الرياض، حيث وللمفارقة التي قد لا يعرفها كُثر، هي المدينة التي شهدت اتفاقًا ما بين الرئيس الراحل أنور السادات، والكاتب أنيس منصور، على ملاحظات رئيسية لتبويب إصدار العدد الأول من مجلة (أكتوبر)، وقد تم ذلك وفقًا لما قاله منصور بعد أن استدعاه السادات عقب الانتهاء من مؤتمر صحافى فى قلب العاصمة السعودية لمناقشة ترتيبات الشكل والإصدار، وسلمه خلال المقابلة أوراقًا بخط يده حملت عنوان (الجليد يذوب بين موسكو والقاهرة) لنشرها فى العدد الأول، وللمفارقة أيضًا فإن المقال الأول للرئيس السادات الذي نُشر بخط يده تم بالتزامن مابين مجلة (أكتوبر) وصحيفة (الرياض)، وكأن لهذا الارتباط الميثاقي دلالة على أن ثمة نهر جارِ للمعرفة الرصينة والرشيدة أراده الله أن يمتد من القاهرة إلى قلب الرياض، معرفة مرهونة برُقي، ومُعبرة عن هوية حقيقية لجغرافيتين لاتستعلِ أحدهما على الأخرى، الأولى قدمت للإنسانية أول أبجدية وصفتها بالمقدسة أو (الهيروغلوفية) وأبدعت رُقيًا فى كتاباتها وعلومها، والثانية كانت هي أيضًا الأصل والحاضنة للغة العرب التي مثلت إعجازًا فى رسالة الله إلى العالم وهو (القرآن الكريم).
علاقات من الخطأ حصرها فى تفضل أحد أطرافها على الآخر آنيًا أو سابقًا، ومن العبث إيجازها حد الإخلال فى مجادلات تتجاوز شرط الرصانة والرُشد، فالعلاقة التي تعكس الرُقي فى منطلقاتها، لا يمكن القبول بأنها ذاتها هي من يستخدم بعض أطرافها قواميس مُنفلتة فى التعبير عن الاختلاف إن وُجد، خاصة وأن القيادة فى البلدين يقدما نموذجًا راقيًا فى نقاشاتهم أو مفرداتهم بشكل عام، فقاموس الرئيس عبد الفتاح السيسي هو مثالًا للرُقي والتحضر فى بناء وتشكيل الأبجدية التي يستعملها، حتى فى تعبيره عن أشد المواقف صعوبة، أو فى لغة خطابه ضد ألد أعداء الدولة من جهات أو جماعات أو تنظيمات، فإنه دائمًا يستحضر فى اختيار مفرداته، قيادته لأُمة عظيمة كبيرة ذات تاريخ مشرق على كل الإنسانية، وضمنًا فإن أسلوبه يُعبر بوعي شديد عن هذا الاستحضار والعمق خلال كلماته أو حتى مداخلاته البسيطة، إنه قاموس يستوجب التطبيق كصورة لحقيقة الشخصية المصرية التي تجمع بين القوة والشرف، وبين الصورة المهذبة للدولة الرشيدة، وهو ما أكسب فخامته محبة فى قلوب كثير من أبناء الشعوب العربية عامة، وقلوب أبناء الشعب السعودي خاصة، الذين ينقلون دائمًا فى نقاشات مشتركة مع كثير منهم تقديرهم ومحبتهم لأسلوب السيد الرئيس وأخلاقياته التي تبرز دائمًا فى كلماته ومناقشاته.
قياسًا وفى المقابل أيضًا فإننا لم نجد فى الرياض سوى مفردات تعكس كل التقدير والاحترام والمحبة ل مصر على وجه الخصوص، وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية، الحد الذي دائمًا ما يأتي ذكرها على لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مُرفقًا بوصف (العُظمى)، ولم يحدث أن أتى بهذا الوصف فى كلماته أو تصريحاته على أي دولة أخرى غير (مصر)، ولم يحدث أن تناول اسم (مصر) أو القيادات فى (مصر) إلا وكان حديثه ممزوجًا بالفخر والثناء يشعر به كل من يستمع إليه، أقوال نابعة من محبة حقيقية ليست مصطنعة أو فى سياق مجاملات دبلوماسية، فشخصية الأمير محمد بن سلمان ومن خلال متابعة قرارته وتصريحاته، هي شخصية لا تعرف المجاملة، ولا يقول سموه إلا ما يعبر عن قناعته الحقيقية، فالأمير الذي تربى فى كنف قائد ك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والذي لا تنسى مصر أنه تطوع مع أشقائه فى جيشها للدفاع بحياتهم عنها ضد العدوان الثلاثي، لايمكن إلا أن تكون مشاعره ورؤيته تجاه مصر هي نتاج طبيعي
لما زرعه خادم الحرمين الشريفين من حب فى قلبه نحوها ونحو شعبها.
إن العلاقة بين مصر و السعودية خصوصًا تلك التي صاغها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتلك القائمة (بدفء) بين فخامته، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تتجاوز حدود البلدين نحو تطلعات كل شعوب المنطقة، الذين يرونها - تصريحًا أو تلميحًا - بمثابة سفينة نوح، والسبيل الأمثل لإعادة بناء الروح الوطنية، ورفع مستوى الطموح والتطلعات حيال مستقبل أوطانهم، بعد سنوات من حروب شديدة العنف ومحاولات كانت وما زالت قائمة لاغتيال صورة الدولة، وضرب الثقة بينها وبين المواطن عبر منصات مضللة ومشوهة للوعي والحقيقة، ما زالت تمارس دورها التخريبي حتى اليوم، دون مُراعاة لقيمة إنسانية أو تعاليم سماوية.
إن عدم الوعي بقيمة العلاقة بين البلدين، من أي طرف من أطراف نخبهما أو أقلامهما، وعدم إدراك وجود متربصين بهذه العلاقات، قد يصل خصوصًا فى هذا الوقت الذي تمر به دول العالم كافة بأزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية بل وحتى طبيعية من زلازل وفيضانات، إلى ما يمكن وصفه بالخيانة لشعبي البلدين بل وشعوب المنطقة كافة، فسقف التطلعات حيال النتائج المترتبة على قوة العلاقات المصرية السعودية أعلى من كل الأطر الضيقة التي يحاول البعض حصرها فى حدودها، وأرقى من محاولات استدعاء مفردات بائدة وتقديمها كتعبير عن رؤى البلدين، أو القيام بإسقاطات فارغة لا ترتكز على واقع قدر ارتكازها على أهواء شخصية لا تمثل الوعي الجمعي لدى أي من الشعبين، ولا تعكس الصورة الحقيقية لما يُكنه كل طرف تجاه الآخر من محبة وتقدير، دون حاجة إلى مزايدات من هذا أو ذاك.