على بعد خطوات من ميدان التحرير المشتعل، المسكون بالثوار والعملاء والخونة، فى أحد أيام شهر أبريل 2011 فى إحدى قاعات الجامعة الأمريكية حضرت للمرة الأولى والأخيرة حلقة نقاشية تناولت مصير الصحافة القومية، بعد إلحاح كبير من المصرية الوطنية نيرمين القويسنى منسقة الندوة، وكانت تتابع ما أكتبه فى مجلة «أكتوبر» عن الجانب المؤامراتى فى ثورة اللوتس (اسم الدلع لهبة رياح الربيع العربى التى ضربت مصر)، وكان أحد حضور هذه الندوة المدعو هشام قاسم، وما أدراك ما هشام قاسم، كنت أعرف نشاطاته جيدا، وعلاقاته المريبة بالغرب، وقصة إصداره لمجلة «كايرو توداى» وعلاقاته برجال الإدارة الأمريكية فى عهد الديموقراطيين، وتبنيه لسياسات المحافظين الجدد ومشاريعهم الأيدلوجية، مثل القرن الأمريكى، ونظرتهم لدول الشرق الأوسط والتمكين لدور إسرائيل فيه، وأمور أخرى أتاحت لقاسم أن يلتقى بشخصيات بارزة فى الإدارة الأمريكية وأن يأخذ صورًا تذكارية معها ويحصل على جوائزهم.
(1)
نعود للندوة التى نظمها البنك الدولى وكان عنوانها: «الإعلام فى الفترات الانتقالية» ونسأل ما علاقة البنك الدولى بالصحافة المصرية والإعلام؟!
انعقدت الندوة فى القاعة الشرقية للجامعة الأمريكية، تقريبا كنت أنا الوحيد القادم من مؤسسة قومية «دار المعارف ومجلة أكتوبر» بينما غلب أنصار الإعلام الحر والخاص من الإعلاميين الذين يمثلون ما قيل إنه «تيار الليبرالية»، أربعة منهم يحملون الجنسية المصرية ويتوزع الباقون بين جنسيات عربية وأجنبية، أحدهم مدون «بلوجر» أردنى، ولبنانية وثالث أمريكى.
وأخبرنا المسئولون عن الندوة أنها تأتى على هامش إطلاق تقرير التنمية الدولى (لعام 2011) وموضوعه قضايا «النزاعات والأمن والتنمية» وبالتالى كانت رؤية القائمين على تقرير البنك الدولى أن ثورات الشعوب العربية من قبيل الصراعات و النزاعات (كانوا يريدونها كذلك) ، وقال القائمون على الندوة إنهم يبحثون «دور وسائل الإعلام فى تعزيز الانتقال السلس إلى الديمقراطية فى مصر»، ولم يكن هذا يعنى بالنسبة لى إلا أن هناك جهة تريد أن تجمع معلومات تساعدها فى دراسة وتحليل الإعلام المصرى بعد 25 يناير ورؤية رجال الإعلام البديل والجديد لوضع استراتيجيات تتعلق بعمل هذه المؤسسات الغربية الداعمة لهذا الإعلام فى بلادنا.
(2)
وتحدث هشام قاسم فى الحلقة النقاشية وأطلق فى حديثه تهديدا بأنه سوف يكشف فى القريب عن المبالغ المهولة التى تم صرفها على الإعلام النظامى أو الحكومى (فى الفترة السابقة على 25 يناير 2011).
وفى تعقيبى على كلمات الحضور وكنت أنا آخر المتحدثين، أشرت إلى الحضور فى القاعة وكان بينهم حافظ الميرازى، ومحمد مصطفى مدير مكتب صحيفة الشرق الأوسط وقتها، واتهمتهم بأنهم يملكون يقينا زائفا بالانتصار لا يضاهيه إلا يقين الإخوان المسلمين الذى كان قد بدأ يتصاعد فى هذا الوقت، وأشرت بإصبع الاتهام لقاسم وأمثاله بأنهم هم الذين سعوا فى خراب المؤسسات الصحفية القومية ، وتفريغها من كوادرها، وسجلت هذا وتفاصيل أخرى فى مقال نشرته فى مجلة «أكتوبر» بتاريخ 5 - 6 - 2011 وكتبت الآتى عن قاسم وحديثه عن دعم الدولة للمؤسسات الصحفية القومية:
« قد يكون محقا فيما قاله لكنه بالتأكيد لا يبغى من هذا الحق إلا الباطل، يشهد على ذلك تاريخه فى صناعة الإعلام المسموم الذى لم أرد أن أذكِّره به، والذى استوجب فى وقت من الأوقات تدخَّل أجهزة الأمن القومى لإيقاف أحد إصداراته مجلة (كايرو توداى) أو دوره كعرّاب صفقات ووسيط فاعل بين رجال الأعمال وجهات خارجية لاستنساخ تجارب إعلامية انقلابية تكرس للفوضى وتقود إليها تمهيداً للوصول إلى التغيير العولمى المنشود..
لم أشأ أن أواجهه بحقيقته التى أعرفها حتى لا أمنحه فرصة لعب دور الضحية والتوسل برفض حديث التخوين والتكفير ونظرية المؤامرة.. بينما أكاد أصرخ فى نفسى: إذا لم يكن كل هذا الخراب الذى يحدث حولنا هو من صنع المؤامرة.. فماذا عساه أن يكون؟!»
(3)
وأضفت عن الإعلام الذى يطلقه قاسم ويرعاه الآتى:
« منذ تم السماح لإعلام أصحاب المصالح من رجال الأعمال والأيدولوجيين العولميين بالانطلاق إلى جانب الإعلام القومى ليشكل الجناحان خلال الفترة الماضية منظومة متنافرة مهترئة خربة، أحدهما يرتب للتغيير المنشود عبر التحريض على النظام القائم وإثارة الفتنة بين كل تيارات المجتمع السياسية والدينية وحتى الفئوية بهدف الدفع فى اتجاه محدد، ويسحب الكوادر المهنية من الإعلام القومى تحت إغراء المادة والأخذ بأسباب التقدم التكنولوجى ليصنع نجاحه على أنقاضه، بينما يمارس الإعلام الآخر – الإعلام القومى - فعل الانتحار من الداخل بالتفريط فى كوادره الجيدة ومحاربة من يتمسك منهم بالبقاء فى مؤسسته، وبينما كان منحنى الفشل والانهيار يسرع بالإعلام القومى المقروء فى صورة انخفاض أعداد توزيع الصحف والمجلات القومية واحتلال صحافة رجال الأعمال تليها الصحافة الحزبية للمساحات التى تنسحب منها الصحافة القومية، كان انهيارا مماثلاً يحدث فى الإعلام المرئى هذا الكائن الذى تحول إلى ما يشبه الديناصور بجسده الضخم «ماسبيرو» المثقل بأكثر من 43 ألف موظف سدسهم على الأقل يعمل فى قطاع الأمن وهو ما يعكس دلالة المفهوم للوظيفة والمهمة، واقتصر عمل وزير إعلام مصر تقريبا على تسيير شئون مبنى ماسبيرو.
(4)
وأضفت أنه فى الوقت الذى ضاعت فيه البوصلة والطريق تحت أقدام إعلام ماسبيرو، تحددت أهداف و ولاءات الإعلام الخاص، وفى هذا الصدد يمكن أن نطرح أسئلة من عينة: هل يمكن أن تخرج قناة «أون تى فى» عن توجهات صاحبها نجيب ساويرس؟ أو تتبنى قناة الحياة ما يخالف قناعات السيد البدوى؟ وقِس على هذا قنوات السلفية وقنوات الإخوان التى سوف تنطلق أو تلك التى انطلقت بتمويلات مريبة لمناصرة تيار محدد ومرشحين محددين لرئاسة الجمهورية ، فكل تيار وكل صاحب مصلحة يعمل من خلال أجندته الخاصة وتوجهاته ويخدّم على مصالحه، وسواء أكانت خطأ أم صوابا، فهى من وجهة نظره لابد أن تسود وأن تنتصر للهدف الذى تأسست من أجله.
وتبقى مصلحة الوطن العليا أو الأجندة الوطنية التى يتفق أغلبية المصريين عليها، من يتبناها ومن يعبّر عنها؟ وبأى صيغة؟ مقابل أجندات أصحاب الإعلام الخاص على اختلاف أطيافهم».
هذا ما كتبته قبل 7 سنوات وما زال يصلح للنشر، والتذكرة به واجبة حتى لا يطل مجددا مثل هشام قاسم برأسه ويتحدث مدعيا قلقه على مصر.
وللحديث بقية..