حظر إندونيسيا تصدير المواد الخام يدفع نحو إجراء إصلاحات بمنظمة التجارة العالمية

حظر إندونيسيا تصدير المواد الخام يدفع نحو إجراء إصلاحات بمنظمة التجارة العالميةتصدير المواد الخام

اقتصاد30-1-2023 | 15:15

رأت مجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة في الشأن الآسيوي، أن الحظر الذي تفرضه إندونيسيا على صادرات المواد الخام قد يعطي زخما لبعض الإصلاحات الضرورية داخل منظمة التجارة العالمية، لاسيما فيما يخص آليات تسوية المنازعات، واستغلال موارد الدول النامية من المواد الخام لدعم الصناعة المحلية بهذه الدول.
وكانت حكومة إندونيسيا قد أعلنت في يناير 2020 حظر تصدير النيكل الخام غير المعالج، قبل أن يعلن الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في ديسمبر الماضي اعتزام بلاده حظر صادرات البوكسيت الخام أيضًا اعتبارًا من يونيو المقبل والعمل على تشجيع صناعات التعدين والتكرير لتعظيم الاستفادة من الثروة المعدنية الضخمة بالأرخبيل الإندونيسي، كالنحاس والنيكل والألومنيوم والزنك.
وأشارت المجلة إلى أن قرارات الحظر جاءت بعد اعتراضات برلمانية وشعبية على حرمان الدولة من مواردها المعدنية الهائلة لحساب الشركات الأجنبية بسبب عدم الاهتمام بصناعة التكرير، إلا إن القيود التي فرضتها إندونيسيا على صادرات النيكل الخام غير المعالج كانت محل طعن مقدم من الاتحاد الأوروبي لدى منظمة التجارة العالمية في نوفمبر 2019.
وفي نهاية نوفمبر 2020، قضت لجنة تسوية المنازعات بالمنظمة بأن القيود التي إندونيسيا على تصدير خام النيكل غير المعالج تشكل انتهاكًا لاتفاقية المنظمة، ورغم ذلك، لا تعتزم جاكرتا التراجع عن سياساتها، حيث أكد الرئيس الإندونيسي إصراره على إنفاذ قرار حظر صادرات البوكسيت الخام قائلًا: "سنفرض الحظر على تصدير الخامات غير المعالجة، ولا نمانع تقديم طعن أمام منظمة التجارة العالمية بخصوص ذلك".
من جانبها، تقدمت إندونيسيا بطعن على حكم اللجنة أمام هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وفي حال قضت الهيئة بأن القيود المذكورة تمثل انتهاكًا لأحكام اتفاقية المنظمة، سيكون على إندونيسيا اتخاذ التدابير التصحيحية المناسبة، وإلا ستقع تحت طائلة الإجراءات الانتقامية التي تقرها المنظمة في مثل هذه الحالات.
ونوهت المجلة بأن النبرة الحازمة التي أكدت بها ويدودو إصرار بلاده على إنفاذ قرار الحظر ربما تعكس خللًا في أداء جهاز تسوية المنازعات التابع للمنظمة، مضيفة أن هذا الخلل بدا واضحا منذ ديسمبر عام 2019 عندما عرقلت الولايات المتحدة تعيين أعضاء جدد في هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة وإعاقة تحقيق النصاب القانوني المطلوب لكل استئناف، المحدد بثلاثة أعضاء.
وأوضحت "ذا ديبلومات" أنه في حال استئناف أحد قرارات اللجنة، فلا يجوز اعتماد نتائجها إلا بعد استكمال مراجعتها من جانب هيئة الاستئناف؛ وتدرك جاكرتا هذا الأمر جيدًا، مما يجعل طعنها على حكم اللجنة بلا جدوى، إذ لا يوفر سوى حل مؤقت للمشكلة.
وأشارت "ذا ديبلومات" إلى اعتماد المنظمة بصورة مؤقتة ما يُعرَف بتدبير التحكيم في الاستئناف المؤقت متعدد الأطراف (MPIA) كبديل لهيئة الاستئناف التابعة للمنظمة، والذي لم توافق عليه 52 دولة ومنطقة من بين أعضاء المنظمة البالغ عددهم 164 دولة وإقليم.
وفي فبراير 2021، أدخل الاتحاد الأوروبي تعديلًا على لوائحه لضمان اعتماد الإجراءات الانتقامية بغض النظر عن تقديم أي طعن من جانب الأعضاء غير المشاركين في تدبير التحكيم سالف الذكر، إلا إن هذا التعديل لم يسر بعد.
ووصفت المجلة قرارات حظر التصدير المتعاقبة من جانب جاكرتا بالتناقض مع إطار عمل المنظمة التي تفرض على البلدان النامية الراغبة في الانضمام إليها عددا من الالتزامات، إلا إن هذه البلدان لا تستفيد في الواقع من تخفيض التعريفات الجمركية التي تعرضها الدول المتقدمة في المقابل.
وأضافت أنه في سبيل الانضمام إلى المنظمة، اضطر العديد من بلدان جنوب شرق آسيا إلى التخلي عن نماذج التنمية الاقتصادية، حيث كانت هذه البلدان تسعى قبل انضمامها إلى جذب الاستثمارات الأجنبية الموجهة نحو التصدير على نحو لا يؤثر بالسلب على الصناعات المحلية، وذلك من خلال إلزام المصنعين ببعض الشروط المرتبطة بالمكون المحلي، فضلا عن تطبيق بعض الشروط الخاصة بالتصدير.
وتعفي منظمة التجارة العالمية الشركات من بعض الالتزامات التي تتضمن الاعتماد على مصادر محلية في توفير المواد وشروط التصدير، إلا إن ذلك يزيد من التحديات التي تواجه الصناعات المحلية في البلدان النامية؛ وتُعد هذه المعضلة من بين العوامل التي دفعت إندونيسيا إلى اتخاذ قرارها بحظر صادرات المواد الخام غير المعالجة.
ومع استمرار الوضع الحالي، توقعت "ذا ديبلومات" استمرار اتساع الفجوة بين البلدان الغنية بالموارد والبلدان الأخرى فقيرة الموارد، بل وبين البلدان الناشئة أيضًا، مؤكدة ضرورة مراجعة أنظمة تسوية النزاعات من منظور أكثر شمولية، مع إيلاء اهتمام أكبر لقضية التنمية الصناعية في البلدان النامية.
ووفقًا لتصريح نقلته المجلة عن الرئيس الإندونيسي، في تقرير لها أواخر ديسمبر الماضي، أكد ويدودو أنه: "إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تقرر تجاهل الاتفاقيات العالمية بشأن التجارة الحرة عندما يكون ذلك في مصلحتها الوطنية، فلماذا لا تتصرف دول مثل إندونيسيا بالطريقة ذاتها".
كما تنبأت المجلة بتفشي صورة أكثر شراسة من القومية الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة والعالم في السنوات القادمة حيث تتطلع دول مثل إندونيسيا بشكل متزايد إلى الحصول على المزيد من القيمة في نظام اقتصادي عالمي ربما لم يخدم مصالحها دائمًا على أكمل وجه.
ووفقا لصحيفة "إندبندنت" البريطانية فإن إندونيسيا تعد أرضا خصبة للمواد الخام، حيث تمتلك حوالي 25 في المئة من الحصة العالمية للقصدير، و17 في المئة من الحصة العالمية للنيكل الخام، و6 في المئة من البوكسيت، كما تستحوذ على أكبر احتياطي عالمي من النيكل، الذي يدخل في تصنيع بطاريات السيارات والمركبات الكهربائية.
كما احتلت إندونيسيا لسنوات المرتبة الأولى في تصدير النيكل، فحسب إحصائيات عام 2020 بلغت صادرات إندونيسيا من النيكل حوالي 1.7 مليار دولار أو ما يعادل 37.2 في المئة من إجمالي صادرات النيكل العالمية.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2