضي 2022، والتي من شأنها تسهيل التعاون بين جيشي البلدين، وأثناء التوقيع على الاتفاقية قال رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك، سكوت موريسون، إن " اليابان هي أقرب شريك لنا في آسيا كما يتضح من شراكتنا الإستراتيجية الخاصة، وهي الشراكة الوحيدة ل أستراليا - شراكة متساوية في الثقة المشتركة بين دولتين ديمقراطيتين عظيمتين ملتزمتين بقواعد القانون وحقوق الإنسان والتجارة الحرة وانفتاح وحرية منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، بحسب المجلة.
وأشارت المجلة إلى أن اليابان و أستراليا وقعتا أيضًا اتفاقية أمنية ثنائية جديدة تغطي التعاون العسكري والاستخباراتي والفضائي والسيبراني، حيث تعد هذه الاتفاقية الجديدة نسخة مطورة من الإعلان المشترك حول التعاون الأمني بين البلدين، والذي جرى توقيعه في عام 2007 عندما كانت الصين أقل تهديدًا.
وذكرت المجلة أن من الاتفاقيات الأمنية الأخرى الخاصة ب الحوار الأمني الرباعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، هي معاهدة "أوكوس" بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، والتي تضم اثنين من شركاء الحوار الرباعي ( أستراليا والولايات المتحدة)، وكان الجانب الأكثر أهمية في هذه الاتفاقية هو خطط حصول أستراليا على غواصات تعمل بالطاقة النووية.
ولفتت "ذا ديبلومات" إلى أن الهند في الوقت نفسه تعمل أيضًا على تكثيف تعاونها الدفاعي والأمني مع الدول الأخرى، وعلى سبيل المثال وقعت نيودلهي اتفاقيات لوجستية عسكرية واتفاقيات متبادلة مع عدد من الدول، بما في ذلك أستراليا و اليابان و الولايات المتحدة (دول الحوار الرباعي)، وكذلك مع فرنسا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، إلا أن تلك الاتفاقيات لا تبدو بأهمية وعمق الاتفاقيات الأخرى مع دول الحوار الرباعي فيما يتعلق بالتعاون الأمني.
وأشارت إلى أنه رغم خطوات الهند لتعميق تعاونها الأمني مع شركائها، إلا أنها قد تجد أن اتفاقياتها مع دول الحوار الأمني الرباعي واتفاقيتها الأمنية الثنائية الأخرى، يتم التفوق عليها بسرعة من قبل الاتفاقيات وسبل التعاون الجديدة التي ظهرت مؤخرا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.