قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن الرفق صفة جمال من صفات ربنا سبحانه وتعالى، أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم السيدة عائشة ويحثها على التخلق بها، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» [رواه مسلم].
جاء عن ﺃﺑﻰ ﻫﺮﻳﺮﺓ: ﺃﻥ ﺭﺟﻼً ﺷﻜﻰ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒي ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺴﻮﺓ ﻗﻠﺒﻪ، ﻓﻘﺎﻝ صلى الله عليه وسلم: "ﺃﻃﻌﻢ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻭاﻣﺴﺢ ﺭﺃﺱ اﻟﻴﺘﻴﻢ ". أخرجه الإمام أحمد في المسند ، وقال الحافظ ابن حجر في (ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎﺭﻱ 151/11)
كما جاء ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪـ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﻻ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﻣﻦ ﺟﺎﺭﻩ ﺑﻮاﺋﻘﻪ، ﺭﻭاﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﺖ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺭﻭاﻳﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﺪﺓ.
وتابع في بيان علاج قسوة القلب: قد يظن بعض الناس عن طريق الخطأ أنه الله يعطي على العنف أجرا وثوبا، وأن العنف محمودا في شريعة الإسلام، وإنما العنف المذكور في الحديث هو الشدة في مواجهة المعتدين، وذلك على نحو قوله تعالى : ﴿مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الفتح :29]، وقوله سبحانه : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة :123]. وقوله سبحانه : ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا﴾ [الإسراء :5].
وأكمل: على اعتبار أن هذه الشدة تطلب في وقت الالتحام في المعارك ردا للعدوان ولا تطلب في غيرها، وهو ما تم توضيحه في مقالات الجهاد في الإسلام، بأنه يكون دفاعا عن المستضعفين، وإقرارا للسلام، ورغم كل ذلك فإن الله يعطي على الرفق أفضل مما يعطيه على هذه الشدة المطلوبة.
وأكد أن الشدة والبأس لا تطلب من المسلم إلا في أوقات قليلة وهي أوقات الالتحام في المعارك –كما بينا- أما الرفق فهو المطلوب في كل الأوقات، والمطلوب في كل الأشياء، وهو لا يزيد الشيء إذا دخل فيه إلا جمالا وزينة، وإذا خرج منه كان الشيء مشينا غير مستساغ، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لعائشة وهو يعلمها فضل الرفق، فقال : : «يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه» [رواه مسلم، وأبو داود واللفظ له]. وقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) [رواه البخاري ومسلم].
وأردف في بيان علاج قسوة القلب: لذا من حرمه الله الرفق فلا خير فيه، وهو محروم من كل الخير، لأن الرفق باب الخير، ولذا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ذلك فيقول : « من يحرم الرفق يحرم الخير كله» [رواه مسلم]، وأخبر بذلك السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، فقال صلى الله عليه وسلم : « يا عائشة إنه من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من خير الدنيا والآخرة» [رواه أحمد]. وعنه صلى الله عليه وسلم في توصيته للسيدة عائشة رضي الله عنها : « ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق» [رواه أحمد].
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم الرفيق اللين السهل بالنجاة من النيران، فقال صلى الله عليه وسلم : « تدرون من يحرم على النار يوم القيامة كل هين لين سهل قريب حديث تدرون على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب» [رواه الترمذي]، وكان في دعاءه صلى الله عليه وسلم يطلب الرفق لمن رفق بأمته، فكان يقول : « ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» [رواه مسلم].
حتى في التوغل في الدين، والاستزادة منها أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق في ذلك، فقال : (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) [أحمد والبيهقي في الشعب].